عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
دبلوماسيون على جناحى الأدب والسياسة
26 نوفمبر 2021
سهير عبدالحميد
السفير السيد أمين شلبي



  • التصوف يسيطر على كتابات عبدالوهاب


  • نزار قباني هجر العمل الدبلوماسي من أجل عيون الشعر


  • السفير محمد توفيق: مذكرات الدبلوماسي مصدر مهم للتاريخ وبونها سنكون مضرين للجوء إلى الوثائق الأجنبية


  • اللغة العربية تضيع ومعها الشعر والهوية والتعليم هو السبب!


  • صاحب "القنديل" سعادة السفير رائد فن القصة القصيرة


  • السفير السيد أمين شلبي: اهتماماتي الأدبية توازت مع عملي في الخارجية



 



 



فى عالم الدبلوماسية كثيرون ممن اشتغلوا بالكتابة والأدب، بعضهم آثر الكتابة على العمل الدبلوماسى وترك كتبنا تمثل مصدرا مهما من مصادر التوثيق التاريخى. بينما انطلق البعض سابحا فى بحور الأدب محلقا فى آفاقه ما بين كتابة الرواية والقصة والشعر، حيث منح العمل الدبلوماسى هؤلاء فرصة الإبحار فى عوالم أخرى والاطلاع على ثقافات مغايرة، ترجمتها أناملهم وعكستها إبداعاتهم، حتى حصد بعضهم جوائز مهمة، مثل: «أكتافيو باث» الشاعر والأديب والسياسى المكسيكى الذى عمل سفيرا لبلاده فى عدة دول وكتب فى الأدب والشعر والفن والدين والتاريخ، وحاز جائزة نوبل فى الأدب عن مجمل كتاباته التى تتسم كما جاء فى حيثيات الجائزة بآفاق ثقافية واسعة وذكاء وطاقة إنسانية.. ومن تشيلى الشاعر «بابلو نيرودا»، الذى نال جائزة نوبل فى الأدب. وفى أحيان قد تتغلب شهرة الأديب على الدبلوماسى كما هى الحال مع نزار قبانى الذى هجر العمل الدبلوماسى من أجل عيون الشعر خصوصا بعد أن ثار ضده البرلمان السورى بسبب قصيدة خبز وحشيش وقمر.



وفى مصر تحديدا نشأت ظاهرة الدبلوماسى الأديب مبكرا وكان من أهم أقطابها عبدالروهاب عزام ويحيى حقى. ومن الأسماء اللامعة حاليا السفير محمد توفيق سفيرنا السابق فى واشنطن والسفير السيد أمين شلبى.





يعد عبدالوهاب عزام «1894ــ1959»، مفكرا وكاتبا فذا لا تقل مكانته فى دنيا الكتابة عن مكانته فى عالم السياسة والدبلوماسية.



أنهى عزام دراسته الأزهرية ثم حصل على ليسانس الآداب من جامعة «فؤاد الأول» جامعة القاهرة ثم اختير ليكون إماما فى السفارة المصرية بلندن، وهناك درس اللغات الشرقية ونال الماجستير فى الأدب الفارسى 1929 عن التصوف والشاعر الفارسى المتصوف فريد الدين العطار، وعندما عاد إلى القاهرة نال الدكتوراة عن شاهنامه الفردوسى وهى ملحمه فارسيه ضخمه كتبها الشاعر الفارسى الأكبر أبو القاسم الفردوسى. وتدرج فى السلك الأكاديمى حتى صار عميدا لكلية الآداب جامعة القاهرة 1945 م. وفى عام 1947 بدأت مسيرته الدبلوماسية سفيرا لمصر فى المملكة العربية السعودية ثم باكستان واليمن.



طوال هذه المسيرة السياسية والدبلوماسية الحافلة كانت الكتابة لصيقة بعبدالوهاب عزام وتحديدا حول التصوف والفلسفة الإسلامية، فترك العديد من المؤلفات من بينها: التصوف فى الشعر الإسلامى، مجالس السلطان الصوفى، محمد إقبال، ذكرى أبى الطيب بعد ألف عام.






صاحب قنديل «أم هاشم»



على العكس من عزام تفوق سيرة يحيى حقى الأدبية سيرته الدبلوماسية شهرة، فاسمه فى الأذهان مقترن برواياته خصوصا قنديل أم هاشم التى نقل عبرها حقى واقعا معيشيا خبره كواحد من سكان حى السيدة زينب الذى نشأ وتربى فيه، فعلى الرغم من أنه كان لأبوين من أصل تركى فقد مصرته تلك البيئة الشعبية فى حارة الميضة بالسيدة وعجنته بعجين مصرى خالص.



