عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
القلق من بديل «الاستقلال التام» عند هيكل وأباظة
18 فبراير 2022
دعــاء جـلال
محمد حسين هيكل - فكرى أباظة


على الرغم من اختياره عضواً فى «لجنة الثلاثين» الخاصة بوضع دستور 1923، وهو الدستور الذى صدر بموجب تصريح 28 فبراير، فإن محمد حسين هيكل(1888-1956) كان لا يوارى قلقه منذ بدء المحادثات لإنهاء الحماية البريطانية، ولقد طرح هذه الشكوك فى صورة تساؤلات بمقاله الذى نشره فى «الأهرام» بتاريخ 6 مارس 1922 تحت عنوان «الموقف الجديد».



وكان ذلك بعض مما ورد فيه: «أعلنت الحكومة البريطانية انتهاء الحماية على مصر، واعترفت بها دولة مستقلة ذات سيادة، وصرحت بارتفاع الأحكام العرفية، واحتفظت لنفسها بمطلق التصرف على نحو ما هو جار الآن فى المحافظة على مواصلاتها الإمبراطورية، والدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية وحماية الأقليات والسودان»، ويطرح هيكل سؤالاً فيقول: “فالأمر الذى يجب النظر فيه الآن هو ما إذا كنا نحن المصريين نرى ممكنا من جهتنا إذا أقر البرلمان الموقف الجديد، أن تسود الثقة عندنا بإمكان التفاهم مع الإنكلترا لحل مسألتنا حلا نهائياً؟»



ثم يسرد أسباب قلقه: «صرح برنامج صاحب الدولة ثروت باشا بأن (الوزارة قد اعتزمت ان تتولى الامر بنفسها، وبلا شريك فى الحكم)، وما نشك فى ان الوزارة تقصد من ذلك ما تقول، ولكن حسن ارادة الانكليز وعدم التمسك من جانبهم بالمسائل المحتفظ بها، وعدم مصادمة الحكومة فيما قصدت اليه لا يظهر قبل زمن، وقبل هذا الزمن يحق لكل مصرى ان يخالجه الشك بالنيات الانكليزية».



ويرى هيكل أن بريطانيا تتحين الفرصة حتى تظهر ما تخفيه فيقول «الانكليز لما يتنحوا بعد عن البلاد، وهم ينتظرون بنا الخطأ فيجسمون تافهه ويكبرون حقيره ويعظمون صغيره، وهم إذا انسحبوا بالفعل من الميدان غداً، فانما هم فى ذلك كالنسر كلما حلق فى الجو مبتعدا عن فريسته، كان لها أدق ملاحظة وبأعمالها أكثر إحاطة»، وفى النهاية يوجه نصيحة ونداء لكل سياسى ومفكر وكاتب «لقد أعلن الإنكليز اعترافهم بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، إذن زال العائق وأصبحنا دولة مستقلة ذات سيادة، ولكننا لن نكون حقيقة دولة مستقلة ذات سيادة إلا يوم يحسم بيننا وبين الإنكليز كل نزاع ولا تبقى مسائل يحتفظ بها من جانب او من اخر، فكيف السبيل إلى هذا اليوم الحاسم، ماهى خطتنا اليه؟، هل من وسيلة للاستفادة من الموقف الجديد، إن القائد الماهر يستفيد من هزيمته كما يستفيد من انتصاره، ونحن لم ننهزم إلى اليوم أمام الإنكليز، فليوجه الكتاب ومن تصدوا للزعامة جهدهم فى ناحية رسم الخطة، صحيح أن الموقف لم ينجل بعد، وإنما ننادى كل كاتب وكل مفكر، لا تنظر إلى نفسك ساعة تفكيرك وكتابتك، ولكن انظر إلى مصر، ومصر لا تطالبك فى أمرها بكثير من الفضيلة، ولكنها تطالبك بأن تجعل على شهوتك رقيبا من كل ذمتك ومن كل ضميرك».



وفى عدد 7 مارس 1922 كتب فكرى باظة(1896-1979) عمودا شديد اللهجة تحت عنوان «تأسف - تنوى - يعز عليها»، انتقد فيه بشدة موقف الحكومة من تصريحات اللنبي، وسنورد بعضا مما جاء فى المقال «قرأت تصريح المريشال اللنبى مثنى وثلاث ورباع، فلم أخرج من هذا البحث الدقيق إلا بنتيجة واحدة تتلخص فيما يلى (أن حكومة جلالة الملك تأسف وتنوى ويعز عليه)، هذا هو كل ما أرادت حكومة جلالة الملك أن تخطرنا به، هذه هى (المنح) التى حلت محل (الاستقلال التام)، هل تنكر أيها القارئ صحة هذا الاستنتاج؟ إليك الدليل: هل سحبت مذكرة اللورد اللنبى التفسيرية سحبا تاما؟، لا – وإنما فقط – جنابه (يأسف) لان المصريين لم يستطيعوا فهم عباراته، هل اعترفت إنكلترا بأمانينا القومية؟، لا – وإنما فقط – (يعز عليها) أن ترى المصريين يؤخرون الأجل الذى يبلغون فيه مطامعهم، هل ألغيت الحماية إلغاء صحيحا وأعلنت الدول بهذا الإلغاء؟، لا – وإنما فقط – حكومة جلالة الملك (تنوي) أن تشير على البرلمان بالموافقة على الإلغاء، والبرلمان (ينوي) أن ينظر فى الأمر بعد الانتهاء من مشاكله الحالية، كنا نظن أن المسألة المصرية (دولية)، وأن الدول يهمها أن تعلم بخبر الحماية ومصيرها، ولكن رأينا المستر لويد جورج يتشنج وتنتابه نوبة عصبية حادة، مؤكدا أن المسألة المصرية مسألة خصوصية منزلية عائلية بين إنكلترا ومصر، أو بين إنكلترا وإنكلترا!! وبعد ليس لنا أيها الإنكليز إلا أن نوجه إليكم ثلاث عبارات: الأولى- أننا (نأسف) لأنه لا يربطنا بكم شىء، الثانية- أننا (ننوي) ألا ننفذ لكم شيئا، الثالثة- أنه (يعز علينا) أن تخرجوا من المولد بلا شىء».