عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
اليوان وعملة الاحتياط الدولية
26 يناير 2022
عبدالفتاح الجبالى


هل تصبح العملة الصينية اليوان عملة احتياط دولية بديلا للدولار؟ هذا هو التساؤل المطروح على الساحة الدولية منذ فترة ليست بالقصيرة، خاصة بعد ان أصبح إحدى العملات الأكثر استخداما فى المدفوعات الدولية حيث استحوذ على 2.7% من الحصة السوقية مقابل 40.5% للدولار و36.7% لليورو و5.9% للإسترلينى و2.6% للين اليابانى.



كما سجلت الأصول المقومة باليوان نموا متزايدا فى المحافظ المالية للمستثمرين الأجانب، حيث زاد خلال الفترة 2018/2021 صافى السندات والأسهم التى يملكها مستثمرون أجانب بمعدل نمو سنوى 34%.



وعلى الجانب الآخر أخذ نصيب الدولار من احتياطى العملات الأجنبية العالمى يتراجع الى 56% فيما يعد أدنى مستوى له منذ 25 عاما مقابل ذلك ارتفع اليوان.



ومن المعروف ان أى عملة ترغب فى أداء دور على الصعيد العالمى ينبغى لها ان تؤدى ثلاث وظائف أساسية هى، وسيطة للمعاملات ووحدة للحساب ومخزن للقيم، وهو ما يتطلب توافر مجموعة من العوامل التى تتيح لها تأدية هذه الوظائف بصورة معقولة، واهم هذه العوامل هو مدى الثقة فى الاستقرار الاقتصادى والسياسى للبلد المصدر لها.



وجدير بالذكر ان النظام الاقتصادى الدولى الذى كان سائدا حتى منتصف السبعينيات، الذى اصطلح على تسميته نظام «برايتون وودز» قد اعتمد على ثلاث دعامات أساسية أولاها نظام سعر الصرف الثابت، الذى يرتكز على الدولار كقاعدة، أو كعملة أساسية، وذلك عن طريق تحديد سعر صرف كل عملة على أساس محتواها الذهبى مقارنة بمحتوى الدولار الذهبى، وطبقا لهذه القاعدة كانت أسعار الصرف ثابتة عند قيمة معينة بالنسبة للدولار، لا يجوز تغييرها، إلا فى أضيق الحدود، وبعد موافقة صندوق النقد الدولي.



وثانيتها إعادة تعمير ما دمرته الحرب العالمية الثانية، خاصة لدى البلدان الأوروبية، عن طريق توفير الأموال اللازمة لها، بالشروط الملائمة، وعبر البنك الدولى للإنشاء والتعمير وثالثتها ضمان تدفق التجارة الدولية دون اللجوء إلى ممارسات تمييزية فى التجارة والصرف تحاشيا للإجراءات التى كانت سائدة قبل تدشين هذا النظام، وخاصة خلال الفترة 1929-1932 أى فترة الكساد الكبير، والتى أدت إلى اهتزاز الثقة فى التعاملات الدولية، واللجوء الى سياسة إفقار الجار عبر التخفيض التنافسى للعملات الوطنية، مع ما أثارته من ردود أفعال انتقامية من جانب البلدان الأخرى الشريكة فى التجارة والأسواق، مما أدى إلى اختلال العلاقة بين النقود وقيمة السلع، ثم بين العملات وبعضها البعض، وأدت هذه الظروف إلى إصابة الاقتصاد العالمى بالوهن والضعف، الأمر الذى يتطلب العمل على الحيلولة دون تجدد هذه الأحداث من جديد، عبر تعزيز التجارة الدولية فى إطار «الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة».



