عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ثمن الثعبان
25 مارس 2022
روبير الفارس


المخالب الصفراء لحرارة الشمس تحرق روحه وتشوى جلده. يقاوم بشرب مزيد من الماء المثلج وتحريك قدميه بسرعة تلاحق العرق الهارب من الأجسام المتلاصقة به فى زحام سوق الجمعة فى السيدة عائشة، حيث السلع الرخيصة والحيوانات الصادقة فى أقفاص زجاج وخشب تنادى على مشترٍ يدللها بمنح الحماية فى بيوت كاذبة. يمر مندهشاً بين صمت الحمام الصغير، ولمعان عيون الثعابين الماكرة، والأحجار الخضراء للسلاحف المخفية، والألوان المبهجة للأسماك الكثيرة الحركة. تسقط عينه على أكوام الكتب القديمة والمجلات الصفراء البالية على الرصيف الضيق.محتقرة بين انتيكات بالية وعرائس مزيفة.وأكواب ملكية صورها باهتة كتلك الايام.



ينحنى على ركبتيه ويحتمل بصبر الضربات غير المقصودة من رواد السوق ووخز الأقفاص التى يحملونها، لظهره. يبدأ فى تقليب الأغلفة والصفحات؛ باحثاً عن تاريخ يصلح للاستيحاء منه أو الكتابة عنه هرباً من واقع ضيق مثل أقفاص الحيوانات القريبة. واقع للفرجة وليس التعبير عنه. يقطر جبينه مزيد من العرق الذى يشوش رؤيته عندما يلوث نظارته. يمسح العدستين بأصابعه، فيزداد الأمر سوءاً.



يخلع النظارة ويمسحها فى طرف قميصه وقبل أن يعيدها فوق أنفه تدهسه أقدام هلعة تتواكب مع صراخ سيدات وهرولة رجال وبكاء أطفال، وقبل أن يفيق يرتمى على الأسفلت، ويتكسر زجاج نظارته. أصوات الصراخ تصنع جحيماً مع أبواق سيارات الميكروباص القريبة.ونفير الخوف الصامت.يحاول أن ينصب عوده ويقوم. لا أحد يمد له يد المساعدة. وجد نفسه وحيداً أمام ثعبان هرب من أمامه الجميع. تسبَّبت حرارة الشمس فى إحداث صدع فى صندوق الثعبان، فخرج منه. هل سوف تكون نهايته بلدغة أقدم شر فى تاريخ البشر. لدغة هى مهمته الوحيدة بعد أن نطق بالإغواء لأول وآخر مرة فى «عدن» ثم صمت للأبد ليحيا فى معبدالنهش الدائم.يغرد بمزمار الهلاك لماذا لا يجذبه أحد بعيداً؟ ما الذى جمَّد الدم فى عروق ساقيه؟ الثعبان يقترب منه فى رصانة. التقطت عيناه فردة حذاء نسائى بكعب حديد. غريزة البقاء حرَّكت يده، فانهال على رأس الثعبان. هلَّل الرجال وزغردت النساء. ظهر بائع الثعابين يخترق الصفوف القريبة. مدَّ له يده. أقامَه وأزاح التراب عن ملابسه. أثنى على شجاعته، ثم طالَبَه بثمن الثعبان الذى قتله.