عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
هل أضعفت ميركل ألمانيا؟
26 مارس 2022
د. وحيد عبدالمجيد


النقدُ بعد أوانه لا يُفيدُ إلا من زاوية استخلاص دروسٍ من الأخطاء المنقودة. تتعرضُ المستشارةُ السابقةُ إنجيلا ميركل للنقد الآن بسبب سياسة الطاقة التى اتبعتها حكوماتها، وأدت إلى اعتمادٍ مُفرطٍ على روسيا. ظهر خطأُ هذه السياسة جليًا الآن، وتبين أن النقد الخافت لغلق محطات الطاقة النووية كان فى محله. اتخذت ميركل عام 2011 قرار التخلص التدريجى من هذه المحطات دون دراسةٍ كافية. وليس هناك خطأُ يقعُ فيه أى سياسى أكبر من اتخاذ قرارٍ غير مدروس. صدمت حادثةُ محطة الطاقة النووية فى فوكوشيما مارس 2011 ميركل وحزبها، ووضعتها فى مرمى تصويب الخُضر وأنصار البيئة، فاتخذت القرار الذى لم ينتبه إلى خطره حينذاك إلا قلةُ ضاع صوتُها فى صخب الحماس لقرارٍ يدفعُ الألمان ثمنه الآن, وتخلت عن موقفها السابق بل دارت حول نفسها دورةً كاملة.



ارتكبت ذلك الخطأ رغم أنها فى الأصل أستاذةُ فى الفيزياء، وكذلك زوجها. ويعنى هذا أن السياسى الناجح هو الذى يُجيدُ الاستماع إلى أصحاب العلم حتى إذا كان من أهله. وكانت النتيجةُ هى ازدياد الاعتماد على روسيا فى مجال الغاز والنفط، فى الوقت الذى لم يتحسن الوضعُ البيئىُ كثيرًا. فوفقًا للبيانات الرسمية الألمانية، انخفضت الانبعاثات بين 2011 و2019 بنسبة 11.7%، فى حين أن انخفاضها فى بريطانيا التى تستخدم الطاقة النووية بلغ 21% فى الفترة نفسها.



وهذا خطأُ كبيرُ حقًا، وكان ناقدوه فى حينه على قلتهم مُحقين. لكن النقد الثانى الراهن الذى يتعلقُ بعدم زيادة قوة ألمانيا العسكرية يبقى موضع جدال. ولا يعنى قرارُ حكومة شولتز زيادة الإنفاق العسكرى أن هذا النقد صائبُ بالضرورة, لأن الظروف اختلفت. وليس مُنصفًا تقييم موقفٍ سابقٍ وفق مقاييس وضعٍ لاحق. و لعل الأهم هنا أن سياسة ميركل فى مجملها أكملت التحول التاريخى الذى جعل ألمانيا أقوى, وبدأ قبل وصولها للحكم, بل قبل توحيد شطرى ألمانيا اللذين فُصلا عقب الحرب العالمية الثانية, وقد باتت ألمانيا أقوى فعلاً بمعايير القوة الشاملة للدولة, والتى تُعدُ القوة العسكرية فى هذا العصر واحدة فقط من مكوناتها.