وقد سار هذا النظام سيرا حسنا قرابة عشرين عاما، وهى فترة من النمو المتواصل فى الاقتصاد الدولى والتزايد السريع فى التجارة الدولية، ولكن كان المصدر الرئيسى للسيولة الدولية هو العجز المتتالى فى ميزان مدفوعات الولايات المتحدة، وكانت البلدان ذات الفائض فى مدفوعاتها على استعداد لتجميع الدولارات، لان الولايات المتحدة من جانبها كانت على استعداد لتحويل حيازات الدولارات إلى ذهب، مقابل ما كان يعد قيمة ثابتة للدولار، ولكن الظروف والتغيرات التى حدثت بعد ذلك، خاصة حرب فيتنام وزيادة العجز الحالى الأمريكى أدى لزيادة الطلب على الذهب مقابل الدولار، مما أفقد الولايات المتحدة معظم احتياطاتها من الذهب ودفع الرئيس الأمريكى الى الإعلان عن فصم العلاقة بين الاثنين فى أغسطس 1970 وتخلى أمريكا عن تحويل الدولار الى ذهب، مما ادى إلى فشل هذا النظام، خاصة مع بروز عوامل وتغييرات عالمية كثيرة خلال العقود السابقة فيما يتعلق بتحركات رءوس الأموال الدولية، فضلا عن التطورات السريعة والمتلاحقة للبلدان الرأسمالية الغربية واليابان والصين، مما أفقد الاقتصاد الأمريكى قدرته التنافسية واحتدام الصراع التنافسى بين الأطراف الرئيسية فى النظام الدولي.كل هذا أدى إلى انهيار النظام الاقتصادى القديم، حيث تركت الحرية للبلدان المختلفة فى تطبيق نظام الصرف الذى ترتئيه، وتم التخلى عن مبدأ التعادل الثابت للعملات، أصبحت البلاد حرة فى الارتباط باى نظام صرف يلائمها، وبالتالى انتهت الالتزامات التى كانت مقررة فى اتفاقيات «برايتون وودز».



ومع صعود الصين واحتلالها المرتبة الأولى فى التصدير أصبحت تسعى لوضح اليوان كعملة احتياطى دولى، وقد نجحت بالفعل فى ذلك حيث قرر المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى ضم اليوان كعملة خامسة فى سلة العملات المكونة لحقوق السحب الخاصة فى مراجعة نوفمبر 2015، كذلك قرر الصندوق اعتبار اليوان قابلا للاستخدام الحر بدءا من أكتوبر 2016، وذلك بعد التوسع الكبير للصين فى الاقتصاد العالمى حيث أصبحت تسهم بنحو 18.3% من الإنتاج العالمى، عام 2020 مقابل 15.8% للولايات المتحدة الامريكية كما تسهم بنحو 12.3% من الصادرات السلعية والخدمية مقابل 9.6% للولايات المتحدة.



ولهذا احتل اليوان المرتبة الثالثة بعد الدولار واليورو. وبالرغم من ذلك فمازال امام الصين العديد من الخطوات لتحقيق أهدافها حيث لم تحرر حسابها الرأسمالى بشكل كامل. كما ان قوة اليوان واستمرارها ستظل بالأساس رهنا بأمور عديدة منها ضرورة إنهاء ضوابط رأس المال، وتحرير أسعار الفائدة، والسماح بتعويم اليوان، ومن ناحية أخرى فمن المحتمل مع زيادة حجم القاعدة الاقتصادية لليوان، وإسقاط تكاليف المعاملات المرتبطة به، يمكن ان يؤدى ذلك بالتدريج إلى التحول نحو حيازات اليوان كمخزن للقيمة، الأمر الذى من شأنه أن يقلل من استخدام الدولار كعملة احتياط دولية، وهذا فى حد ذاته يؤدى إلى فقدان الولايات المتحدة سيطرتها النقدية، وهو ما يستلزم تحولا كبيرا فى نموذج التنمية الصيني.



ومن ثم فإن الأهمية المتزايدة للصين فى الأسواق العالمية تجعل اليوان الصينى منافسا قويا للدولار.الامر الذى يدفعنا للقول إننا أصبحنا على مشارف نظام نقدى جديد يختلف عن القائم حاليا فى آلياته ومؤسساته.