عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
معارك «السرطان» تبدأ مبكرا
1 أبريل 2022
تحقيق ــ عــلا عــامر - هبة على حافظ



  •  المرض «وراثى» وفرص انتقاله أكبر من عائلة الأم


  • سرعة الاكتشاف ترفع نسبة الشفاء لـ 98٪



 



 



«أن تصل متأخرا خير من ألا تصل».. مقولة ربما تصدق فى مواقف حياتية كثيرة، ولكنها لا تصلح فى أجواء المعارك التى تتطلب نوعا خاصا من الإعداد والاستعداد للعدو المرتقب، دون أن يعنى ذلك حتمية الوصول لمرحلة القتال، وهكذا يجب التعامل مع سرطان الثدى الذى يشكل النسبة الأكبر مقارنة بباقى أنواع جنسه، فى مهاجمة أجساد الفتيات والسيدات، وفى الوقت الذى لا يكلفنا فيه هذا الاستعداد سوى ساعات معدودات مرة كل عام، فإن التقاعس قد يكلف امرأة حياتها، لذا لن نمل أبدا من فتح كل نوافذ «الوعى» لنعلم الحقائق من أهلها، ونصحح المعتقدات الخاطئة.



 



التوعية .. خط الدفاع الأول فى مقاومة السرطان عموما وسرطان الثدى على وجه الخصوص، فالاكتشاف المبكر جدا يحقق نسب شفاء مبهرة تتجاوز 98%، لذا كانت جهود» بهية» كواحدة من المؤسسات المعنية بهذه القضية، التى نجحت فى الحصول على اعتماد الجودة العالمى وفقا لما ذكرته جيلان أحمد المدير التنفيذى لمؤسسة بهية، موضحة أنهم يستقبلون يوميا نحو 800 حالة، ما بين كشف للاطمئنان، وبين محاربات يتلقين البروتوكول الخاص بالعلاج، الذى يتقرر بناء على رأى مشترك من لجنة، وحسب كل حالة، وتوضح أن زيادة الأعداد كانت دافعا للتفكير فى إنشاء فرع آخر مقره الشيخ زايد، الذى يملك طاقة استيعابية أكبر، سواء للفحص المبكر أو العلاج، وكذلك إجراء العمليات الجراحية غير المتاح إجراؤها فى مركز الهرم، حيث يتم إجراؤها من خلال مستشفيات أخرى وفقا لبروتوكلات تعاون على نفقة بهية، مؤكدة أن العمل فى المشروع يسير على قدم وساق، تمهيدا لقرب افتتاح المرحلة الأولى منه بعد نحو عام، مشيرة إلى دعم الدولة الكبير ممثلا فى منح المركز الأرض التى يقام عليها بالشيخ زايد، بينما كانت أرض مركز الهرم خاصة بورثة السيدة بهية وهبى، التى كانت تمتلك فيلا هناك، وأراد ورثتها بعد وفاتها متأثرة بسرطان الثدى إحياء وصيتها ورغبتها فى توفير العلاج المجانى لأى سيدة يصيبها المرض.






