كلمة العدالة عصية على كثير من البشر حين يتوجب عليهم الالتزام بمقتضياتها0 يوصدون آذانهم فلا يسمعونها, ويُغلقون عقولهم فلا يستوعبونها. وأغلب هؤلاء لا يتعلمون أن ثمن العدالة قد يكون أفدح من تكلفة الظُّلم0
لم تتعلم حكومات دول الشمال الأكثر تقدمًا دروس الجائحة بعد ما يقرب من عامين, وخاصةً درس عدم العدالة فى توزيع جرعات اللقاحات المضادة لفيروس كورونا0 وما المتحور الأخير المُسمى رمزيًا أوميكرون, فى أحد أهم أوجهه, إلا نتيجة عدم تعلم هذا الدرس0
حل الهلع مًجددًا فى الدول التى استأثرت بأكثر من 75 فى المائة من الجرعات المُستخدمة حتى الآن, وأحدث أثره سريعًا فى أسواق وبورصات, وبدأت مقدمات خسائر جديدة يُتوقع أن تتكبدها اقتصادات تلك الدول نتيجة عدم إدراك أن فى العدالة فائدةً للجميع مهما بدا غير ذلك0
ظهر المُتحور الجديد فى بتسوانا وجنوب إفريقيا حيث لم تتجاوز نسبة المُلقحين 20 و24 فى المائة على التوالى, مُهددًا دولاً تتراوح هذه النسبة فيها بين 65و 80, وتتوافر لديها جرعات تكفى بقية السكان الرافضين أو المُمتنعين0 وليست هذه المرة الأولى التى ظهر فيها أثر الظُلم فى توزيع الجرعات0 حدث مثل ذلك عندما نشأ المُتحور المُسمى رمزيًا دلتا فى الهند يوم كانت نسبة المُطعمين فيها لا تتجاوز 5 فى المائة, بينما كانت حكومات الدول المُستأثرة يُسابق بعضها بعضًا لتحقيق أعلى معدلات التطعيم, وفى وقت كان المسئولون فى برنامج كوفاكس, المُخصص لمساعدة الدول الفقيرة والمًتوسطة الدخل للحصول على ما يتيسر من الجرعات0 يشكون قلتها0
وها هى تبعات ظُلمهم ترتد إليهم, ويجدون أنفسهم فى وضع صعب مرة أخرى حال انتشار المتحور الجديد فى بلادهم بما يترتب عليه من تكلفة0 والأرجح أنه عندما يتيسر إجراء دراسة منهجية مُوسعة لهذه التكلفة, وما سبقها بعد انتشار مُتحور دلتا, سيتبين أنها أعلى من ثمن كان مُمكنُا تقديمه لتحقيق شىء من العدالة فى توزيع اللقاحات, ولإقناع العالم بأن الستار لم يُسدل على معنى الإنسانية, أقله لدى أحزاب كانت تتبنى قيمًا مُرتبطة به قبل أن تصل إلى السُلطة0