لا يعترف الموروث الشعبى المصرى بإيمان المُنقاد الأعمي، وصولًا إلى أن يعتبر الإيمانْ الواعى إحدى مُسَلَمات الحياة التى يُمكنها مواجهة كُل طرحٍ خارج السياق العقلى فى شئون الدنيا وإسقاط كُل حُجَجِه عبر إعلان «رَبِنا عرفوه بالعقل»، وفى القرآن الكريم يُمكن حصر 46 آية تؤكد أهمية استخدام العقل عبرأفعاله (تعقلون – يعقلون)، وهكذا يتعاشق المستقر فطريًا فى وعى العامة مع النص الربانى فى الخطاب القرآنى ليضعا كل إنسانٍ فى عين مسئولية التحرى عن الحقيقة، وهو ذاته ما يمكن أن يُمثل استهلالًا هادئًا لخطاب موجه إلى عقل عوام القواعد الإخوانية والقيادات الوسطية، بعيدًا عن تجاذبات التقييمات لمواقف أو قضايا، حيث الهدف مُحاولة استحداث فاعليات لما تسميه أدبيات التنظيم (رُكن الفهم)، بعيدًا عن مُحدداته الإخوانية التى تقود العقول إلى القولبة المُناقضة للفطرة الربانية (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، والإخضاع المُنافى لحرية الاختيار (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
وعلى سبيل الاعتراف فإن عشر سنوات على الفرار من عالم الإخوان لا تمنع وجع القلب على الأسرى القابعين فى هذا العالم يتعاطون بريد التنظيم الذى يصلهم عبر المسئول لينقل لهم أخبار الدنيا كما يراها الإخوان ويُبشرهم بأنهم (الفئة الناجية) كونهم (القابضون على جمر الدين فى عصر التفريط)، وكلما ضاقت بهم الأرض فعليهم أن يتيقنوا أن النصر بات على الأعتاب!، يستقبل المُخَدرون بخطاب التنظيم بريدهم وهم يتطلعون إلى وجوه بعضهم البعض قبل أن يعلو صوتُ مسئولهم (اللهم وفق قادتنا وألهِم مُرشدنا)، لكن هذا الخدر التنظيمى لا يمنع من محاولات التنبيه، ولا وسيلة لإيقاظ الغافل إلا بمواجهته بواقع مَنْ يستغفله، حيث تنتفى أطروحات (العمالة والتخوين والتفريط والخيانة) التى تلاحق مثلى كلما استهدف إيقاظ مدمنى المخدرات التنظيمية.
خلال الشهر المنقضى شاءت الأقدار أن تضع غافلى التنظيم على عتبات مُستغفليهم، ليتتابع ظهور القيادات التى تُمثل لأتباعهم أشباه آلهة، إننا نتحدث عن (يوسف ندا) أحد سدنة المعبد التنظيمي، و(إبراهيم منير) القيادى المُتَدثر بالحماية الانجليزية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، و(محمد البحيري) أو الحاج كما هو شائع فى أجيال الإخوان المُتعاقبة محليًا وخارجيا خاصة فى اليمن وإفريقيا، و(محمود حسين) أمين عام التنظيم وعضو مكتب إرشاده الذى كُلفْ بالفرار من مصر قبل ثورة 30 يونيو 2013 ليكون إلى جوار (جمعة أمين) مع “منير” ثلاثى يضمنون إدارة التنظيم من الخارج بعد سقوطه فى مصر، كانوا جميعًا على قلب رجلٍ واحد حتى فى صراعاتهم مع خصومهم حيث توافقوا على الإطاحة بـ (محمد كمال) عضو مكتب الإرشاد الذى أحيا علانية (التنظيم الخاص)، لكن إطلالتهم جميعًا هذه المرة كانت فى إطار الصراع على مَنْ يقود، بعدما فضح مرور الوقت أن “حسين” غير قانع بأقل من مقعد الصدارة، بينما يرى “منير” أنَّهُ الأولى والأحق، وفى إطلالاتهم على شعبهم المُخدَر راح الجميع يستخدم نفس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص اللائحية لإثبات صحة موقفه وخطأ الآخر الذى كان حتى الأمس القريب له (أخ)، وجميعهم يُصدرون خطاباتهم مِن فاره الديكورات ومُتطور التقنيات حيث يتحدثون وأثر النعمة على الوجوه يُلوح موصيًا آلاف المُخدرين بالصبر على ضيق سجون ومعايش ومناف كانت مُحصلة الوعود التنظيمية بالتمكين انتصارًا للمشروع الإسلامي.
عام 2009 كُنتُ مَنْ كَتب للمرشد السابق (محمد مهدى عاكف) نص استقالته الذى لمْ يُعلَن، وللأسف شاركتُ الراحل (محمد مرسي) فى احتواء غضب المرشد الذى قال لى (أنا نفسى أخرج من مكتب الإرشاد ومعايا كل أعضاء المكتب ويدخل مكاننا دم جديد)، وما حدث كان العكس تمامًا، وفى كل وحدة تنظيمية بداية من مكتب الإرشاد حتى الشعبة يمكن سرد مئات المواقف لمَنْ يتصارعون على القيادة، بينما يبقى عموم الصف مُخدرًا بخطابات التجرد، وأحاديث الصبر على الحق لأن طريقه محفوف بالمكاره، جميعها خطابات تطوق العقول حتى لا تُستخدم بغير إذن التنظيم، وكل ما تستهدفه هذه السطور هو أن تُذكر عموم الإخوان بنعمة العقل عَلَهم يعقلون فإلى براح الدين والدنيا يؤوبون.