فلسطين.. ورحلة الوعود المؤجلة!
ثمة آمال لدى الفلسطينيين، بأن تكون مخرجات زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن لأراضيهم منتصف يوليو المقبل، مغايرة عن زيارات غيره من الرؤساء الأمريكيين، الذين زاروا رام الله ومدنا فلسطينية أخرى فى سنوات سابقة، دون أن تفضى إلى التخفيف من وطأة الاحتلال،تمهيدا لإنهائه وفق محددات الشرعية الدولية، التى كانت واشنطن شريكا فى صياغتها. وبلور الرئيس محمود عباس (أبو مازن ) هذه الآمال فى نقاط موجزة أهمها:
أولا: أن تشكل هذه الزيارة محطة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الصديقين .
ثانيا: أن تسهم فى تهيئة الأجواء لخلق أفق سياسى يحقق السلام العادل والشامل القائم على أسس الشرعية الدولية.
ثالثا: أهمية تحقيق حل الدولتين، ووقف التوسع الاستيطانى، ومنع طرد الفلسطينيين من أحياء القدس، والحفاظ على الوضع التاريخى للحرم القدسى الشريف، ووقف الأعمال أحادية الجانب، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية.
بيد أن السؤال الجوهرى: هل يمتلك بايدن القدرة على التجاوب الفعال مع هذه المطالب التى تنسجم مع وعوده الانتخابية؟
إن تفاعلات إدارة بايدن مع الحالة الفلسطينية ، لم تتجاوز دائرة الخطاب السياسى اللين المدغدغ للمشاعرإلى الإنخراط عمليا فى خطوات، تقود إلى تغيير مسرح الأحداث لصالح عناوينها الرئيسية، فمبدأ حل الدولتين معطل إسرائيليا سواء من قبل رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نيتانياهو، أو من قبل الحكومة التى ترأسها نفتالى بينيت لمدة تزيد على العام،والذى قرر- بعد أن ضاقت أمامه الخيارات ــ حل الكنيست، وتصعيد رفيقه الرئيسى فى التحالف يائيرلابيد ليرأس حكومة تصريف أعمال، ريثما يتم إجراء الانتخابات الجديدة نهاية العام الحالى.
فى الوقت نفسه، لم تف إدارة بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، التى كان من الممكن أن تؤشر إلى تجاوز قرار ترامب بالاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الاحتلال، مكتفية بتغيير اسم وحدة الشئون الفلسطينية فى السفارة الأمريكية بالقدس المحتلة إلى المكتب الأمريكى للشئون الفلسطينية،فى محاولة لطمأنة الفلسطينيين .
والأهم من كل هذا،أن بايدن لم يمارس أى ضغوط على حكومة الاحتلال لوقف تصعيدها الخطير فى الأراضى الفسلطينية وتجاه المسجد الأقصى، ومضيها قدما فى مشروعها الاستيطانى،فضلا عن التصفيات الجسدية والاغتيالات والاعتقالات، وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين قسريا من مناطقهم. واكتفى ببيانات الشجب، الأمر الذى وفر ما يمكن اعتباره الغطاء السياسى لهذه الحكومة ومستوطنيها لممارسة عدوانية غير مسبوقة ضد الفلسطينيين، ورموزهم ومقدساتهم الإسلامية بل والمسيحية. واللافت،أن بايدن تجنب إدانة الاعتداءات التى مارستها قوات الاحتلال بصورة فجة خلال مراسم تشييع جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التى قتلت برصاصها، وفق سلسلة من تحقيقات استقصائية لمؤسسات إعلامية وصحفية أمريكية ،أبرزها «سى إن إن» و «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست « .
ولم يعد بايدن فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن،حسب تعهده ،ولم ترفع إدارته المنظمة عن قوائم الإرهاب، فى حين رفعت منظمة كاخ الإسرائيلية،ذات السجل الإرهابى والإجرامى الكبير ضد الفلسطينيين .
بالطبع سجل تراجع إدارة بايدن عن الوعود،أو عجزها عن التأثير على حكومة الاحتلال عميق،وهى سمة تشترك فيها مع الإدارات التى سبقتها،ومع ذلك فإنه، من الضرورة أن يضع الرئيس الأمريكى،خلال زيارته لرام الله ومباحثاته مع أبو مازن، نصب عينيه ،أن الفلسطينيين باتوا فى حاجة إلى خطوات وإجراءات تتجاوزسياقات الدعم المالى أو السياسى للسلطة الوطنية،التى أعلن عنها من قبل أو التى سيعلنها لاحقا.
غيرأن ما تخشاه دوائر فلسطينية على هذا الصعيد أن يكون حديث بايدن عن دعمه لحل الدولتين،لا يعنى بالضرورة دعمه للرؤية الفلسطينية، أو تلك التى أقرتها الشرعية الدولية، حيث سيسعى جاهدا لإقناع الفلسطينيين بصيغة جديدة لحل الدولتين ،قد تقترب من رؤية ترامب،التى أطلق عليها مسمى صفقة القرن، مع الالتفاف عليها وتجميل صورتها لا أكثر.