عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
د. أحمد جمال الدين موسى فى حوار عن الأدب والحياة: الكتابة دائما أداة للتغيير والبحث عن الحالة المثالية
5 مايو 2022
حوار ــ محمود القيعى
د. أحمد جمال الدين موسى



  • الأدب بالنسبة لى هواية ومازلت أكاديميا متخصصا فى القانون والاقتصاد


  • الحيرة بين الماضى والحاضر عنوان أزمتنا الحضارية ونحتاج إلى توازن هوية للحاق بالغرب



 



 



يرى وزير التعليم الأسبق والكاتب والروائي د. أحمد جمال الدين موسى أن الأدب يشكل أداة غير مباشرة للتأمل والتفكير في المشكلات التي تعترضنا، والإحاطة ــ بعمق ــ بأسبابها وأبعادها التي قد لا نراها بوضوح فى أثناء تعاملنا اليومي معها . فاجأ جمال الدين الوسط الأدبي بثلاث روايات صدرت في الأعوام الماضية:» فتاة هايدلبرج الأمريكية «، «لقاء في واحة الحنين»، «ملك التنشين»، يبدو منشغلا فيها بالطبقة الوسطى ويراها جديرة بأن تقود المجتمع نحو نهضة تليق.



وحسب تعبيره في حواره مع «الأهرام»، لا أمل حقيقيا في تجاوز الأزمة الحضارية إلا بأن نسلك سلوكا متوازنا، بحيث لا نفقد هويتنا الأصلية، في سعينا الدائب لتجسير الفجوة بيننا وبين الغرب المتقدم عن طريق الانفتاح عليه لكسب معارفه الفكرية والتقنية والاقتصادية، مع الاحتفاظ بثوابتنا التاريخية ومن يقرأ أعماله يتبين حرصه على كشف المسكوت عنه في المجتمع من أوضاع غريبة باتت تؤرقه في الليل وتقلقه بالنهار.. وإلى الحوار:



 



 



ما المؤثرات التي أسهمت في تكوينك أدبيا ؟



عدة مؤثرات، أولا مكتبة العائلة التي كانت أمام ناظري منذ النشأة الأولى، فعودتني على القراءة مبكرا، وأتذكر أنني في المرحلة الإعدادية حصلت على جائزة مكافأة على أنني كنت أكثر التلاميذ استعارة من مكتبة المدرسة. ولا أنسي أن الأديب الكبير أبو المعاطي أبو النجا كان من العائلة، ومثل لي قدوة حسنة، وكان من حسن حظى قربي منه وتعاملي معه في مرحلتي الجامعية .



هل تتذكر الكتاب الأول الذي قرأته؟ وما الكتاب الذي لعب الدور الأكبر في تكوينك أدبيا ؟



لا، لا أتذكر الكتاب الأول، لكنني في صباي كنت نهما لمطالعة حكايات كامل كيلاني ومغامرات أرسين لوبين وتجذبني روايات أجاثا كريستي وشارلوك هولمز. وربما يكون العمل الأدبي الذي جذب انتباهي بقوة لأول مرة هو قصة توفيق الحكيم "عصفور من الشرق" ، حيث حلقت بخيالي بعيدا ودعتني للتفكير في قضية العلاقة بين الشرق والغرب. وفي المرحلة الجامعية بهرتني روايات نجيب محفوظ واليوناني نيكوس كازانتزاكيس صاحب زوربا والإخوة الأعداء والمسيح يصلب من جديد، وقضيت أوقاتا طويلة في مطالعة معظم أعمال فيدور ديستويفسكي وتولوستوي وألبرتو مورافيا وإميل زولا وجان بول سارتر.



ماذا يعني لك أن تكون روائيا ؟



الكتابة الروائية هواية بالنسبة لي، وليست احترافا، كنت وما زلت أكاديميا متخصصا في القانون والاقتصاد، لكن حنيني للكتابة الأدبية يعود لفترة دراستي الجامعية، والأعوام التي أعقبت المرحلة الجامعية، وحتى قبل سفري فى بعثة إلى فرنسا عام ١٩٧٧.



بعد ذلك ولمدة ٣٠ سنة لم أكتب شيئا، فقط انشغلت برسالتي وأبحاثي ومؤلفاتي، ثم الوظائف الأكاديمية والقيادية في الجامعة حتى صرت رئيسا لجامعة المنصورة ، ثم العمل الوزاري أكثر من مرة .



