ثقيلة كالماء.. موجعة كالسكين
تمرين خفيفةً وعادية
بذراعين متعرقين وقلبٍ جائع
تروعُكِ كم الثقوب التى نتأت فى أسنانك؛
ثقوبٍ عميقة بتجاويفَ
أكثر قدرةٍ على إخفاء أحزانك.
ثقوب تصلح كممراتٍ سريةٍ للنسيان
أو كقبورٍ لأجنة كلامٍ لم نقله.
أنتِ خفيفةٌ ومسكينة
تتبعين كل الحميات الغذائية
وتتعرفين على جسدك كأنه خُلق للتو.
تخسرين عشرين كيلو جرامًا
بنفس الطريقة التى تخسرين بها أحبابك
هكذا تمرين خافتة بلا جلجلةٍ أو نياشين
تودين لو تحرسين الضوء
حتى لا يكشف ظلك.
أرهقتكِ البداياتُ كثيرًا
لكنكِ صرتِ أكثر حكمةً فى اختيار حروبك
ولم تعد تُخيفكِ كلماتٌ كالزمنِ أو العمر،
صرتى لا تتذكرين ما رقم هذا العام!
أيامٌ كثيرةٌ تسقطُ من جسدكِ
لا تنتبهين لها
إلا حين ينتهى شريطُ منع الحمل.
قد لا تعرفين أيضاً من يحكم العالم
لكنكِ تهتمين أكثر بما يقوله الطالع،
وما تقوله خبيرة الأرصاد
وما يقترحه الطباخون على موائد الطعام،
وما تكتبه الشاعراتُ عن الأورجازم.
مفرداتٌ كالاعجاب والحب والمواعدة
ربما تنسينها تمامًا
قد تنسين أيضًا أنكِ جميلة،
وقد تكتملُ دائرةُ الحكاياتِ حولك
دون أن تنتبهى كيف يمر رجلٌ لقلب امرأةٍ.
وعلى غير العادة ستحبين الاستماع لأم كلثوم
دون أن تشعرى بالغيرة
من امرأةٍ تغنى لحبٍ لم تختبريه
أو تشعرى بالذنب لأنكِ أخف من أن تتورطى هكذا
أو تتقيأى جموحاً صدأ من طول الانتظار
لن تفعلى كل هذا
ستستمعين لأم كلثوم وحسب.
لم يعد العجن مسليًا كما كان من قبل؛
ستصابين بحساسية الجلوتين
وسيترك تناول الخبز على جسدك آثارًا
تشبهُ أول ليلةٍ بعد الوداع أو بعد الولادة.
وفى كل مرة تحاولين فيها ضبط ملح الطعام كما يريده زوجك
تختل فى يدك المقادير
ولا ينقذك عقلك فى تحسس الأمر
عقلك الذى لا يكف عن التفكير
حتى وأنتِ فى أشد لحظاتك حميمية
يقفز بينكما ويفسد ما تحاولين طبخه.
نادراً ما يدق هاتفك أو يطرق بابك أحدٌ
لكنك لن تشعرى بالوحدة كإحساسٍ مجرد
فأنتِ اعتدت اختراع الونس
ونسٌ تدركينه حين تمتلأ أحبال الغسيل بملابس العائلة
أو حين تفرغ الأوانى من الطعام
ونسٌ يصحبك وأنتِ تشترين مؤونة البيت
وأنتِ ترصين الفاكهة بالثلاجة
وأنتِ تغيرين ملاءات السرائر
وأنتِ تدفعين التراب عن الطاولات
حتى وأنتِ تلقين القمامة
ثمة ونسٌ يمر بداخلك.
ربما تشبهين أمكِ حين تصيرين أماً
وعليك أن تنتبهى
الأمهاتُ لا يجدر بهن أن يتكررن
هذا الزمنُ بلاستيكىٌ لا تناسبه الصلابة
ولن يشفعْ لك التشابه
الأمهات لا يرضين بأن يصرن نسخًا من بعضهن.
حتى لو صرتِ كهيكل أمكِ
وصار لجسدك احداثياتٌ متعددة
تخلى فيها عن خصوصيته
عن ملل التفاصيل الايروتيكية
وسنتمنتالية الشعراء الكلاسيكين
وصار مجرد أعضاءٍ تحكمها ميكانيكا الآلة ويضبطها الزمن.
هل أصبحتِ أكثر قسوة؟
لا دموع فى عينيكِ وكأن لا وقت للبكاء
تمضغين الآلام على مهلٍ
وتفرطين فى استخدام المسكنات
تقولين ليس بوسعنا أن ننهار
لابد أن تمر عجلة الحياة فوق أجسادنا
ثقيلةً كالماء.. موجعةً كالسكين
وخافتةً كحطب المدفئة فى ليالى الصيف
وعلينا أن نمر سريعاً على كل شىء
دون الوقوع فى أى شىء
نمرُ على الموت كطقسٍ موسمى
على الحب ككوب أيس كريم بعد وجبة دسمة
على الوداع كأنه زر restart
على القسوة كأنها تمرين الصباح.
وفجأةً تستيقظين فى الثالثة صباحاً
بعينين خائفتين
تتحسسين الأنفاس الغريبة بجوارك
لوهلة تتساءلين: من هاتين البنتين؟
خيطٌ رفيعٌ يسرى بأسفل بطنك
تمسكين هاتفكِ
وتحاولين مراسلة الغرباء البعيدين
تبدأين رسالةً ثم تغلقينها دون كلمةٍ واحدة
ربما تبكين
ربما تحتضنين بناتك
ربما تفتحين الراديو على إذاعة القرآن الكريم
ربما تحدثُ أشياءٌ كثيرة
لكن من المؤكد أنك ستستيقظين
فى السابعة صباحًا
_كأن شيئًا لم يكن_
بعينين خائفتين ويدٍ مرتعشة
تفتتحين شريط الحياة
ولوهلةٍ تتساءلين:
من قذفنا من أعلى ثم تركنا نتدحرج هكذا؟