الاهتمام بقضية الوعى كان دافعا أيضا لاستضافة مؤسسة الأهرام وفدا من «بهية» كمبادرة لنشر الفكرة بين الصحفيات وأسرهن وكل المجتمع المحيط بهن، باعتبارهن قادة رأى حرصن على طرح كل الأسئلة والمخاوف المجتمعية، على الدكتورة أسماء الليثى إخصائى الجراحة العامة، التى أوضحت أنه لا يوجد سبب مباشر لحدوث سرطان الثدى، ولكن توجد مجموعة عوامل تزيد من احتمالية الإصابة، منها السمنة المفرطة، ومنها التقدم فى العمر إذ إن امرأة واحدة من بين ثمانى نساء تصاب بسرطان الثدى عند سن الثمانين عاما، وبصفة عامة بعد بلوغ سن الأربعين تزيد كذلك النسبة مقارنة بمن هن أصغر، وإن كان ذلك لا ينفى حدوث إصابات لفتيات فى سن صغيرة، وتشير إلى ضرورة عدم إهمال عنصر الوراثة، الذى يتطلب تبكيرا فى الخضوع للفحص والمتابعة قبل سن الأربعين، وذلك عندما نجد إصابات لدى الأم أو الخالة، وكذلك من ناحية الأب، كالعمة مثلا، وإن كانت فرص الوراثة أكبر فى سرطان الثدى من ناحية عائلة الأم، وتكمل د. أسماء شارحة عوامل الخطورة، ومن ضمنها طول فترة التعرض لهرمون الاستروجين لدى البعض ممن تطول بهن فترة استمرار الدورة الشهرية من سن مبكر فى الطفولة وحتى ما بعد العقد الخامس، أو ظهور المرض فى مكان آخر من الجسد كالرحم أو المبيض، وكذلك الخضوع لكورسات أدوية ومنشطات هرمونية، كما فى محاولات الحمل، أو لتعويض نقص الهرمونات بعد انقطاع الطمث دون إشراف طبى دقيق، يضمن أن يكون التدخل الهرمونى للضرورة فقط، وتوضح أن وجود عوامل الخطورة ومن بينها الوراثة لا يعنى حتمية الإصابة، فقد لا يظهر المرض رغم توافر مسبباته، لدى المرأة أو الفتاة، وهنا نشير إلى ما يعرف بـ» لايف ستايل» أو أسلوب الحياة، منها قلة الحركة، والتغذية غير الصحية، والتدخين أو الخمور، أما الحماية فتكون بالرضاعة الطبيعية والفحص المبكر مع الاهتمام بتجنب ما يمكن تجنبه من العناصر السابقة، وهذا الفحص يتضمن خطوات تكمل بعضها بعضا، مثل الفحص الذاتى باليد وهناك فيديوهات على اليوتيوب توضح كيف تفحص المرأة نفسها، مشيرة إلى أن فى الخارج يعلمون فتيات المدارس «الكشف الذاتى» وهناك الكشف بأشعة الماموجرام، ولا ضرر من التعرض لها سنويا، حيث يجب بعد سن الأربعين المداومة على القيام بها، وهناك أيضا السونار والأشعة المقطعية، والتدخل بأخذ عينة إذا لزم الأمر وتبين وجود ورم.






وتشير إلى الأعراض التى لا يصح التقاعس عن متابعتها فورا، لأى أنثى بغض النظر عن سنها، كالاحساس بوجود كتلة فى الثدى، أو تغير فى شكل الحلمات كأن تصبح غائرة على غير المعتاد، أو ملاحظة نزول سائل من الثدى أو دم، أو تغير فى شكل الجلد كأن يصبح سميكا ومجعدا كقشر البرتقالة، بينما انتقلت بنا نورهان هانى بالعلاقات العامة إلى باقى مكملات العلاج أيا كان نوعه إشعاعيا أو كيماويا أو هرمونيا، إذ إن هناك دعما نفسيا مكملا لخطة العلاج، يسهم فيه متطوعون ومتطوعات، يمكنهم المشاركة من خلال الخط الساخن 16602 لبهية، وهو نفس الخط الذى يستقبل الاستفسارات ويتم من خلاله الحجز لراغبات الفحص فوق الأربعين عاما، وأقل من ذلك حالة وجود تاريخ وراثى، وفى أى سن حال ظهور عرض ككتلة أو دم، مشيرة إلى أن الانتظار لا يتجاوز أسبوعين قبل معاودة الاتصال بالحالة واستدعائها للكشف.









 



------------------------------



 



«بهية» و«تعليم الكبار» يحاربان المرض والجهل




  • فاطمة: عايرنى أهل زوجى.. وأنوى الوصول للدكتوراه


  • سهام: تعرضت للنصب لأننى لا أستطيع القراءة والكتابة



 



داخل إحدى القاعات بمركز بهية للكشف المبكر والعلاج من سرطان الثدى، جلست كريمة وعبير وفاطمة وسهام تعلو وجوههن أمارات الزهو والانتصار، ليس فقط على مرض خبيث غزا أجسادهن على غفلة، وإنما على مرض آخر، كان أكثر قسوة بالنسبة لهن، ألا وهو الجهل، وها هن اليوم يحتفلن وعشرات مثلهن بالوصول لمرحلة القراءة والكتابة، التى توجتها شهادة محو الأمية، التى منحها لهن عصام رمضان مدير هيئة تعليم الكبار بالجيزة.