أول رواية نشرت لي هى " فتاة هايدلبرج الأمريكية" ونشرت في 2013 . متعة الكتابة الأدبية في أعماقي لا تعادلها متعة أخرى، والوقت الذي أجلس فيه للكتابة الأدبية هو الأكثر متعة لي .



تبدو منشغلا في كتاباتك بالطبقة الوسطى، ومعظم أبطال أعمالك منها، تُرى ما السر؟



اختياري أبطال أعمالي عادة يكون من بين الطبقة الوسطى، وهذا أمر أراه طبيعيا، لانتمائي لتلك الطبقة، وأيضا معظم معارفي ينتمون لها، فضلا عن كونها العمود الفقري لأي مجتمع، وواجبها أن تقوده نحو المستقبل .



الطبقة الوسطى قديما قدمت لنا العقاد وطه حسين ولطفي السيد وسواهم، برأيك لماذا تراجعت وأثر ذلك سلبيا على قوة مصر الناعمة ؟



لعبت الطبقة الوسطى دورا مهما في تطور المجتمع المصري منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأسهم أبناؤها مساهمة قيمة في حركة التنوير والتحديث، خاصة عند رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك، ثم سعد زغلول وأحمد لطفي السيد والدكتور هيكل وعباس العقاد وغيرهم . ودون جهودهم المخلصة ما كانت مصر تبوأت مركز القيادة بين الدول العربية . وأتفق معك في أن دور الطبقة الوسطى قد تراجع نسبيا، لعدة عوامل: سياسية واقتصادية واجتماعية، ولعلنا نجد تفسيرا علميا لذلك في سلسلة المقالات المتميزة التي كتبها أخيرا في صحيفتكم الموقرة عالم الاجتماع المبدع الصديق العزيز د.أحمد زايد.



هل تؤمن بجدوى الكتابة الأدبية في التغيير؟ وهل يمكن أن تكون أداة للمقاومة ؟



الكتابة هي دائما أداة للتغيير، والبحث عن الحالة المثالية، قد تنجح تارة، ولا تنجح تارة أخرى. في بعض الأحيان تستخدم الكتابة على نحو سلبي، وتؤدي لتعزيز القيم الرجعية المتخلفة العنصرية، لكنها في معظم الأحيان أداة مهمة للسعي نحو التقدم والنهضة والتنمية ومقاومة الفساد والقبح والتخلف.



ماذا عن السياسة في أدبك؟



أعتقد أن السياسة حاضرة دائما في كتاباتي، وليس ذلك بغريب، فقد كنت منذ النشأة الأولى مهتما بالسياسة، قراءة وكتابة وممارسة، كنت طالبا قياديا في منظمة الشباب، وشاركت في الحركة الطلابية يناير 1972، وحاربت في أكتوبر 73، وكنت وزيرا أكثر من مرة ورئيسا لحزب سياسي فترة قصيرة، لذلك من الطبيعي أن يكون لدي اهتمام بالسياسة، وأن تنعكس السياسة بصورة غير مباشرة في اختياري لموضوعاتي الأدبية وأسلوب تناولها، ومواقف أبطالها واهتماماتهم، ومآزقهم والنجاح أوالفشل الذي يصيبهم.



غير أنني حريص على ألا يظهر هذا الاهتمام بالسياسة على نحو مباشر، وألا يؤدي هذا إلى تحول العمل الأدبي إلى رسالة سياسية أيا كان مضمونها، لأنه حينئذ سيفقد متعته وقيمته كفن روائي أصيل. ولابد للأدب أن يثق في قدرة القارئ على فهم ما بين السطور وأن يعطيه الحق في اختيار مواقفه الشخصية من المسائل التي يطرحها الأديب، فلا يتبع بالضرورة مواقف ورؤى الكاتب. لذلك تعودت ألا أدين وألا أمجد مواقف أبطال رواياتي، وألا أتخذ موقفا محددا منهم، سلبيا كان أو إيجابيا.



