عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الشافعى .. الباحث عن الحق بنور الدليل
18 مارس 2022
د. حامد محمد شعبان
صورة ارشيفية


وُلد الإمام الجليل الشافعى (محمد بن إدريس) فى غزة سنة 150هـ - كما ذكرت التراجم - يتيماً فى حجر أمه فى قلة عيش، لكنه تغلب على ضيق الحال، ولم يشعر بهوان، بل جالس العلماء، وشق طريقه فى محراب العلم، منتصرا للحقيقة بالدليل والبرهان.



فى نشأته الأولى ظهر ذكاؤه، وبرز شغفه بحفظ القرآن ليعلو به علوا كبيراً، ويستفيد منه الزاد الأقوى الذى هدی حياته إلى الخير، فتمكن من حفظه، وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ، وهو ابن عشر سنين، وحين قرأه على الإمام مالك، قال له: «يا محمد اتق الله، واجتنب المعاصى فإنه سيكون لك شأن.. إن الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية».تزود الشافعى من سائر العلوم والثقافات، وكان لرحلاته إلى مكة والمدينة والعراق واليمن أثر كبير فى تكوينه.



استفاد الشافعى الكثير من جهود علمائها، وأتيحت له ضروب المعرفة والكشف والإحاطة، فكانت حياته كفاحاً علمياً رائعاً جلب له شهرة بين الفقهاء، وكون له حلقات دراسية عدة، فأصبح أستاذاً جليلاً له تلاميذ يشهدون بفضله وعلو كعبه فى العلم والتربية، ومن أبرزهم أحمد بن حنبل.



وقد أجمع شيوخه وقرناؤه وتلاميذه على أنه كان عالماً لا یُباري. أعطى الشافعى التربية أسمى ما عرفته، وقدم لها أنبل المناهج وأشرف الأصول وأروع الدروس التى بهرت الدنيا، ودفعت باسمه إلى المجد والخلود. وكان يعتمد على أشرف المصادر وأكرم الأصول من كتاب الله، وسنة رسوله، ثم الإجماع والقياس، فى مناهج تتميز بالدقة والإحكام.



يقول: «ليس لأحد أن يقول فى شيء «حلال وحرام» إلا من جهة العلم، وجهة العلم نص فى الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس على هذه الأصول فى معناها. وإذا لم يُوجد المنصوص فإنه يطلب الاجتهاد، وليس لأحد أن يقول مستحسناً على غير الاجتهاد». ويبرز منهجه التربوى أهمية الحرية العقلية، إذ كان يقول لتلاميذه: «وإذا قلت لكم ما لم تقبله عقولكم فلا تقبلوه فإن العقل مضطر إلى قبول الحق».



ولم يرض الإمام لأهل العلم أن يكونوا مقلدين، فقد كان حرباً على التقليد داعياً إلى الاجتهاد، والأخذ بالأدلة الصحيحة، والاهتمام بالنظر والاحتياط؛ لأن من الواجب عليهم - بحسب رأيه - ألا يقولوا إلا من حيث علموا.



إن العلم الذى يعول عليه لابد أن يقوم على الدليل والبرهان والبحث والتنقيب والدراسة المستفيضة من أجل الوصول إلى الحقائق العلمية. لذلك كان يحث طلابه على بلوغ غاية جدهم فى الاستكثار من العلم المثمر، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله فى استدراكه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله فى العون عليه، فإنه لا يُدرك خير إلا بعونه.



كان الشافعى يؤمن بفكرة التعليم المستمر، وأن التعليم ليس له حدود، وأن العلم المستمر النافع ينبغى أن يكون خالياً من الأخطاء قائماً على اليقين وعدم الشك وعدم الاستعجال فى أداء الأعمال، وعدم المراء، لأن المراء فى العلم يقسى القلب، ويورث الضغائن.



كما اهتمت التربية عنده بكشف ما يجافى سنن العلم، وتوضيح ما ينافى حسن الخلق، والتحذير من كلام أهل البدع الذى يخالف الكتاب والسنة. لقد تمكن من تغيير أمور كثيرة فى حياة الناس، ومن أروع ما اعتمد عليه فى التربية اعتصامه بالإيمان، وشرح حالاته ودرجاته وطبقاته لطلابه، وتأكيده أهمية الرضاء بقضاء الله وقدره، والترغيب فى خصال الخير وخلال البر والحسن والكمال، والدعوة إلى غنى النفس، وكف الأذي، وكسب الحلال، ولباس التقوي، والثقة بالله على كل حال.



أما العلم عنده فلا يُنال إلا بستة أشياء: الذكاء، والحرص، والاجتهاد، والبلغة، وصحبة المعلم، وطول زمان. ولا يحسن العلم عنده إلا بثلاث خِلال: تقوى الله، وإصابة السنة، والخشية. أما أساس النجاح فهو الإخلاص، وترك الذنوب، واجتناب المعاصي. أما المعلم الذى يحظى بتقديره فيعنى بأسلوب الحوار فى التدريس؛ ليقبل طلابه على ما فيه من إثارة ونقاش ونشاط. وتدل ملامح هذا المنهج على أن الشافعى طراز فريد فى التربية، ومدرسة حافلة بالفضائل، كفيلة بتكوين القسمات المميزة للسلوك الحضارى للمسلم..