انتهزنا فرصة الفرحة العارمة، وبدأنا نستمع إلى حكايات المحاربات، روت فاطمة أمين التى بدأت عقدها الثالث معاناة طويلة مع حياة زوجية، بدأت فى «بيت العيلة» ، وكان طبيعيا أن تنتهى بعد سنوات بسبب تدخلات أهل الزوج والحماة فى كل صغيرة وكبيرة، والأدهى معايرتها بأنها جاهلة، إذ توقفت رحلة فاطمة التعليمية عند أولى سنوات الابتدائي، لم يكن هناك حل سوى الانفصال كما تقول: تنازلت عن كل شىء إلا أولادى، كعقاب لى على رفض الإهانات التى وصلت للضرب والتطاول من شقيق زوجى، فى الوقت الذى لم يحرك فيه زوجى ساكنا، خوفا من غضب والدته، تضيف فاطمة: اضطررت للعمل بمصنع خياطة ملابس، لأستطيع الإنفاق على نفسى والطفلين، فإذا بآلام قاسية، كنت أتجاهلها منذ فترة، لانغماسى فى مشكلات الزواج والطلاق، وكان الخبر المتوقع بالنسبة لى أننى بالفعل مريضة سرطان، واختصارا لمحطات كثيرة مرت بها فاطمة داخل بهية انتهت الآن بتعافيها بعد خضوعها لجراحة استئصال وباقى مراحل العلاج الكيماوى والإشعاعى، حيث لم يتبق سوى أشهر على إنهائها مرحلة العلاج الهرموني، كما قهرت الجهل الذى كان سببا فى معايرتها والآن تستطيع أن تذاكر لأولادها، وتبتسم وهى تعدنا بألا توقف مشوار العلم والتعلم حتى الدكتوراه.






أما عبير رمضان فكانت محنة اكتشاف المرض تذكيرا لها بسنوات عمرها التى مضت دون تعليم، ودون زواج أو أولاد، وقبل أن تستسلم للانهيار تلقفتها ايادى «بهية» لتداوى وجعها وتستأصل الخبيث من جسدها، وتشد من أزرها، وكما قالت: عدت الى التعليم الذى تمردت عليه وانا طفلة، وشعرت بأهميته على الأقل لأجد لنفسى مورد رزق بدلا من الاعتماد على أشقائى، اذ كان جهلى سببا فى إغلاق اى باب عمل فى وجهى، مضيفة أنها بدأت تشعر بأن لحياتها قيمة مختلفة.



بابتسامة واسعة وكلمات الحمد والشكر لله بادرتنا الحاجة سهير شبل قبل أن نسمع منها حكاية تتشابه كثيرا مع بنات الريف، إذ انغمست فى مسئوليات زواج مبكر وإنجاب أطفال، لتفيق بعد وفاة زوجها وكبر الأبناء على مفاجأة « السرطان» ، تقول: استقبلت الخبر برضا وإيمان، وبعد رحلة العلاج، أشعر أن الأمر كان «منحة» من الله، ولا أستطيع أن أصف سعادتى وانا أكتب اسمى وأقرأ فى مصحفى، هذا بالإضافة للصحبة الجميلة التى ملأت حياتى وجعلتنى أنسى أى ألم أو معاناة.



وخلافا لقصص كثيرة من محاربات، فوجئن بانسحاب الزوج من حياتهن فور اكتشاف المرض، كانت كريمة حسن نموذجا حظى بكامل الدعم من الزوج والأبناء، قالت لنا : ذهبت إلى مقر بهية وعندما شاهدت منظر المبانى الفخمة، هممت بالتراجع، خوفا من تكاليف العلاج وانا زوجى على باب الله، ولكنى علمت من الموجودات ان كل شىء هنا بالمجان، ولا أنكر أننى لم أكن متحمسة للعلاج لاننى شاهدت «سلفتى» تموت بهذا المرض منذ سنوات، ولكن مع الجهد النفسى المبذول معى، تغير الأمر تماما وهاأنذا أكمل آخر خطوات التعافى التام.



أما تجربة سهام فتحى فأرادت أن تعطى نصيحة لكل فتاة أو امرأة ألا تهمل تعليمها، فهى كغيرها من بنات ريف الدقهلية، لم يهتم أهلها بتعليمها، وكان ذلك سببا فى خضوعها لواقعة نصب بعد وفاة زوجها، إذ جعلها توقع على أوراق تضمنت تنازلا عن حقوق لها، ولذا كانت سعادتها لا توصف عندما تمت المناداة عليها لتستلم شهادة محو الأمية، فغادرتنا وهى تقول بابتسامة : «محدش يقدر يخدعنى تانى».



