عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«الميليشيات».. كابوس يؤرق كولومبيا
27 أبريل 2022
شيماء مأمون
> انضمام مقاتلى «فارك» إلى جماعات جديدة يطلق عليها اسم «المنشقين»


حقبة جديدة من السلام كان من المفترض أن تعيشها دولة كولومبيا التى عانت على مدى عقود عديدة ويلات الحرب، هذا ما قرره اتفاق السلام الكولومبي، الذى وقعته الحكومة وحركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية «فارك» عام 2016، والذى نص على قيام الآلاف من مقاتلى الحركة بإلقاء أسلحتهم. لكن الفراغ الإقليمى الذى خلفه التمرد القديم، وغياب العديد من الإصلاحات الحكومية الموعودة، أديا إلى مستنقع إجرامى نمت فيه جماعات مسلحة جديدة تتنافس للسيطرة على تجارة المخدرات، خاصة فى أجزاء كثيرة من المناطق الريفية التى شهدت مؤخرا عودة أعمال القتل والتهجير والعنف، لتصبح أوضاع هذه المناطق أسوأ مما كانت عليه قبل الاتفاقية.



ووفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر يوجد فى البلاد حاليا ستة صراعات منفصلة، ثلاثة منها تضم مجموعات سابقة من القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، تقوم بالعديد من الجرائم منها القتل، والاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية. كما أعلنت «الولاية القضائية الخاصة من أجل السلام»، وهى محكمة تم إنشاؤها بموجب اتفاق السلام للتحقيق فى أعمال الحرب، بأن المواجهات بين الجماعات المسلحة أصبحت على أعلى مستوى لها منذ توقيع الاتفاق فى جميع أنحاء البلاد.



ويشير تقرير نشرته صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية، إلى أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا خاصة بعد انضمام مقاتلى «فارك» من المتمردين والجنود والقوات شبه العسكرية إلى جماعات جديدة يطلق عليها اسم «المنشقين»، هذا بالإضافة إلى المجندين الجدد وأعضاء الجريمة المنظمة نتيجة كثير من الإغراءات على رأسها منح رواتب مرتفعة. وطبقا لما أعلنته الأمم المتحدة فقد أدت هذه الأمور إلى تصاعد قتل المدافعين عن حقوق الإنسان منذ عام 2016، حيث قتل أكثر من 13 ألف شخص العام الماضي، وهو أكبر عدد منذ عام 2014، ولا تزال معدلات نزوح الأهالى مرتفعة بشكل يثير القلق، حيث أجبر 147 ألف شخص على الفرار من منازلهم العام الماضى وحده.



وتعد ميليشيا «كوماندوس دى لا فرونتيرا»، التى تشكلت فى عام 2017 ، واحدة من أحدث الميليشيات التى ظهرت مؤخرا فى البلاد، فهى تتمتع بسيطرة كاملة على العديد من المناطق وإدارة الاعمال الرئيسية بها بل وتعمل بمثابة الشرطة غير الرسمية، كما تعمل أيضا على استقطاب حلفاء جدد من أجل السيطرة على «بوتومايو وكاكيتا»، وهما مقاطعتان فى منطقة الأمازون الكولومبية بالقرب من الحدود مع الإكوادور وبيرو. وتعد هذه المنطقة موطنا لاثنين من الصناعات المهمة فى البلاد وهما النفط والماشية، كما تلعب دورا مهما فى تجارة المخدرات.



ويحذر الخبراء الأمن من أنه إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة فى قمع هذه الميليشيات والوفاء بوعود الاتفاقية، فقد تتجه البلاد نحو دولة تبدو أشبه بالمكسيك، التى دمرتها عصابات المخدرات، خاصة أنه لم يتم حل مشكلة الأمن الأكثر تعقيدا فى البلاد خلال الفترة الرئاسية الأخيرة التى بلغت مدتها أربع سنوات، لاسيما أن موجة العنف الجديدة يغذيها عدم التزام الحكومة ببرامج اتفاق السلام. ويقول آدم إيزاكسون، مدير الإشراف الدفاعى فى مكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية « إن عدد الضحايا مؤخرا كان أسوأ من سنوات الحرب». مضيفا أن «الحكومة لم تساعد بأى شيء..الكوكا قد أصبح هو الدولة». كما قال كايل جونسون، محلل بإحدى المنظمات غير الربحية فى كولومبيا «القلق أن هذه التحالفات يمكن أن تنقل العنف من خليط من المعارك بين مجموعات صغيرة إلى مواجهة بين مجموعتين كبريين، مما يؤدى إلى نشوب صراع على الصعيد الوطني».



من جانبه، أعلن وزير الدفاع دييجو مولانو مؤخرا أن الجيش يبذل كل جهد ممكن لمحاربة هذه الجماعات الجديدة من خلال مضاعفة تركيزه على القضاء على زعماء العصابة والقضاء على الكوكا وتسريح المقاتلين، وقال: «بشكل عام، قمنا باحتواء التهديد».



لكن بعد العملية الأخيرة التى أعلن فيها الجيش أنه قتل 11 من الكوماندو، زعمت منظمات المجتمع المدنى أن العديد من القتلى كانوا فى الواقع مدنيين وأن الهجوم وقع خلال حملة لجمع التبرعات فى البلدة. وهو الأمر الذى نفاه وزير الدفاع، وقال «لم تكن العملية ضد المواطنين، بل ضد منشقين عن القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، فهى لم تكن ضد السكان الأصليين الأبرياء، ولكن تجار المخدرات».



وأخيرا يمكن القول إنه ربما يكون الاختلاف الأكبر بين القوات المسلحة الثورية لكولومبيا القديمة والميليشيات الجديدة فى ماهية من يقاتلون، فالقوات المسلحة الثورية لكولومبيا كانت تقاتل الدولة. فى حين أن الكوماندو لا يهاجمون الحكومة ولا يعتبرونها عدوا لهم، بل يسعون لاستئصال «الجماعة المنافسة»، ثم التفاوض من أجل اتفاق سلام أكثر قوة مع السلطات فى العاصمة بوجوتا.