عمل السفير يحيى حقى «1905ــ1992»، فى عدة عواصم أوروبية فعمل أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية فى جدة واسطنبول وروما وتونس عمل بوزارة الخارجية لعشر سنين تولى خلالها منصب مدير مكتب وزير الخارجية ثم سكرتيرا فى سفارة مصر بباريس ومستشارا بسفارة مصر بأنقرة ووزير مفوضية فى ليبيا وترك العمل.



واتجه للأدب، الذى توج فيه رائدا للقصة القصيرة، بفضل نشأته فى بيئة تعشق القراءة كما قال هو «والدتى وأبى وكذلك أخى الأكبر إبراهيم حينما كانت تظهر قصيدة لأحمد شوقى فى الصفحة الأولى من الأهرام، كان البيت يقف على رجل».



بدأ حقى فى السادسة عشرة من عمره كتابة القصة القصيرة وبعد تخرجه فى الجامعة نشرت له مجلة الفجر باكورة إنتاجه وتوالت القصص حتى صدرت له أول مجموعة قصصية بعنوان «دماء وطين» عام 1929 ثم توالت الأعمال. وقد منحته سنوات العمل الدبلوماسى فرصة القراءة والمعرفة، وتأثر تحديدا بالأدب الروسى والكاتب الأمريكى إدجار آلابو.



متعدد المواهب



السفير المفكر حسين أحمد أمين نجل المؤرخ الإسلامى الكبير د. أحمد أمين وشقيق المؤرخ الراحل وخبير الاقتصاد د. جلال أمين. كان بديهيا أن يتملك شغف الكتابة من وجدان حسين أمين بحكم نشأته فى كنف والده، وهو ما أكده شقيقه د. جلال أمين فى سيرته الذاتية «رحيق العمر» حين كتب يقول:»لقد تعرف أخى مبكرا إلى الأدب الإنجليزى فأخذ يقرأ فيه بشراهة، وكذلك ما تقع يده عليه من الأدب الفرنسى والروسى وكذلك الألمانى المترجم إلى الإنجليزية».



تخرج حسين أمين فى كلية الحقوق جامعة القاهرة 1953 وعمل محاميا ثم مذيعا بالإذاعة المصرية وكذلك بالقسم العربى بهيئة الإذاعة البريطانية. والتحق بالسلك الدبلوماسى المصرى وعمل فى عدة عواصم عربية وأجنبية. انتدب خلال عمله بوزارة الخارجية مستشارا فنيا لوزير الثقافة يوسف السباعى. كما أعير للعمل نائبا لمدير مركز الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة.



إلى جانب تلك المسيرة المتنوعة دبلوماسيا، فإن لحسين أحمد أمين إرثا مهما من المؤلفات منه «دليل المسلم الحزين» الذى نال جائزة أحسن كتاب فى معرض القاهرة للكتاب 1984، الاجتهاد فى الإسلام حق أم واجب، المائة الأعظم فى تاريخ الإسلام، فى بيت أحمد أمين.



وقد كان حسين أمين مهتما بالقضايا الإسلامية وكتب فى الكثير من القضايا الجدلية، واعتبر من أهم التنويريين الداعين إلى الفكر الوسطى فى الإسلام.




احتراف منذ الوهلة الأولى



السفير محمد توفيق الذى شغل عدة مناصب دبلوماسية آخرها سفير مصر لدى واشنطن حتى عام 2015، اهتم بالأدب فى سن مبكرة ونشر أول أعماله القصصية بعد فوزه بجائزة نادى القصة واستغرق بعد ذلك سبع سنوات لنشر أول كتبه عام 1995 وهى المجموعة القصصية «الفراشات البيضاء» وقدم بعدها 4 روايات ليلة فى حياة عبدالتواب توتو 1996، طفل شقى اسمه عنتر 2003، فتاة الحلوى 2010 وأخيرا همس العقرب 2021.



يقول السفير محمد توفيق: بدأت أكتب بانتظام فى مرحلة الجامعة حين كنت طالبا فى كلية الهندسة، ولم أفكر فى التفرغ للأدب لأن احترافه ليست فكرة عملية فى مجتمعاتنا،ولأن الاحتراف لا يرتبط بفكرة التكسب وإنما بدرجة التركيز والإبداع، فنجيب محفوظ مثلا لم يتفرغ للأدب إلا فى سن متقدمة لكنه كان أديبا محترفا منذ اليوم الأول.



