كشفت الحرب الأوكرانية عن الوسائل الملتوية التى يتبعها الإعلام الغربى فى تغطية الأحداث، وإذا كان الرأى العام يتشكل من خلال تحليلات وسائل الإعلام الغربية فيجب أن نكون أكثر حذرا. فى مواجهة الحروب، يجب أن يلعب الإعلام دورًا موضوعيًا ويقدم معلومات مؤكدة ويزيل التصعيد ويوثِّق الحقائق. على الرغم من أن الموضوعية الكاملة قد تكون مستحيلة إلا أن تغطية الإعلام الغربية لهذه الحرب بالذات تعارضت مع هذه الأهداف.
حظيت حرب أوكرانيا بتغطية إعلامية أكثر من أى صراعات أخرى متجاهلا بعضها تماما، مما قد يجعل العالم غير ملم بها أو بأهميتها. أسباب ذلك التوجه واضحة: أوكرانيا بلد أوروبى والدولة المعتدية قوة نووية والمصالح الغربية مهددة. فمثلا ذكر الإعلام الغربى أن ٤٫٢ مليون طفل أوكرانى قد نزحوا من ديارهم ولم يتكلم عن الـ ٥٫٢ مليون طفل المعرضين للمجاعة ووفاة ٨٥ ألف طفل من الجوع فى اليمن. مقتل ١٤٠٠ مدنى فى أوكرانيا هو أمر مفجع إلا أن وفاة نصف مليون شخص من الحرب والمجاعة فى منطقة تيجراى بإثيوبيا خلال الأشهر الستة عشر الماضية لم يحظ بنفس التغطية.
ثانيًا: أصبحت وسائل الإعلام الغربية لسان حال وجهات النظر الغربية وتعمل كإعلام دولة بدلا من كيان مستقل، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية تشيد بالتغطية غير المتحيزة والنزيهة إلا أنها تؤكد الرسالة الغربية، بينما تقلِّل من أهمية رسالة الجانب الروسى من القضية، معتبرا إياها أكاذيب لا تستحق المزيد من التحقيق. تظهر الرسالة التالية بعد تقارير وكالة الأنباء الروسية تاس على تويتر: هذه التغريدة مرتبطة بموقع إعلامى روسى تابع للدولة، مما يثير الشكوك حول وكالة الأنباء الروسية.
قد يحق للأوكرانيين الحقيقة لتشجيع الولاء الذى يحتاجون إليه، لكن على وسائل الإعلام أن تدقق فيما تنقله حتى لا تصبح المعلومات المضللة هى القاعدة. وفقًا لصحيفة نيوزويك الأمريكية فإن الطيار الروسى الأسير يقول إنه تلقى أوامر بضرب المدنيين، وهو إذا ما قال هذا بالفعل، يجعلنا نتساءل عما إذا كان قد تعرض للتعذيب، لكن هذا الجانب الأخلاقى لا يتم التدقيق فيه.
ثالثًا سلّطت الحرب على أوكرانيا الضوء على التحيُّز العنصرى لدى الغرب الذى تعكسه وسائل الإعلام الغربية، كاشفا عن قاعدة عنصرية مفادها أن الأوكرانيين يتميزون على الأفارقة والعرب وغيرهم من ضحايا الحروب. يقول نائب المدعى العام الأوكراني: إنه أمر مؤثر للغاية بالنسبة لي، لأننى أرى الأوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون. وسائل الإعلام الغربية تتبع نفس النمط. هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هم من أوكرانيا وهم مسيحيون. هم من البيض ومتشابهون جدًا [معنا] كما تقول مراسلة «إن بى سى نيوز» الأمريكية. وقال مراسل شبكة «سى بى إس نيوز» الأمريكية إن: هذا ليس مكانًا، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان التى شهدت صراعًا مستمرًا لعقود. هذه مدينة متحضرة نسبيًا وأوروبية نسبيًا - لا بد لى من اختيار هذه الكلمات بعناية أيضًا –مدينة لا تتوقع فيها ذلك أو أن يحدث ذلك, أتساءل عما إذا كان سيقول لو لم يختر كلماته بدقة. قالت هدى عثمان، رئيسة جمعية الصحفيين العرب التى تتخذ من نيويورك مقرا لها: المحزن هذه المرة هو أن التعليقات جاءت بشكل عرضى وعفوي، فكشفت عن التحيز الشديد وهو شيء لا نتوقعه من صحفيين يغطون أحداثًا دولية.
دور الإعلام الغربى فى تضليل الأوكرانيين محورى أيضًا. إنه يسلط الضوء على الدعم المالى الغربى لأوكرانيا ويشجع الصمود الأوكرانى ويفخر بالعقوبات التى يفرضها الغرب على روسيا، ثم يطالب الأوكرانيين بالاستمرار فى المسار ذاته، لكنه لا يتحدث عن خفض التصعيد أو سبل السلام. لا ينبغى على الصحفيين أن يُجمِّلوا الحقيقة وأن يتلاعبوا بها لجعلها أكثر ملاءمة للأوكرانيين. الحقيقة مؤلمة ولا يجب إنكارها.
إن تغطية وسائل الإعلام الغربية حول أوكرانيا لم تعد تدور حول ما يحدث، ولكنها للأسف تحاول أن تُشكل الأخبار والتوجهات وتتحيز للتصعيد، فللأسف الأسئلة التى يطرحها الصحفيون على المسئولين تشعل وتؤجِّج الحرب: هل نقصفهم إذا قصفوا بولندا؟، هل نقصفهم إذا كانت لديهم طائرة بدون طيار؟، ما الذى يتطلبه الأمر لنقصفهم؟.
الصحفيون ليسوا محايدين. نتيجة لذلك يجب علينا - نحن القارئين والمشاهدين عمومًا الذين ينتظرون الأخبار من المصادر التى كنا دائما معتمدين عليها - أن نكون أكثر حذرا مما يتم تقديمه لنا وكيفية تقديمه. يجب أن نتعلم التدقيق فى المعلومات التى نتلقاها حتى نتمكن من استخلاص استنتاجاتنا الخاصة.