كل كلمات المحاربات كانت تشير بالفضل والامتنان إلى شخصية إحدى المتطوعات، وهى مروة الأبحر والتى قررت التطوع بجهدها ووقتها وعلمها لفك طلاسم القراءة والكتابة فى عقول المحاربات، تقول مروة: الفكرة نشأت من اقتناعى الشخصى بضرورة أن يكون لكل منا بصمة فى حياة غيره وإضافة إيجابية لمجتمعه، فأردت أن أترك بعد مماتى» علما ينتفع به» ودخلت لكل محاربة بمدخل تعليمى يناسب احتياجاتها، فهذه تريد التعلم لقراءة القرآن، وأخرى تريد التعلم للاستذكار لأولادها، وهكذا بدأت الفكرة صغيرة ثم توسعت لدرجة قيام مركز بهية بعقد بروتوكول تعاون مع هيئة تعليم الكبار، لامتحان المحاربات ومنحهن شهادات تنفى عنهن أمية القراءة والكتابة، وتساعد أيضا فى تقديم دعم نفسى لهن، لأن الحرمان من التعليم – أيا كان السبب - كان يشكل وجعا بداخل كل واحدة ربما أشد إيلاما من وجع المرض نفسه.



 



--------------------



بوتيك السعادة



رشا حسنى: التسوق مجانا.. ومسموح بالتبرع بالملابس



 



ربما لا يتوقع أحد أن يجد قسما للتسوق وعمل «شوبينج» داخل مركز لعلاج الأورام، ولذا استلفت انتباهنا فى أثناء جولتنا فى بهية، لافتة بعنوان «بوتيك السعادة»، الذى توجد بداخله عشرات القطع من الملابس الرجالى والحريمى والأطفال كالجديدة تماما، فضلا عن الأحذية والحقائب، كل هذه المعروضات الجذابة علمنا من رشا حسنى مديرة البوتيك أنها متاحة للمحاربات بدون أى مقابل مادى، مشيرة الى تعاون عدد من أصحاب دور الأزياء والمصانع و"البراندات" فى إمدادنا بهذه المعروضات، كما أشارت إلى تبرع البعض من المواطنين بالملابس ذات الحالة الممتازة، لتستفيد بها المحاربات وذويهن، واللطيف عندما لفت انتباهنا وجود فساتين مناسبات"سواريه" وفستان زفاف.



كما أوضحت رشا أنه يتم توزيع هدايا على أى سيدة توجد بمركز بهية سواء لفحص أو علاج فى آخر خميس من كل شهر، وقالت إن المشاركة فى اسعاد المحاربات بالملابس وغيرها يمكن أن يتم بالتوجه المباشر لمستشفى بهية بالهرم أو من خلال الاتصال بالخط الساخن.









 



 



الدعم النفسى.. رحلات وحفلات وورش فنية



 



تختلف مريضة السرطان عن غيرها فى احتياجها الشديد للدعم النفسى، سواء من الفريق المعالج، والمكان الذى تتلقى فيه جلسات العلاج، أو من خلال الزوج والأسرة عموما، خاصة إذا كانت حالة المريضة تستدعى استئصال جزء مهم من أنوثتها، حول هذا المعنى كانت تدور حركة تلك الفتاة الشابة هنا وهناك، التى لا يفارق وجهها الابتسامة، علمنا أنها المديرة المسئولة عن المتطوعين والدعم النفسى بمركز بهية، قالت ساندى عادل: نتعامل مع مشاعر مختلفة للمحاربات ما بين خوف أو صدمة أو يأس، كل هذه الطاقات السلبية يتم تحويلها الى إيجابية من خلال الأنشطة المختلفة، فهناك رحلات ترفيهية ، وهناك ورش فنية لتعلم التطريز، والمشغولات اليدوية، التى يمكن بيعها والاستفادة بعائدها كدخل شخصى للمحاربة من خلال معارض ننظمها لهن، ولا نتقاضى عنها أى مقابل، وقالت إن هذا المجال تحديدا يحتاج كثيرا إلى أى جهد تطوعى، أو دعوة للترفيه عن امرأة تواجه تبعات المرض الخبيث والآثار الجانبية لعلاجه، مشيرة إلى أن البعض يوفر لهن تذاكر حفلات سينما، أو مسرح، أو سيرك ، والبعض يوفر تناول وجبة بمطعم يملكه، أو إسعادهن بفن كالغناء أو العزف الموسيقى أو تعليمهن الكورشيه، أو الرسم، كل حسب استطاعته يمكنه أن يقدم شيئا.