عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
كوفيد وإعلام المؤسسات العامة
5 مايو 2022
د. محمد شومان


كشفت جائحة كوفيد - 19 فى المجتمعات النامية والمتقدمة عن ازمات وإشكاليات متعددة، منها ضعف الوعى العام بضرورة تلقى اللقاح والحضور القوى لنظرية المؤامرة فى تفسير ظهور فيروس كورونا، والأمصال وإجراءات الاغلاق العام والتباعد الاجتماعى، وناقش بعض الكتاب والباحثون هذه الاشكاليات من زاوية وجود فجوات فى التعليم والمعرفة والوعى داخل كل مجتمع، وعكست هذه الفجوات تدهور نظم التعليم وبرامج التوعية التى يفترض أن ينتجها وتنشرها وسائل الإعلام التقليدية والجديدة ووسائل التواصل الاجتماعى، علاوة على اتصالات أو إعلام الحكومة أو ما يعرف بالعلاقات العامة الحكومية. هذه الاتصالات (إعلام) تمارسه الوزارات والهيئات الحكومية والمحليات والجامعات من خلال هياكل وموارد كبيرة، لكن ماتزال أدوارها فى المجمل ضعيفة، ولم تخضع تأثيراتها فى الجمهور لدراسات جادة تتابع وتقيم وتقوم ممارساته، فهو للاسف لايلقى اهتمام الباحثيين والمشتغلين بالاعلام، اذ ينظر أغلبهم لهذه الاتصالات باعتبارها أومر حكومية أو إعلاما رسميا احادى الاتجاه من الحكومة للمواطنين، وبالتالى لايهتم به الجمهور لانه يأخذ شكل التحذيرات والتنبهات، لكن اعتقد ان هذه النظرة يجب ان تتغير.. ليس فقط عند الجمهور او باحثى الاعلام وإنما ايضا لدى المؤسسات العامة، بحيث تتماشى مع تحولات النموذج الاتصالى التفاعلى الرقمى، والذى اصبح متعدد الاطراف واكثر تفاعلية.



من هنا جرت مراجعات نظرية وعقدت مؤتمرات حول العالم لمراجعة وتقييم الرؤى والاستراتيجيات الخاصة بالتعامل مع اتصال او اعلام المؤسسات الحكومية، وظهر مفهوم جديد هو اتصالات اواعلام القطاع العام، او اعلام المؤسسات العامة، ويقصد به الاتصالات التى تقدمها وتتيحها مؤسسات الحكومة والمؤسسات شبه الحكومية وجمعيات وهيئات المجتمع المدنى للمواطنين بهدف نقل المعلومات من وإلى هذه المؤسسات الى المواطنين او العكس، اى اتاحه الفرصة كاملة وعبر شبكات التواصل الاجتماعى والقنوات التقليدية للاعلام للمواطنين للتعبير عن آرائهم مناقشة ما يقدم اليهم من معلومات وقرارات.



وينظر حاليا الى اعلام المؤسسات العامة باعتباره اتصالا موجها من المؤسسات بهدف بناء الصالح العام والثقة بين المواطن والسلطات والحفاظ عليه فى اطار ظروف ثقافية واجتماعية وساسية محددة، فكما نعرف فإن الاتصال والاعلام عملية معقدة وتتداخل مع عوامل ومتغيرات كثيرة، حتى انه يصعب فى كثير من الاحيان معرفة حدود التأثير الاعلامى بين متغيرات اخرى مثل التعلم والدخل ومستوى الوعى والتربية والعوامل الشخصية، لكن بشكل عام لابد من تغيير الرؤى والاستراتيجيات والممارسات الاعلامية فى اعلام المؤسسات العامة، بحيث تتماشى مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعى ومع انتشار خدمات الحكومة الرقمية، إضافة الى الفورية فى التفاعلات بين المواطنين والمؤسسات العامة سواء كانت حكومية او تابعة للمجتمع المدنى، وعلى الرغم من اهمية وعمق هذا التحولات فإنه من المفيد التأكيد على ان اعلام المؤسسات العامة يسعى دائما إلى تشجيع الناس أو تمكينهم من تبنى سلوك جديد او للتوقف عن فعل شيء ضار مثل تسديد الضرائب فى موعدها او تلقى لقاح ضد مرض معين او ترشيد استهلاك المياه.



