عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«ترنيمة عيد الميلاد».. ملجأ تشارلز ديكنز من الديون
29 ديسمبر 2021
كتبت ــ رحاب محسن
> سكروج بطل رواية ديكنز يتخلى عن بخله


فى ذلك الوقت من كل عام، يكون الموسم الأمثل لمشاهدة إبداع الأديب البريطانى الأشهر تشارلز ديكنز، «ترنيمة عيد الميلاد» التى تعد أحد أشهر أعماله وأكثرها تجسيدا فى قوالب فنية مختلفة. لكن الغريب أن ذلك العمل الذائع الصيت لم يكن بالنسبة لصاحبه إلا مخرجا من أزمة مالية طاحنة كان يمر بها.



شرع ديكنز فى عمله الذى أصبح بعد ذلك من كلاسيكيات الأدب العالمى فى أكتوبر عام 1843، وكان يستهدف إصداره مع حلول موسم الأعياد فى ديسمبر من العام ذاته، ما منحه ضيقا نسبيا لا يزيد على ستة أسابيع، وذلك بالمقارنة مع الفترة التى كان يستغرقها لإتمام مختلف أعماله. فحسب تقرير لموقع «بايوجرافى» البريطانى، فإن تلك الفترة كان تشهد تراجعا فى عائدات مهنة الكتابة التى كانت تعانى ركودا.



وإن كان ديزنى استطاع وقتها تحقيق نجاح بروايته «متجر الفضول القديم»، لكن روايته «حياة ومغامرات مارتن تشزلويت» لم تحقق مستوى جيدا من النجاح. فدفع ذلك ناشرى أعمال ديكنز إلى خفض راتبه من 200 إلى 150 جنيها إسترلينيا شهريًا. هبط ذلك الخصم على الكاتب البريطانى ليزيد من أزمته المالية. فالكاتب كان متزوجا وينتظر طفله الخامس، كان يعانى من تراكم الديون عليه.



وقتها جاءت ديكنز فكرة إعداد كتاب يتماشى مع موسم «عيد الميلاد»، مقدار مكاسبه من وراء الكتاب المنتظر بنحو ألف جنيه إسترالينى، دون منح كثير من الاهتمام إلى الجودة الأدبية للعمل ومحاولة إخراجه كعمل فنى رائع عابر للعصور. ولكن لأن الطبع يغلب التطبع، فإن الكاتب الإنجليزى وضع أهدافا لعمله المنتظر. فجعله مجسدا لأحوال الأقل حظا فى المجتمع الفيكتورى البريطانى.



فجاء مشروع «ترنيمة عيد الميلاد» بعد ما كان من قراءة ديكنز تقريرا برلمانيا فى أوائل 1843 عن أحوال الأطفال المندرجين ضمن القوى العاملة البريطانية، ومتضمنا شهادات للعمالة الصغيرة حول ساعات العمل الطويلة، والأجور المنخفضة، وظروف العمل الخطيرة.



ولأن ديكنز ذاته كان يعمل فى أحد المصانع فى صغره لتلبية احتياجات أسرته ذات الظروف الصعبة، فإنه، وبعد قراءة التقرير، وضع كتيبا تحت عنوان «نداء لشعب إنجلترا نيابة عن طفل فقير»، ثم عدل عن طرحه. وبدأ فى التفكير فى وسيلة أكثر فاعلية تجذب اهتمام المجتمع البريطانى لعظيم أزماته. ويشير إلى التحديات التى يواجهها الفقراء وكيف أن بعض الكرم من جانب القادرين سيخفف من أعبائهم.



وطرح الكتاب، ذو الـ 30 ألف كلمة، بالأسواق ونفدت نسخته الأولى المؤلفة من 6 آلاف كتاب خلال أسبوع لا أكثر. ورغم ذلك النجاح، لم يحصل ديكنز على مبلغ الألف استرلينى المنتظر. فقد بلغ يديه 250 استرلينيا فقط لا غير. وذلك لأن عائدات بيع الكتاب لم تكن كافية لتغطية التكلفة المرتفعة لطباعته بغلاف فخم من القماش الأحمر، وصفحات ذات حواف مذهبة، ورسومات توضيحية ملونة، فضلا عن بعض التغييرات فى آخر لحظة والتى أصر عليها ديكنز.



وأقام ديكنز أول قراءة عامة لكتابه الجديد عام 1853، وذهبت عائداتها لأغراض خيرية. ولكنه قام لاحقا بقراءات مقابل عائد مالى. فقد قدم نحو 127 قراءة عامة لكتابه بين عامى 1853 و1870. وأثر واحدة من هذه القراءات، وتحديدا فى عشية عيد الميلاد عام 1867، قرر صاحب أحد المصانع تعليق العمل فى عيد الميلاد، وتوزيع طيور الديك الرومى على العاملين، تماما كما فعلت شخصية إبنزر سكروج بالرواية، وذلك إثر تخليها عن بخلها وجمودها.