الطائفيةُ السياسيةُ هى أساسُ الأزمة اللبنانية والسبيلُ إلى حلها فى آن معًا0 إعادة بناء التوافق الذى تصدع قد يكونُ أقل صعوبة من إلغاء الطائفية السياسية. يقومُ النظامُ اللبنانىُ على صيغةٍ للتوافق السياسى-الطائفى مستمدة من نموذج الديمقراطية التوافقية المعمول به فى عدد من البلدان المنقسمة دينيًا أو عرقيًا أو لغويًا، سعيًا إلى تمثيل مختلف الفئات المجتمعية. درستُ هذه الصيغة بتفاصيلها حين تخصصتُ فى منطقة المشرق العربى فى بداية عملى بمركز دراسات الأهرام، وعملتُ فى بيروت نحو عامين فى منتصف التسعينيات، فازدادت معرفتى بها. وكان استنتاجى أن المشكلة ليست فى هذه الصيغة نفسها، لأنها حققت نجاحًا ملحوظًا حتى أواخر السستينيات، بل فى التدخل الإقليمى والدولى. كان لبنان الحرُ المزدهرُ فى الستينيات ساحة مفتوحة لما أُطلق عليها حربُ باردةُ عربيةُ فى الستينيات0 وعندها بدأ الاستقطابُ السياسىُ يتبلورُ على خطوط الاختلاف الطائفى0 وازدادت حدته عندما صار جنوبُ لبنان ساحة للصراع الفلسطينى-الصهيونى عقب حرب 1967، وقاد إلى اندلاع الحرب الأهلية 1975. ورغم أن وضع حدٍ للتدخل الخارجى هو المدخل لحل الأزمة, فهو يبقى بعيد المنال ما لم يحدث توافقُ داخلىُ ليس أقل بُعدًا فى المدى المنظور، رغم أن الوضع بات مأساويًا0 ولا يبدو أن اتفاقًا متوقعًا على برنامج إصلاح اقتصادى مع صندوق النقد الدولى، وقرب موعد الانتخابات النيابية فى 15 مايو، كافيان لخلق فرصةٍ للتوافق. ما يحدثُ، فى سياق الاستعداد لهذه الانتخابات، هو مزيدُ من التدخل الخارجى يصبُ زيتًا إضافيًا على نار الأزمة، ومزيدُ من الصراعات الداخلية التى يُضاف إليها صراع على أصوات الطائفة السُنية بعد قرار زعيم تيار المستقبل سعد الحريرى الانصراف مؤقتًا على الأقل. يبدو معظمُ اللبنانيين السُنة فى أصعب وضعٍ فى تاريخهم، بينما يشتدُ الصراعُ بين طرفين يحاولُ كلُ منهما جرهم إلى أحضان حليفه الإقليمى. غير أن صمود أهم قادتهم السياسيين والدينيين يشى حتى الآن بفشل هذه المحاولة، خاصة بعد تشكيل بضع لوائح مستقلة عن المتصارعين عليهم، وظهور مؤشراتٍ أوليةٍ إلى أن اللائحة الأهم بينها (هيدى بيروت) هى الأكثر قبولا لدى الناخبين السُنة.