فى 21 مايو الماضى افتتح الرئيس السيسى مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى، والذى بدأ العمل فيه منذ ما يزيد على أربع سنوات، وجاء ذلك فى ظل ما فرضته الأزمة الأوكرانية وجائحة كوفيد 19 من ضغوط جديدة على كل من التجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمى ، والتى حملت تأثيرات سياسية وبيئية على أزمة الغذاء العالمى.
وتشير تقديرات عام 2021 إلى معاناة أكثر من 193 مليون شخص جديد عانوا انعداما حادا فى الأمن الغذائى وبزيادة تبلغ 40 مليون شخص عن العام السابق، ويُتوقع فى نهاية عام 2022 ان يدخل نحو 40 مليون شخص آخرين فى براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائى عالميا.
وهو الأمر الذى دفع البنك الدولى إلى تخصّيص مبلغ 30 مليار دولار لمواجهة الأزمة، والتى سيذهب جزء كبير منه لدعم دول فى إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وجنوب ووسط آسيا. وذلك فى مجالات الزراعة والحماية الاجتماعية، ومواجهة ارتفاع أسعار الغذاء ، ومشاريع المياه والرى.
وعلى المستوى الوطنى تعانى مصر تأثيرات الأزمة العالمية، والتى ترجع إلى حجم الفجوة الغذائية مع الزيادة المطردة فى عدد السكان، وتأثير الارتفاع الحاد فى الأسعار العالمية، واثر التغير المناخى فى الإنتاج الزراعى، وتلعب أزمة سد النهضة دورا آخر ضاغطا فى ترشيد المياه وفى تنمية التربة، وبخاصة إن المصريين يعيشون على 4% فقط من مساحة البلاد.
ويدفع ذلك الوضع إلى أهمية التحول من النظم التقليدية فى الزراعة إلى النظم الحديثة التى تلعب فيها التقنيات الحديثة دورًا حاسمًا فى المساعدة فى تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة، ومن أهم تلك المداخل المهمة تبنى تطبيقات الزراعة الذكية، وهى تلك التى تعتمد على إدخال التقنية فى المجال الزراعى من جهة وتبنى ما يعرف بالزراعة الذكية مناخيا من جهة أخرى. ويتم ذلك عبر توظيف تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعى والروبوت وإنترنت الأشياء، وتطبيق أنظمة إدارة وتحليل البيانات، وتقنيات التحكم عن البعد وتوظيف البيانات الضخمة فى التحليل واتخاذ القرار.والى جانب تبنى منهج متكامل لإدارة الأراضى الزراعية, ومواكبة الأساليب الزراعية وتربية الثروة الحيوانية، وإنتاج المحاصيل مع التغييرات الحاصلة والمحتملة لظاهرة تغير المناخ. وفيما يتعلق بالحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارى والإضرار بالبيئة. ومن المتوقع أن ينمو سوق الزراعة الذكية عالميا من 13.1 مليار دولار أمريكى فى عام 2021 إلى 20.6 مليار دولار أمريكى بحلول عام 2026.
ومن شأن عملية التحول لتطبيقات الزراعة الذكية أن تحدث ثورة زراعية رابعة يكون لها تأثير ايجابى مباشر وغير مباشر فى التنمية المستدامة، وزيادة الكفاءة الإنتاجية، وتقليل التكلفة الاقتصادية، والحد من التعرض لمخاطر الجفاف والآفات والأمراض وغيرها، ومواجهة زيادة الطلب على الغذاء مع ارتفاع عدد السكان، و ترشيد استخدام المياه والتربة، والتوظيف الأمثل للموارد الطبيعية واستخدام الطاقة المتجددة فى الزراعة والتى ترتبط بحياة الشعب المصري. وذلك من خلال إدخال تطبيقات الزراعة الذكية فى مرحلة ما قبل الإنتاج بما يتضمن تحسين المصادر الجينية والمدخلات الزراعية، ثم مرحلة الإنتاج بما يتضمن التأثير فى نمو المحاصيل ثم عملية حصادها، وإدارة الفاقد الغذائى منها،ثم مرحلة سلسلة بتحسين عملية التوزيع للمنتج ثم التخزين والنقل والبيع والدخول إلى الأسواق، ثم تأتى مرحلة الاستهلاك للمنتج وإدارة المخلفات.
وتتطلب عملية تطبيق الزراعة الذكية تعاون الحكومة والقطاع المصرفى والقطاع الخاص والمجتمع المدنى فى بناء القدرات لشباب الخريجين وصغار وكبار المزارعين حول تطبيقات الزراعة الذكية وإحداث تغيير ثقافى وتقنى وإدارى يفتح الباب أمام زيادة الاستثمارات الوطنية.
وأهمية إدراك حقيقة أن قضية الأمن الغذائى لا تتعلق فقط بالاكتفاء من السلع الغذائية، ولكنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتمكين التقنى للمجتمعات الريفية وزيادة الصادرات الزراعية بما يحقق مكاسب للاقتصاد الوطنى.
وتفعيل إستراتيجية وطنية لتطبيق الزراعة الذكية ومواجهة تحدياتها والتى تمثل البنية التحتية والفكرية للتنمية الزراعية، والتى يجب أن تشمل ليس فقط الأراضى الجديدة بل كذلك الأرض السمراء فى الوادى والدلتا، ولعل مشروع حياة كريمة لتنمية الريف المصرى يأخذ فى اعتباره هذه الأبعاد المهمة. الى جانب أهمية التعاون الدولى فى مجال تطبيقات الزراعة الذكية وبخاصة مع دول الاتحاد الأوروبى، واستنادا إلى ما تملكه مصر من موارد طبيعة وقدرات بشرية، وقيادة سياسية واعية بصناعة مستقبل مصر. وهو الأمر الذى يعيد الاعتبار لقضية الأمن الغذائى كإحدى ركائز الأمن القومى.