نموذج "غريب" في رواية " ملك التنشين " هل نعده نقدا للجيل الجديد " المأزوم " أم تعاطفا معه أم إدانة للمجتمع ؟



أعتقد أنه خليط من كل ذلك، فغريب نموذج للانتهازي الصغير، لكن انتهازيته لا تنبع بالضرورة من خطيئة أخلاقية ولد بها، لكنها وجدت مناخا خصبا سمح بنموها وترسيخها، "غريب" جان وضحية في الوقت نفسه، هو نتاج مجتمع يفتقد الشفافية والوضوح والحسم، أو كما جاء في الرواية أنه مثل كثيرين غيره، نتاج المناطق الرمادية التي يختلط بها الأبيض بالأسود، والمشروع بغير المشروع.



النهايات في أعمالك مؤلمة.. هل هي محاولة منك للتنبيه للأخطاء والخطايا قبل فوات الأوان؟



قد أعدها كذلك، لكنها مرتبطة أيضا بالسياق الروائي، نهاية غريب المأساوية لا تبدو شاذة في ظل التدهور الذي هبط إليه أخلاقيا وجنائيا، أيضا نهاية رواية لقاء في واحة الحنين، حيث تم اختطاف رفقاء الحركة الطلابية عقب احتفالهم بمرور أربعين عاما عليها يأتي عقب شجار وصراع فكري في أعقاب ما حدث في يناير ٢٠١١ .



ما تعرض له أيضا بطل رواية " فتاة هايدلبرج الأمريكية " من تعذيب واختطاف تحت دعوى أنه جاسوس أو إرهابي في ظل التوتر الذي ألم بالغرب في أعقاب حادثة البرجين في نيويورك يعد منطقيا أيضا في ظل أحداث الرواية .



كيف تقيم مسار حركة التنوير في مصر والعالم العربي، وما أسباب الضعف الذي أصابها ؟ ولماذا لم يؤت المشروع الحداثي ثماره ؟



قاد أحمد لطفي السيد متأثرا بجمال الأفغاني والشيخ محمد عبده حركة التنوير في مطلع القرن العشرين التي تعدى تأثيرها مصر إلى بقية العالم العربي، ولم تكن معركته سهلة، حيث اتهم ظلما باتهامات ساذجة مثل مخالفة تعاليم الدين الإسلامي والدعوة للتحلل الأخلاقي. الواقع أن هناك دائما مقاومة للتغيير تقودها جماعات وتيارات غير قادرة على التفكير الحرالعقلاني ومتخوفة من أي تغيير قد يصيب المجتمع .



أتى المشروع التنويري التحديثي بثمار كثيرة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين، لاسيما على مستوى المثقفين والمتعلمين، لكنه تعثر بعد ذلك لأسباب عديدة من بينها المصاعب الاقتصادية التي قللت من اهتمام الطبقة الوسطى بالشأن الثقافي، والتضييق النسبي في حرية الرأي، وتراجع مستوى التعليم، وعودة التيارات المتزمتة والرجعية لممارسة تأثيرها السلبي على المجتمع .



الموقف من الغرب ومن التراث كان أحد أسباب تأجيج معارك خلافية كثيرة لا تزال ممتدة حتى الآن، الأمر الذي أسهم في تراجع الأمة، كيف ترى الأمر ؟



في اعتقادي أن واقعنا في الحقبة المعاصرة يقودنا دائما لتلك الإشكالية، فنحن ننتمي لحضارات قديمة عريقة ومتميزة تزخر بأسباب الفخر والاعتزاز، سواء الحضارة الفرعونية أو القبطية أو الإسلامية العربية، لكننا لأسباب تاريخية، لا مجال لسردها هنا، لم نعد في المقدمة، بل في الخلف، نتلقي أسباب التقدم المادي والفكري والتقني من الحضارة الغربية، لذلك نحن في أزمة حقيقية حيارى بين ماضينا التليد وحاضرنا المقترن بالتبعية للغرب.



ولا أمل حقيقيا في تجاوز تلك الأزمة إلا بأن نسلك سلوكا متوازنا، بحيث لا نفقد هويتنا الأصلية في سعينا الدائب لتجسير الفجوة بيننا وبين الغرب المتقدم عن طريق الانفتاح عليه لكسب معارفه الفكرية والتقنية والاقتصادية، إذن هي عملية تأقلم وتكيف مستمر مع التطور الحضاري العالمي مع الاحتفاظ بثوابتنا التاريخية التي يجب ألا نفرط فيها .