عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أمريكا وما بعد مصرع زعيم داعش
20 فبراير 2022
د. على الدين هلال


شهد عام 2022 عودة اسم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـداعش إلى الأضواء. مرة لقيامه باعتداءات على أهداف فى البادية السورية والعراق، وفى عدة دول إفريقية. ومرة أخرى بعد محاولة عدد من مقاتليه اقتحام سجن غويران بمدينة الحسكة شمال شرق سوريا فى المنطقة التى تديرها قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية. وترتب على ذلك، هروب عدد من المسجونين ونشوب مواجهات فى المدينة حتى تمت السيطرة على الموقف. ومرة ثالثة فى بداية هذا الشهر مع إعلان الولايات المتحدة نجاح قواتها فى القضاء على زعيم التنظيم.



وجاء الإعلان الأمريكى على لسان أعلى مستويات السلطة، فصدر بيان عن البيت الأبيض يوم 2 فبراير، ثم أعقبه مؤتمر صحفى فى صباح اليوم التالى أعلن فيه الرئيس بايدن أن القضاء على عبد الله قرداش ولقبه أبو إبراهيم القرشى الهاشمى ضربة موجعة لداعش وانتصار سياسى ومعنوي، وإظهار لقدرات ومهارات القوات المسلحة الأمريكية وشجاعة رجالها، وأن العالم سوف يكون أكثر سلاماً بعد هذه الضربة.



ولعل بايدن كان يهدف من وراء ذلك إلى تحسين الصورة السلبية التى خلَّفها الانسحاب الأمريكى الفوضوى من أفغانستان، وتأكيد عزم بلاده على المُضى قُدماً فى مكافحة الإرهاب وتعقُّب قياداته فى كل مكان. لم تكن هذه الحادثة أول مهمة تقوم بها القوات الأمريكية فى هذا الشأن، بل إنها جاءت تطبيقاً لاستراتيجية أمريكية فى مُكافحة الإرهاب ومُلاحقة القيادات الإرهابية، خصوصاً أولئك الذين خططوا وشاركوا فى عمليات ضد مواطنين أمريكيين. استخدمت أمريكا قُدراتها الاستخباراتية والعسكرية لتحديد أماكن الشخصيات المُستهدفة، وقامت وزارة الخارجية بإعلان مُكافآت مالية ضخمة لمن يُدلى بمعلومات تُساعد فى الوصول إليهم.وعندما تتوافر تلك المعلومات، يتم إنجاز المُهمة من خلال الطائرات المُسيرة أو من خلال عمليات نوعية تقوم بها القواتُ الخاصة. ومن أمثلة ذلك، مقتل مؤسس داعش وأول زعيم لها، وهو إبراهيم عواد ولقبه أبو بكر البغدادى فى أكتوبر 2019 والذى وضعت واشنطن مُكافأة قدرها 25 مليون دولار ثمناً لرأسه. ومن قبل، تم القضاء على زعيمى تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوى عام 2006، وأسامة بن لادن عام 2011، وذلك بعد أن خصصت 25 مليون دولار لمن يُدلى بمعلومات عن الأول، و50 مليون دولار عن الثاني. واغتيال أنور العولقى أحد أهم قادة القاعدة فى اليمن فى سبتمبر 2011، وجدير بالذكر أنه مواطن أمريكى وُلد فى ولاية نيو ميكسيكو لأبوين يمنيين، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة جورج واشنطن ارتبط اسمه بالتخطيط لعددٍ من العمليات ضد أهداف أمريكية وكان يعد بمنزلة الزعيم الرُوحى للقاعدة فى جزيرة العرب.



وبالنسبة للعملية الأخيرة ضد زعيم داعش، فقد كان هناك دور استخباراتى للجهات الأمنية العراقية فى إنجاز الهجوم الأمريكى على منزل زعيم داعش، فعبدالله قرداش هو عراقى من أصول تُركمانية، واتبع إجراءات أمنية مشددة لحمايته، ولم تظهر له صورة أو فيديو أو مقطع صوتى منذ تولِّيه زعامة داعش بعد مقتل البغدادي. واعتبر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى أن مقتل قرداش كان نتيجة لجهود الأجهزة الأمنية فى تعقُّب العناصر الإرهابية وتصفيتهم أو اعتقالهم وجمع المعلومات عن العشرات منهم والتى قادت إلى معرفة مكان إقامة زعيم داعش.



ومع أن مقتل قرداش مثَّل ضربة معنوية ورمزية للتنظيم وأعضائه وأظهر قدرة أمريكا على اختراق صفوفه والوصول إلى زعيمه، فإنه لا يجوز المبالغة فى آثاره على قوة التنظيم وتماسكه. فقد تعرَّض داعش لاختبار أكبر وهو مصرع البغدادى وتمكن من تجاوزه. سوف يكون لاختفاء قرداش تأثير مباشر وهو أن يختار التنظيم زعيماً جديدا له، وهو ما قد يثير خلافات خصوصاً إذا لم يكن هناك رجل ثان تم إعداده للقيام بهذه المهمة. ليس من المحتمل تفكك التنظيم، فهذه التنظيمات السرية الإرهابية لا تقوم على تنظيم هرمى مباشر ولكن على تنظيم عنقودى يمتد على مساحة جغرافية واسعة فى أكثر من دولة تتمتع فيه خلاياه بقدر من الاستقلال وحرية الحركة فى حدود التوجهات العامة للتنظيم، وتقوم بعملياتها دون ضرورة للتنسيق مع خلايا أخرى. بل بلغ الأمر بوجود ما سُمى ظاهرة الذئاب المنفردة، وتشير إلى قيام أحد الأفراد بعمل إرهابى نتيجة تأثره بأفكار التنظيم دون أن يكون له صلة تنظيمية بداعش ودون تلقِّى دعم مالى أو فنى منها، ثم يتم الإعلان عن هذا العمل باسم داعش. ومن أمثلتها، أحداث الدهس بالسيارات والطعن بالسكاكين كما حدث فى فرنسا وألمانيا وبلجيكا. ويدل على ذلك، أنه رغم هزيمة داعش العسكرية الكبرى عام 2017 وإعلان العراق القضاء على التنظيم إلا أن خلاياه ما زالت موجودة فى عدد من المحافظات وتختبئ فى جبال حمرين والمناطق الوعرة، وتقوم بهجمات من آن لآخر شملت الاعتداء على قُرى،ونصب كمائن للشرطة فى محافظة ديالى وفى العاصمة بغداد التى أودت بحياة كثير من عناصر الشرطة. وترافَق مع ذلك تكثيف التنظيم لعملياته فى البادية السورية بحمص ودير الزور والرقة وهى المدينة التى أعلنها التنظيم عاصمة لدولته فى فترة تمدده فى سوريا والعراق. ويؤكد استمرار قدرة داعش على التحرك المستقل أن عملياتها الإرهابية لم تتوقف فى الأيام التالية لمصرع زعيم داعش. فقامت بعمليات عسكرية شملت نيجيريا والنيجر والكونغو وموزمبيق فى غرب إفريقيا ووسطها، وكلا من أفغانستان والعراق وسوريا. فهل يُمكن اعتبار هذه العمليات بمثابة رد فعل لمقتل زعيم داعش أم أن التنظيم ربما يخطط لعملية انتقامية كبيرة؟