هذه الاهداف ممكنة التحقيق شرط ان تتغير النظرة لاعلام المؤسسات العامة، وتتأكد شرعيته واهميته، واتصور ان هذا التغيير يمكن تحقيقه من خلال:



اولا: تغيير خطاب تلك المؤسسات واساليب عملها بحيث تكون اكثر مهنية وانفتاحا وتنوعا، واكثر تفاعلا مع الاعلام الجديد ودور المواطن الصحفى والمستخدم القادر على انتاج ونشر محتوى اعلامى جذاب ومؤثر، وهنا لابد من تسريع وتيرة الاداء الاعلامى للمؤسسات العامة، حتى تتماشى مع حالة الاتصال الفورى والمستمر، التى تميز العصر الرقمى والتفاعلات الجماهيرية الضخمة والمعقد عبر وسائل التواصل الاجتماعى.



ثانيا: ثقة القائمين على اعلام المؤسسات العامة فى قدراتهم على تطوير ممارساتهم الاعلامية بالتعاون والشراكة مع المواطنين، مما يدعم من قدرات اعلام المؤسسات العامة على لعب ادوار مؤثرة، ربما تساعد فى سد بعض عيوب اعلام الخدمة الوطنية التى يفترض انها تقدم عبر ماسبيرو والقنوات الاخرى والصحافة القومية. وهنا لابد من التركيز على انشطة اتصالية تهدف إلى توفير المعرفة والمهارات للتفاعل الناجح بين المؤسسات العامة وأصحاب المصلحة، ويشمل ذلك أنشطة أخرى مثل بناء السمعة الطيبة والحصول على دعم المواطنين، والتخطيط الاستراتيجى للاتصالات، والتواصل أثناء الأزمات.



ثالثا: توفير الدعم المالى والفنى لإعلام المؤسسات العامة، وازالة بعض المعوقات البيروقراطية والقانونية التى تعرقل دوره، فضلا عن التخلى عن المؤشرات المالية فى تقييم اداء اعلام المؤسسات العامة مثل زيادة الايرادات او خفض النفقات، واستبداله بمعايير أخرى كمية وكيفية تتعلق بتحقيق الصالح العام وبناء الوعى وتجنيب المجتمع ازمات ومشكلات بيئية وصحية وامنية، والاشكالية هنا انه يصعب تقييم المردود المباشر وغير المباشر لقضايا تتعلق بنشر الوعى الصحى او البيئى، خاصة أن آثارها تراكمية وطويلة المدى وتشتبك مع متغيرات اخرى كثيرة.



رابعا: إن تعظيم الفرص الناتجة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعى والشفافية والانفتاح مع ما ينشره المواطنون، لايعنى اهمال المخاطر التى قد تثيرها هذه الوسائل، اذ يمكن أن تزيد من حدة التوترات فى العلاقات بين السلطات والمواطنين، لا سيما عندما يتوقع المواطنون الشعور بالرضا التام، او شفافية المعلومات، لان ذلك ربما لا يتحقق بشكل كامل، لاعتبارات أمنية او لدواعى المصلحة العامة، كما قد تختلف تقييمات الجمهور حول مفهوم الرضا وشروط الخدمات الحكومية، من جانب آخر لابد من الانتباه الى ازمة الثقة والمصداقية فيما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعى، خاصة الاخبار المضللة والتزييف العميق. ان هذه المخاطر تتطلب ادارة ذكية ومرنة لاعلام المؤسسات العامة، وقادرة على المبادرة والعمل خارج الصندوق، ولاشك ان ايجاد هذه الادارة يتطلب خططا تدريبية حديثة ومبتكرة وممارسات فعلية فى ارض الواقع، تخضع للتقييم والتقويم ومن ثم التطوير المستمر.