«التوازنات»الخارجية.. صناعة ألمانية
اتسع وتميز حكم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إقليميا ودوليا، ويبدو أن السياسة الخارجية وتوازناتها سترسم أيضا عمل الحكومة الألمانية الجديدة، وتبرز دور وشخصية مستشارها أولاف شولتس. ولأن شولتس جاء إلى سدة السلطة من وزارة المالية، فهو يدرك أهمية عدم وقوع البلاد فى المزيد من الأزمات الاقتصادية مع حصار الموجة الرابعة من «كوفيد-19». إلا أن المؤشرات الأولية تكشف عن محاولات ألمانية لإرساء سياسة خارجية متوازنة، عند تعاملها مع الخصوم القدامى فى روسيا والصين وإيران.
فقد وجدت الحكومة الجديدة نفسها تواجه تحديات خارجية ليست بسهلة مع حشد روسيا على الحدود مع أوكرانيا والتهديد بغزوها مرة أخرى. كذلك وجدت الحكومة نفسها وسط وضع مقلق مع محاولات دول «5+1» استئناف الاتفاق النووى مع إيران، إضافة إلى القضايا التجارية العالقة مع الصين وانتقادات ألمانيا لقضايا حقوق الإنسان.
ونرى أن الحكومة الألمانية الجديدة بدت متشددة تجاه روسيا، خاصة مع تسلّم حزب «الخضر» وزارة الخارجية وهو الرافض لأى تساهل مع موسكو. وبدأت وزيرة الخارجية «أنالينا بيربوك» فى تنفيذ أولى الخطوات نحو هذه السياسة بطرد اثنين من الدبلوماسيين الروس تماشيا مع الحكم الذى أصدرته محكمة ألمانية ضد رجل مخابرات روسى أدين بقتل معارض فى العاصمة الألمانية برلين. ولا تتردد بيربوك فى انتقاد مشروع «نورد ستريم 2» علناً، وتصفه بأنه خطأ ويجب أن يتوقف رغم أن هذا المشروع يوصل الغاز الروسى مباشرة إلى ألمانيا، كما كانت ميركل متمسكة به رغم الاعتراضات الأمريكية والأوروبية.
ويوافقها روبرت هابيك، شريكها فى زعامة حزب الخضر، الذى تولى الآن حقيبة الاقتصاد ومنصب نائب المستشار مؤكدا أن «أى تصعيد عسكرى روسى لا يمكن أن يبقى دون نتائج»، وأن خيار وقف مشروع «نورد ستريم 2» سيكون مطروحاً على الطاولة «فى حالة حدوث أى انتهاك لسيادة الأراضى الأوكرانية». ولكن يبدو أن الصورة فى ألمانيا لها أكثر من وجه، فقد رفض شولتس الربط بين المشروع والتصعيد ضد روسيا، إلا أنه تحدث «عن عواقب وخيمة» ستواجهها روسيا فى حالة غزوها أوكرانيا.
ومن جانب ثان، قد يحتاج شولتس إلى الرد على الضغط الأمريكى على برلين للوقوف وراء واشنطن فى مواجهة الصين إذا حاولت الأخيرة الاستيلاء على تايوان. فلم تكتف بيربوك بانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان الصينية بل هددت بدفع جهود وضع قيود أوروبية على الاستيراد فى السوق الداخلية المشتركة للاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، يتضح أن شولتس عازم على التمسك بكتيب قواعد ميركل، وتجنب المواجهة من أجل الحفاظ على المصالح الاقتصادية لألمانيا، فعندما سئل عما إذا كانت ألمانيا ستنضم إلى المقاطعة الدبلوماسية الأمريكية لدورة الألعاب الأوليمبية الشتوية فى الصين، قال «نعتقد أن التعاون الدولى مهم فى عالم يجب أن يعمل معًا، من المهم اغتنام الفرص للإشارة إلى التعاون»، وهو ما يذكرنا بمواقف ميركل، التى طالما انتقدت انتهاكات حقوق الإنسان فى الصين بينما كانت تجذب الصينيين لتعاون اقتصادى أوثق.
ومازال شولتس ينتظر أيضا بحذر ودون تعليق يذكر حتى الآن نتائج استئناف المفاوضات النووية مع إيران. وإن كان قد أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت مع أول يوم من توليه المستشارية رفض بلاده لزيادة القدرات النووية الإيرانية بأى شكل. إذن ما يعنيه ذلك أن حرص ألمانيا على لعب دور مركزى فى القضايا الخارجية كالعهد السابق لا يزال قائما. ولكن هل تقف طموحات شولتس عند هذا الحد؟ هذا ما ستكشف عنه المرحلة المقبلة.