سامى متولى.. الزاهد
يمثل الراحل الكبير سامى متولى مدير تحرير الأهرام الأسبق نموذجا نادرا لن تجده إلا فى المؤسسات الراسخة، صحفية كانت أو غير ذلك، إنه المسئول التنفيذى (الرجل الثانى بالتعبير الدارج)، الذى يؤدى عمله بنزاهة واقتدار دون ضجيج أو دعاية. يحظى بثقة القائد واحترام الزملاء، وعندما تنتهى مهمته يخرج من الصورة. لا يزاحم أحدا ولا يحاول أن يخلق لنفسه دور المستشار أو صاحب الخبرة التى لا استغناء عنها.
بالنسبة لنا، نحن الصحفيين الصغار، كان قليل الكلام لكن الحاسم. فى بداية الألفية، اعتزم الأستاذ إبراهيم نافع عمل تغييرات بالجريدة. دخلت للأستاذ سامى، وقلت لا أعرف ماذا أقول ياريس لكن.. لم يتركنى أستكمل ورد: «يا حبيبى (وكانت من لوازمه الدائمة) احنا عارفين مين اللى بيشتغل ومين اللى مبيشتغلش». خرجت غير متيقن من شىء. بعد أيام صدرت القرارات، وكان منها ضمى للديسك المركزى للجريدة.
فى زمن العمالقة.. سلامة أحمد سلامة وعبدالوهاب مطاوع وصلاح الدين حافظ وغيرهم الكثير، كان رمانة الميزان. يدرك قيمة كل هؤلاء. لم يحاول الاستئثار بالقرار، أو التصدى لأمر ليس من تخصصه. كانت الرؤية السياسية مسئولية أ.سلامة، والديسك مسئولية أ.عبدالوهاب. كان يقدم مواد الجورنال على كتاباته. سمعته مرة يقول لزميل سكرتير التحرير: «لو احتاج الأمر تأجيل بابى الأسبوعى: «صور برلمانية»، أجله فورا». قراراته نابعة من تقييمه للأمور، وليس مراعاة لزميل أو زميلة. كان يردد أنه ليس مرشحا للانتخابات حتى يرضى هذا أو ذاك على حساب المهنة.
ظل لسنوات طويلة، أحد ثوابت الأهرام. يحضر مبكرا للغاية. يتابع كل صغيرة وكبيرة. يحاسب بشدة ويعاقب برحمة. الصغائر والنميمة خارج دائرة اهتماماته. يقدم المساعدة دون منة أو صخب. رغم خبطاته الصحفية، خاصة كمحرر برلمانى، إلا أنه ظل عازفا عن الأضواء، نادر الظهور التليفزيونى. المؤسسات الصحفية تقوم على النجوم، لكن أعمدة الخيمة الذين يقدمون المؤسسة على أنفسهم وتاريخهم من أمثال سامى متولى، هم الذين ينفعون الناس ويمكثون فى الأرض. الترفع والصراحة والتفانى عنوانهم، والشهرة وإدمان الظهور والتفاخر ليست من مفاخرهم.