عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الرئيس وحلم الاكتفاء الذاتى
27 مايو 2022
بقلم ــ عـــلاء ثــابت


كان القلق يراود كل مصرى وهو يسمع الأنباء عن أزمة الغذاء العالمية التى تهدد معظم دول العالم، خاصة مع استمرار الحرب الأوكرانية، التى أثرت على إنتاج وتصدير دولتين من أكبر منتجى القمح هما روسيا وأوكرانيا، اللتان تنتجان 30% من الإنتاج العالمى، وتستورد مصر منها نحو 80٪ من احتياجاتها من القمح، وزاد من القلق أن دولا منتجة أخرى بدأت فى وقف التصدير حتى تضمن توفير احتياجاتها المحلية أولا، وتزيد من معدل التخزين، مما فاقم من حدة الأزمة، ولأن مصر تحتل صدارة الدول المستوردة للقمح، فقد كان اسمها يتردد فى وسائل الإعلام العالمية، فى إشارة إلى أنها من أكثر الدول المتأثرة بأزمة الغذاء العالمية، ولاسيما القمح.



كل من يتابع المشاريع الزراعية العملاقة، التى بدأ الرئيس السيسى فى إطلاقها تباعا طوال السنوات الماضية، ومنها مشروع الدلتا الجديدة الذى انطلق قبل ثلاث سنوات سيشعر بالاطمئنان، فالسنابل تغطى مساحات كبيرة من الصحراء فى الساحل الشمالى، حيث مشروع مستقبل مصر، الذى يعد المرحلة الأولى من الدلتا الجديدة، بمساحة 500 ألف فدان، ويجرى استكمال خطوات النهضة الزراعية الكبيرة، لتسابق الزمن، وتمنح مصر أمانها الغذائى، فى خطوات جبارة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى.



ويكفى للتدليل على ما تحقق من إنجاز أن واردات مصر من القمح تراجعت من 11.8 مليون طن فى عام 2020 إلى 6.1 مليون طن فى 2021، بانخفاض قدره 48.4 %، وذلك بسبب القفزة النوعية فى الإنتاج، والتى خففت عنا أعباء كبيرة، ووفرنا العملات الصعبة التى كنا ننفقها فى استيراد كمية ضخمة من القمح، بتوفير نصف الواردات، فى الوقت الذى توافرت فيه مئات الآلاف من فرص العمل، واتسعت المساحة المأهولة، والأهم من كل ذلك أننا لم نعد تحت رحمة تقلبات الأسواق العالمية، بل نخطو بقوة نحو حلم الاكتفاء الذاتى، لتكون لقمة عيشنا من إنتاج أيادينا.



هذا الإنجاز الكبير لم يتحقق من فراغ، بل بالجهد والعرق والتخطيط السليم والدراسات المُعمَّقة، فزراعة تلك المساحات الشاسعة تتطلب دراسة للتربة والمناخ وأساليب الرى المناسبة، وتوفير المياه اللازمة، والبنية التحتية الضخمة من كهرباء وطرق ورافعات للمياه وترع وآبار ومحطات معالجة، كل خطوة من هذه الخطوات احتاجت الكثير من العمل الدءوب والعقول التى تخطط، ولا تترك مشكلة صغيرة أو كبيرة إلا ووجدت لها الحل المناسب، فالأمر ليس يسيرا، والجهد والاستثمارات أضخم من كل التصورات، وتعالج أخطاء وإهمال عقود طويلة، من التعدى بالبناء على الأراضى الزراعية، وتقادم وتهالك شبكات الرى، وانسداد الترع، وإهدار المياه، وتجريف التربة الخصبة، التى تكونت على مدى آلاف السنين من طمى النيل، لنحرقها ونحولها إلى طوب للبناء على الأراضى، ويأكل الزحف العمرانى الأخضر واليابس طوال عقود، حتى جاءت مشروعات الرئيس السيسى، التى استهدفت تغيير خريطة مصر الزراعية، والتوسع الأفقى والرأسى فى الإنتاج الزراعى والحيوانى والمزارع السمكية وإنتاج الألبان.