وعلى الرغم من أن معظم الدبلوماسيين استهوتهم الكتابة عن تجاربهم مع العمل الدبلوماسى، فقد انجذب محمد توفيق نحو الرواية والقصة وإن ظلت تجربته فى العمل الدبلوماسى تلقى بظلالها بشكل أو بآخر على كتاباته، فيقول: مذكرات الدبلوماسيين مصدر مهم للتأريخ ودونها سنكون مضطرين للجوء إلى الوثائق الأجنبية التى تكتب بوجهة نظر أصحابها. وعن نفسى لم أقرر بعد كتابة مذكراتى، خصوصا وأننى كنت سفيرا لمصر فى الولايات المتحدة خلال الفترة من 2012 2015، وهى فترة حرجة للغاية ومازالت بعض المسائل حية لذا لم يحن الوقت بعد للكتابة عن تلك المرحلة.








ويؤكد السفير توفيق أن العمل الدبلوماسى أثرى رؤاه ومنحه المقدرة على تناول موضوعات كبرى مثل حركة التاريخ بصفة عامة وتأثيرها على الأشخاص وهى رؤية متأثرة بعمله الدبلوماسى، فضلا عن القدرة على الكتابة عن شخوص من ثقافات وأماكن مختلفة حول العالم، فروايته «همس العقرب» مستوحاة من رحلة صحراوية قام بها أحمد حسنين «قبل توليه رئاسة الديوان الملكى» مع المستكشفة الإنجليزية روزيتا فوريز عام 1920 للصحراء الغربية التى توصلا خلالها إلى واحة «الكفرة» فى ليبيا



يقول توفيق: لقد مكنتنى خبرتى الدبلوماسية من الكتابة عن تلك المستكشفة من واقع معرفتى بالثقافة الإنجليزية والتاريخ الإنجليزى، فقدمت بناء نفسيا متماسكا للشخصية.



يؤكد توفيق أنه يترجم أعماله بنفسه من وإلى الإنجليزية لأنه اكتشف أن قيام المؤلف بترجمة أعماله بنفسه يحافظ على روح العمل. وقد اكتشف أن الأعمال المترجمة بالإنجليزية تجد صدى واسعا لدى قطاع كبير من الشباب المصرى.



ثمرة العمر



كانت الكتابة والعمل الدبلوماسى شريكين لا ينفصلان فى حياة السفير السيد أمين شلبى، وإن آثر أن تنصب كتاباته على العلاقات الدولية وذكرياته فى العمل الدبلوماسى.



حصل على دكتوراة فى العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، والتحق بالعمل الدبلوماسى 1961. عمل فى سفارتى براج، بلجراد ووزيرا مفوضا لسفارتى مصر فى واشنطن، والنرويج



أصدر كتبا عن العلاقات الدولية والدبلوماسية وحاز جائزة الدولة للتفوق 2009.



سجل سيرته الذاتية فى كتاب «من الذاكرة الدبلوماسية» الذى قدم له السفير أحمد أبو الغيط، وتضمن الكتاب بانوراما عن التحولات العالمية والإقليمية التى عاصرها السفير شلبى فى أثناء عمله فى منطقة شرق أوروبا إبان الستينيات، ثم تجربته فى الولايات المتحدة الأمريكية فى أثناء رئاسة رونالد ريجان، وفى النرويج حيث كانت مداولات التوصل إلى اتفاقيات أوسلو.



يقول السفير السيد أمين شلبي: لقد توازت الحياة الدبلوماسية مع اهتماماتى الأدبية. وكلا المجالين أثرى الآخر،فاهتمامات الدبلوماسى الثقافية والفكرية تعمق أداءه الدبلوماسى وتفتح له آفاقا أوسع للعمل الدبلوماسى. وهناك نماذج عديدة كان تاريخهم الفكرى سر بروزهم فى العمل الدبلوماسى مثل هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى، ود. بطرس غالى.



ويقول: لقد قررت مع بلوغى سن الثمانين أن أسجل خبراتى وانطباعاتى وتجاربى مع الحياة فى مراحلها المختلفة منذ صباى الباكر وأن أقدم خلاصة تجاربى مع العديد من الشخصيات الفكرية والثقافية، حيث كنت مترددا فى بادئ الأمر فى تسجيل تلك التجربة لكنى تأثرت بتجارب سابقة منها تجربة الدبلوماسى داج همرشولد «والروائى هيرمان هسه وما سجلاه عن سيرتهما الروحية».