عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
عالم الأموال «الافتراضية».. وحرب الواقع
26 مارس 2022
محمد عبد القادر


ضمن أسلحة عديدة كشفت عنها كل من روسيا وأوكرانيا، خلال الأزمة الجارية بينهما، ظهر سلاح العملات المشفرة بقوة، حيث استعانت به موسكو وكييف فى تحقيق أهداف خاصة، مما أشعل صراعا من نوع آخر على هامش الأزمة.



وفى ظل التطور التكنولوجى العالمى، أصبحت العملات المشفرة أو الرقمية بمثابة البديل الافتراضى للعملات التقليدية «الورقية والمعدنية». كما أصبح لكل منها مثل «البيتكوين والأثريوم وغيرهما» سعر صرف متغير، مقابل العملات العالمية الرئيسية كـ»الدولار واليورو»، وهو ما ساهم فى انتشارها وتزايد الطلب عليها، بل وصعد بأسعارها إلى مستويات قياسية، الأمر الذى جعلها محل اهتمام دول العالم، للحد الذى وصل ببعضها إلى إطلاق عملتها المشفرة الخاصة، استغلالا لمميزاتها فى الهروب أو التحايل على أزماتها الاقتصادية .



وفى سبتمبر من العام الماضى، أقر البرلمان الأوكرانى قانون «الأصول الافتراضية»، للسماح لشركات العملات المشفرة العالمية للعمل فى البلاد، إلى جانب تمكين الأوكرانيين أنفسهم من امتلاكها وتداولها. ونقلت وكالة «أوكرانيا برس» وقتها عن ميخائيل فيدوروف وزير التحول الرقمى أن سبب طرح القانون هو بلوغ التداول اليومى للأصول الافتراضية مليار هريفنيا أوكرانية فى الظل.



لكن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أعاد القانون مجددا للبرلمان، حيث اعترض على إنشاء لجنة أو وكالة خاصة جديدة لإدارة ومراقبة سوق العملات المشفرة، إلا أنه وفى أعقاب العملية العسكرية الروسية ضد بلاده، عاد زيلينسكى للموافقة على القانون، مع وضع عملية الإدارة والمراقبة تحت إشراف اللجنة الوطنية للأوراق المالية وسوق الأوراق المالية، والبنك الوطنى الأوكرانى.



وأتاح القانون لأوكرانيا تحقيق هدفين رئيسيين خلال الأزمة الحالية، هما: سهولة وسرعة جمع أكبر قدر من التبرعات من الدول الغربية والمتعاطفة، إلى جانب إتاحة إمكانية تحويل السلطات أموال الدولة العامة إلى عملات مشفرة أو محافظ رقمية لحمايتها من استيلاء روسيا عليها، فى حالة سقوط النظام.



وكشف أليكس بورنياكوف نائب وزير التحول الرقمى الأوكرانى الأسبوع الماضى، عن أن بلاده تلقت نحو 56 مليون دولار من التبرعات بالعملات المشفرة، مشيرا إلى أنه تم صرف 33 مليون دولار منها فى تلبية طلبات لوزارة الدفاع، ومنها الإمدادات الطبية للجيش.



فى المقابل، ظلت مسألة استخدام روسيا للعملات المشفرة محل بحث منذ عام ٢٠١٤، فى ظل محاولاتها للتخفيف من تداعيات العقوبات الغربية المفروضة عليها، عقب إعلانها ضم القرم. وأعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى عام ٢٠١٨، إمكانية اعتماد العملات المشفرة كوسيلة بديلة للمدفوعات النقدية، بعدما طالب الحكومة والبنك المركزى فى ٢٠١٧ بإعداد تعديلات تشريعية تتناسب مع هذا التحول.



وقبل إطلاق بوتين العملية العسكرية فى أوكرانيا، أعلن البنك المركزى الروسى البدء فى اختبار الروبل الرقمى، مشيرا إلى أنه تم تنفيذ العمليات الأولى بنجاح. وجاءت الخطوة الروسية على طريق محاولات موسكو منذ سنوات لكسر هيمنة الدولار الأمريكى وتقليل الاعتماد عليه فى المعاملات الدولية، وتخفيف ضغوط العقوبات التى تستهدف الشركات التى تستخدمه، ليصبح بإمكانها إجراء معاملات خارج النظام المصرفى الدولى.



مكسب آخر من الممكن أن تحققه الخطوة الروسية خلال الأزمة الحالية، وهو اعتبار الروبل الرقمى بمثابة الملاذ الآمن للمواطنين، الذين أصبح بإمكانهم حماية ثرواتهم من انهيار الروبل التقليدى، تحت وطأة العقوبات الغربية. كذلك فإن هناك مخاوف من أن يتطور الأمر إلى استغلال روسيا للعملة الرقمية فى مدفوعات البترول والغاز العالمية، كبديل للدولار واليورو.



وما بين تلقى التبرعات ومقاومة العقوبات، ذلك كأهداف واضحة من وراء لجوء كل من روسيا وأوكرانيا إلى العالم الافتراضى لمواجهة تحديات الواقع، يبدو أن الأزمة الحالية لن تعيد تشكيل نظام الأمن الأوروبى، أو ربما النظام العالمى وفقا للخبراء، لكنها قد تقود أيضا إلى إعادة تشكيل النظام المالى الدولى، مع تزايد الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا الرقمية.