عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حرية صاخبة فوق سجادة حمراء!
26 أكتوبر 2021
سمير الشحات


احتدم النقاش بين الصاحبين حتى أوشك أن يستحيل إلى جدل، فشجار، فتشابك بالأيدى والرءوس والأقدام، ولولا مسارعة رواد المقهى إلى فَكِّ الاشتباك لتطايرت الصفعات والركلات (وربما البصقات!). كانت تلك هى المرّة الأولى بين الصديقين المحترميْن منذ تعارفهما التى يقع فيها هذا التهور الزائد على الحد. همس أحد الحاضرين: كان الله فى العون إن لتقدم السِّن أحكامًا. وما السبب يا تُري؟.. مجرد تبادل للرأى فى فستان مكشوف ورقصة فنان مع مضيفة على متن طائرة خاصة!



زعق الصاحب: بل هى رقاعة وتهتك وسوء أخلاق فأغلِقْ فمك على لسانك. أجاب (هو) وقد نفرت عروق عنقه غضبا وحنقا: لا.. بل هى مثال للحرية الشخصية فى أسمى معانيها.. وماذا تتوقع يا بنى آدم من فنانين يستمدون شرعية وجودهم من نشر الحريات؟.. ماذا تريدهم أن يرتدوا.. الجلباب الأسود والمناديل أُمّ (أويَا)؟.. صرخ الصاحب: فما رأيك فى ذاك الفنان الذى انخرط فى وصلة رقص مع المضيفة على متن طائرته الخاصة؟.. ثم هَبْ أنهما أرادا الترويح عن النفس قليلا فلماذا ينشر ذلك على (الإنستجرام).. هل تراها حرية شخصية أيضًا؟



ردّ هو: وما الجديد الذى أتى به صاحبنا؟.. أليست مهنته هى الفن والتمثيل والرقص والغناء لإسعاد الناس؟.. وهل تريدنا أن نلغى الفن من حياتنا مثلا؟.. ثم قل لي: ما الفرق بين الرقص على متن طائرة، أو فوق خشبة مسرح، أو فى ملهى ليلى (مُحترم !)، أو حتى بين عروسةٍ وعريسها فى حفل زفاف؟.. إن الرقص هو الرقص فى كل زمان ومكان.. ثم كيف تنسى أن أجدادنا الفراعين مارسوا الرقص فى معابدهم؟.. يا ابن الناس الطيبين أفِقْ وانتبِه وعِشْ زمنك. دمدم الصاحب: وهل رأينا من قبل فنانا يرقص فى داخل طائرة؟.. ضحِك هو قائلا: يا أفندينا.. إن الطائرات الخاصة للأثرياء هى قصور أحلامهم فليفعلوا بداخلها ما شاءوا (أو شاء لَهمُ الهوى)!



وضع فتى المقهى كوبَى الليمون والشيشة الجديدة أمامهما وهمس: يا بكوات (أنتم ما لكوش ألَّا بعض). ضحك الرجلان فانقشعت غيمة الكدر بينهما وتنفَّسا شيشيهما بهدوء ثم بدأ هو الكلام: تريد رأيي.. إن هذا الفنان لم يخطئ كما لم تخطئ فنانات المهرجانات بفساتينهن الملعلطة وعِندى حُججي. قال الصاحب: هيا زِدنى عِلمًا يا عاشق الفنون والآداب. قال هو: اسمع.. إن كلّا مِنّا فى هذه الأيام (يتحنجل) بطريقته لأكل العيش.. وكما تعلم فإن أول الرقص (حَنجَلة).. ولا يهم إن كنت ترقص فوق سجادة حمراء، أو على وقع موسيقى الثراء والبُلَهنية، أوعلى نغمات موسيقى الشقاء والمعاناة، أو إن كنت ترقص بالجلباب البلدى أو بـ (الإسْموكِن).. المهم أننا كلنا نرقص والسلام فكلنا إذن يا صاحبى فى الرقص سواء..!



هنالك ألقى الصاحب خرطوم الشيشة بعنف ثم صرخ: واللهِ ما هذا الذى نطقتَ به إلا وسوسات الشياطين وحجج المُتهتكين الضائعين. أنصِت لي.. أنت قُلتَ حُجّتك فدعنى أطرح حُججي. نحن يا (عبد شهواتك) ناس محترمون.. لنا عاداتنا وتقاليدنا.. وإن كنا نريد الحرية بحق وحقيق فلتكن حرية منضبطة ملتزمة وليست تلك الحرية الجريئة الصاخبة العرجاء التى تهدم ولا تبني. قال هو: وهل يمكن اختزال الحرية يا فالح فى مجرد فستان بلا بطانة أو فى باروكة شعر براقة ؟.. إن للحرية معانى أعمق من هذا وأشمل فأرجوك لا تترك الأصل وتمسك بالفرع!



صاح الصاحب: أرجوك توقف عن ألاعيبك هذه ولا تحاول كلفتتى أو بلشفتى أوالتمويه على فكرتى الأساسية. إننى بصراحة ضد هذا النوع من الفساتين المبهرجة التى تثير الشهوات، خاصة ونحن يا باشا لنا عيال فى (السِّنِ الخطرة). ضحك هو حتى اهتزت صينية المشروبات بأكوابها وهمس: عيال مَنْ يا أبا العِيال.. إنهم يرون فى (لاب توباتهم) مالا عين لك رأت ولا خطر على قلبك أو قلبى .. فصحصح صحصح يا عم الحاج. صرخ الصاحب: وَلَوْ!



أطبق هو جفنيه فوق مقلتيه وسحب حسوة من الليمون باستمتاع فقفزت فى رأسه الفكرة المجنونة. سأل صاحبه بخبث: كُن صريحا معى .. ألم تنظر فى موبايلك، فتتفرّس، فتتمعن، فى تلك الفساتين؟ ألم يوسوس لك شيطانك الرجيم بالمقارنة بين الفنانات أيُّهُن أكثر أناقة (وحلاوة) وأيّهُن الأقل؟ يا رجل يا (نِمْس).. ألم تتمنى بداخلك لو أنك كنت أنت أيضا مرتديًا بدلة أنيقة، وبصحبتك ( المدام) تتبختر فى فستان حلو برّاق (لكن محتشم !) تتهاديان معا فوق السجادة النارية اللاهبة والناس من حولكما فاتحو أفواههم من شدة الإعجاب؟.. عندئذٍ كاد الصاحب أن يسقط من حدة الضحك ونطق من بين دموعه: وهل من الضرورى يعنى أن تكون معى (المدام)؟.