هل تعرف ما هى أول جريمة ارتكبت فى هذا الكون؟
لا، إنها ليست جريمة قتل قابيل أخاه هابيل، فقبل ذلك، وقعت ثلاث جرائم متتالية بعد خلق آدم عليه السلام مباشرة.
الجريمة الأولى هى «الكبر» و«العناد»، وذلك عندما رفض إبليس السجود لآدم، تعاليا وغرورا، فالكبر، والتكبر، والعناد الذى يورث الكفر، هى أول جريمة عرفها الكون، وهى جريمة تكبر إبليس على آدم، وعناده مع خالقه، وكفره.
والجريمة الثانية هى «الحقد والغيرة»، فقد رفض إبليس الاعتراف بأفضلية آدم عليه، فقال: «أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين»، وحتى يومنا هذا، لا يزال الحقد والغيرة من أسوأ الجرائم البشرية، ونعانى منها فى حياتنا اليومية، رغم أن كثيرين لا يعتبرونها كذلك، فلا يرونها إلا «نقيصة أخلاقية» ليس أكثر، فى حين أن الحقيقة أنها «مصيبة» ويراق بسببها الدم!
أما الجريمة الثالثة فهى الكذب والغش والخداع، فقد قال إبليس لآدم: «هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى»؟! وطبعا، لم تكن هناك لا شجرة خلد، ولا شجرة زيزفون، فقط، أراد إبليس أن يخدع المخلوق النقى الجديد ويحتال عليه، لكى تهتز مكانته عند ربه، ويطرده من جنته، فاخترع له كذبة، وزعم أن هناك شجرة، إذا أكل منها، نال الخلود، وملكا لا يبلى، وعندما صدق آدم، عليه السلام، الكذبة وعصى ربه، فأكل هو وحواء من الشجرة، وبدت لهما سوءاتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، عاقبهما ربهما، ولكن بعقوبة مخففة، وهى النزول إلى الأرض، مع إعطائهما حرية الاختيار حتى يوم الملتقى، والحساب!
وبعد الكبر، والحقد، والكذب، لا تبدو جريمة قتل قابيل هابيل سوى مجرد «حاجة بسيطة»، بل هى نتاج طبيعى للجرائم الشيطانية الأولى، فقابيل لم يقتل أخاه إلا بعد أن «كابر»، وحقد عليه، ورأى نفسه أفضل من أخيه.
كل ما سبق كان خلاصة مكالمة هاتفية «منعشة» تلقيتها من الدكتور والعالم الكبير حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة بقصر العيني، أنقلها «بتصرف».
قبل أسبوعين، تحدثنا عن نموذج رجل الأعمال «التايكون» الذى توهم نفسه فوق الجميع، فسقط فى فخ الكبر، والحقد، والكذب، معا، دون أن يشعر، بعد أن كان نموذجا ناجحا، وهذه الأيام، نستشعر بأنفسنا أطنان الحقد والكراهية التى يكنها بعض الهمج والفاشلين لواحد من أنجح رجال مصر، وهو محمد صلاح، ويسعون معها لتدمير شعبيته، خدمة لآخر، يعد أحقد وأكذب من إبليس نفسه!
وما حدث ويحدث مع صلاح، حدث من قبله مع «السير» مجدى يعقوب، الذى استكثروا عليه الجنة، وكأنهم يملكون مفاتحها، وحدث مع كثيرين آخرين يوميا، وفي كل مناحي الحياة، وكأن إبليس مثلنا الأعلى!
أما الجريمة الرابعة التى لم يذكرها الدكتور موافى، فهى «الأمعنة»، أو «التأمعن»، ولست أعرف بالضبط ما هى الكلمة العربية السليمة التى تدل على ذلك الشخص الذى يفضل أن يعيش «إمعة»!
هذه الجريمة لم يرتكبها صاحبنا «التايكون»، ولا الكاذب الحقود الجاثم على صدورنا من الاستوديو إياه، ولكنها جريمة يرتكبها كل من دافع عنهما، ويرتكبها يوميا كل من يدافع عن خطأ أو سلوك مشين، أو «هيافة»!
لا أفهم حتى هذه اللحظة سر تمسك مثقفين و«محترمين» مثلا بالدفاع عن أصوات نكرة، استحقت التشبيه الربانى فى القرآن الكريم بـ «صوت الحمير»، وذلك بحجة أنه «فيه ناس بتسمعهم»، ولا أفهم أيضا كيف يمكن أن يتجرأ إنسان ويستخف بدماء شهداء سالت، ويدافع عن شخص مدان بالإرهاب، بخلاف كذبه وسماجته، وذلك بدعوى أنه «له إنجازات»، ولا أفهم أيضا كيف وصل بنا الحال إلى درجة أن يدافع واحد «شحط» عن ملابس فاضحة أو أعمال فنية رديئة أو أغنيات وقحة، بدعوى أن هذا فن وهؤلاء فنانون وهذه حرية، ولا أفهم أيضا كيف يتجرأ كثيرون على الدفاع عن لصوص ومجرمين ومخالفين للقانون بدعوى أنهم «غلابة»، و«عندهم ظروف»!
ألهذا الحد، فقدنا بوصلة كل شيء؟! أليس منكم رجل رشيد؟! هل سنستمع قريبا إلى من يقول لنا: «مش عاجبك البورنو، غير المحطة»؟! هل باتت «الأمعنة»، أو «التأمعن»، فضيلة فى زمننا هذا، وصار ركوب الأمواج، والسير مع غثاء السيل، موضة وسنة حسنة؟!
زمان، غنت أم كلثوم «أكاد أشك فى نفسي»، واليوم، يكاد العاقل المنصف المتزن يردد: «أكاد أشد فى شعري»، بعد أن صار اللامعقول ممكنا، والعيب حلالا، والحرام مقبولا، ومقولات «واحنا مالنا»، و«الزمن اتغير» و«مشى حالك» هى حكم ومآثر هذا العصر!
يا فرحة إبليس بنا، ونحن ندافع عنه باستماتة فى كل وقت وحين!
الطف بنا يا رب!