إنها نهضة لم نكن نحلم بتحقيقها فى عشرات السنين، تتحقق بالفعل، ونرى آلات الحصد الحديثة وهى تشق طريقها وسط المزارع الشاسعة، فلا ترى بيتا واحدا على مدى البصر، لأنه لا تقام أى منشآت فوق تلك الأراضى المستصلحة، وإنما على الأراضى الصخرية التى لا يمكن زراعتها، هذا هو التخطيط السليم والمبشر بالخير، والذى يضع فى اعتباره التنظيم الدقيق، وتكامل المشروعات، وأن تتحول المحاصيل إلى منتجات زراعية، باستخدام أفضل المعدات وأحدثها، مما يقلل من الهدر، فلا تضيع حبة قمح، وإنما تزيد قيمتها.



كما راعت الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وجرت معالجة مياه الصرف الزراعى والصحى، مع استغلال مياه الأمطار والآبار، والقيام بتبطين الترع لخفض الهدر المتسرب من قاع وجوانب الترع الرملية أو الطينية، والحد من التبخر، والتوسع فى إنتاج الصوبات الزراعية التى تخفض استهلاك المياه بنسب تتراوح بين 50% و60 %، وترفع إنتاجية الفدان بمعدلات كبيرة.



مشروع الدلتا الجديدة الواعد، الذى سيغير وجه مصر، ليس إلا واحدا من تلك المشروعات الزراعية التى تمتد من مشروع توشكى فى أقصى الجنوب الغربى إلى مشروعات سيناء الزراعية فى أقصى الشمال الشرقى، وتوسيع الشريط الضيق المزروع فى محافظات الصعيد، ليمتد شرقا وغربا، وبه تتوافر فرص عمل لشباب تلك المحافظات التى ظلت تعانى الإهمال وضعف معدلات النمو، فعانت الفقر، وهاجر أبناؤها إلى كل الأنحاء بحثا عن مصدر للرزق.



لم يكن لتلك المشروعات الضخمة أن ترى النور بدون شبكة الطرق العملاقة، ومحطات إنتاج الكهرباء، وتطوير شبكة الرى القديمة ووقف نزيفها، وبناء شبكات حديثة لأول مرة منذ عصر محمد على فى مطلع القرن التاسع عشر، وكانت وراء نهضة كبيرة، لكنها شاخت وتهالكت، وكانت تجرى لها بعض أعمال الصيانة المحدودة من وقت لآخر، لكنها لم تتجاوز حدود الرتق الجزئى لثوب قديم، حتى جاءت مشروعات الجمهورية الجديدة، التى وضعت مصر على أعتاب مرحلة مختلفة فى جوهرها وأدواتها، لا تعتمد على إصلاح جزئى أو عمليات ترميم محدودة، بل البناء الشامل والمتكامل لدولة حديثة فى مختلف المجالات.



وكان من الصعب على الكثيرين استيعاب أفكار مثل الدلتا الجديدة أو العاصمة الإدارية أو سلسلة المدن الذكية، التى بنيت على تخطيط حديث، يوفر كل الخدمات ويستوعب المتغيرات، ويتجاوز العيوب والتشوهات التى اعتدنا عليها، ولم نشاهد إلا تلك الطريقة المعتادة فى البناء بلا تنظيم، ولا مراعاة لأصول البناء، وتحولت معظم مدننا إلى عشوائيات، يجرى إصلاح وتحسين ما هو قابل للإصلاح، وإعادة بناء ما استعصى على الإصلاح، وكان ذلك يتطلب بالطبع إنفاق الكثير من الاستثمارات، وبالطبع الكثير من المعاناة والتضحيات، فلا شيء بلا ثمن، وكان علينا أن نتحمل حتى يمكننا تحقيق هذا الحلم الذى يستحق أن نبذل الكثير من الجهد والعرق من أجل تحقيقه، حتى نرى ثماره، وها نحن الآن نرى أولى نتائج الحصاد، والتى نجونا بفضلها من مجاعة كادت تضرب شعبنا، وستعانى منها كثير من الدول، فجاءت سنابل مشروع مستقبل مصر لتنبت لنا أملا جديدا وحاضرا آمنا، ومستقبلا واعدا.