عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
بعد غياب 3 آلاف عام.. ما هو «عيد الأوبت» الذى تعيده «احتفالية الكباش»؟
25 أكتوبر 2021
الأقصر ــ رانيا عبدالعاطى


تستعد الأقصر لافتتاح طريق الكباش، من خلال احتفالية ستشهد إحياء طقوس «عيد الأوبت»، الذى كان يتم الاحتفال به فى مصر القديمة. وبذلك تكون هذه المرة الأولى التى تشهد فيها الأقصر إحياء «عيد الأوبت» بعد غياب أكثر من ثلاثة آلاف عام .



سر «عيد الأوبت»



يوضح الدكتور مصطفى الصغير، مدير آثار الكرنك ومدير مشروع طريق الكباش، أن «عيد الأوبت»، أو كما كان يطلق عليه المصرى القديم: «حب – نفر – إن – إبت»، وتعنى «الأوبت الجميل»، هو أحد الاحتفالات الخاصة بمدينة طيبة القديمة. ويكمل قائلا: « كان البطل الرئيسى لهذا الاحتفال هو الإله آمون، ويرمز الاحتفال إلى استعادة ذكرى الزواج المقدس بين الإله (آمون) والألهة (أمونيت)، وهى التى تمثل الصورة الأنثوية للإله آمون. وكان يتم الاحتفال بعيد الأوبت، بعد انتهاء موسم الحصاد، فيما يعادل الفترة من شهر سبتمبر إلى شهر نوفمبر، وفقا للتقويم الحالى».



وحسب تصريحات د. مصطفى الصغير لـ«الأهرام»، فإن هذه الفترة كانت تشهد انتقال الإله آمون من مقر إقامته فى «معبد الكرنك» إلى «معبد الأقصر»، فى موكب احتفالى مهيب بمشاركة مختلف طوائف الشعب، ويتم خلاله استعراض خيرات الحصاد.



وقد بدأ الاحتفال بـ «عيد الأوبت»، وفقا للنصوص المصرية القديمة، فى عهد الأسرة الـ 18 بحقبة «الدولة الحديثة»، واستمر الاحتفال به حتى نهاية العصور المصرية القديمة. ومن أجل هذا الاحتفال تحديدا، قام الملك نختنبو الأول، مؤسس الأسرة المصرية الحاكمة الأخيرة، بتشييد تماثيل أبو الهول فى طريق المواكب الكبرى، التى كان يتم استخدامها لمرور المواكب الاحتفالية بين معبدى الأقصر والكرنك، والمشهور حاليا بمسمى «طريق الكباش». وتتوافر الأدلة على استمرار الاحتفال بـ «عيد الأوبت» حتى العصر البطلمى.



تفاصيل الاحتفال



تبدأ الاحتفالات من «قدس الأقداس» بمعبد الكرنك، حيث يوجد تمثال الإله آمون. وهناك يقوم الملك بتقديم الصلوات أمام الإله، ليتم وضع التمثال فى الزورق المقدس الذى يطلق عليه «أوسر حات»، والمميز بوجود «رأس كبش» فى مقدمة ومؤخرة الزورق. ويتم إخفاء التمثال عن الأعين خلال الموكب، احتراما لقدسيته وفقا للمعتقد المصرى القديم.



يخرج الكهنة حليقى الرءوس حاملين الزورق على أكتافهم من قدس أقداس معبد الكرنك، وذلك عبر طريقين رئيسيين، فإما عبر طريق نهر النيل، أو عن طريق المواكب الكبرى بريا. ويصاحب الزورق الخاص بالمعبود آمون، زورق المعبودة موت، والمعبود خنسو، وهم أعضاء الثالوث المقدس لمدينة طيبة. وفى بعض الأحيان، يصاحبهم زورق الملك.



ويتقدم المشهد كهنة يرتدون عباءات من جلد الفهد، ويسيرون بمحاذاة كل زورق، لتلبية احتياجات الألهة. وأمام كل زورق يظهر كاهن يحرق البخور وكاهن آخر يرش الحليب. ويعلن نافخو الأبواق انطلاق الموكب، الذى يتقدمه رجل فى لباس عسكرى ينشد ترنيمة تمجد أمون رع.



وعلى طول مسار الرحلة، تقام الاحتفالات بمشاركة الجنود على عرباتهم الحربية، ومعهم حملة الأعلام والشعارات الملكية والموسيقيون وعازفو الأبواق والطبول والراقصون. وكل ذلك بمشاركة الجماهير من أبناء الشعب. تصل الاحتفالات ذروتها بالاقتراب من ميناء «معبد الأقصر»، فتبدأ مراسم ذبح الأضاحى، التى يتم تقديمها كقرابين للألهة، وتوزيعها على المشاركين فى الاحتفال.



وبعد تباطؤ مقصود قبل الدخول إلى قلب «معبد الأقصر»، يدخل الموكب إلى «قدس أقداس» المعبد، ليستقر تمثال آمون هناك. وتستمر الاحتفالات طوال مدة إقامة الإله أمون والثالوث المقدس بمعبد الأقصر. ففى عهد الأسرة الـ 18، كانت الاحتفالات تتواصل 11 يوما، وزادت المدة حتى 27 يوما فى عهد الأسرة العشرين. وفى بعض الأحيان، كان الموكب يتخذ الطريق البرى الممتد من «معبد الكرنك» وحتى «معبد الأقصر» بطول 2700 متر، والمتميز بانتشار 1200 تمثال لأبو الهول، برأس إنسان وجسم أسد. وكان يتم ترجيح الطريق البرى وقت انخفاض منسوب النيل.



أخبار العيد



أما عن المصادر التى ساعدت فى نقل أخبار «عيد الأوبت» للأجيال التالية، فيوضح الباحث الأثرى الدكتور فرانسيس أمين، أن المصدر الرئيسى هو الجداران الشرقى والغربى ببهو الأعمدة العظيم بمعبد الأقصر، ويعودان إلى عهد الملك توت عنخ آمون. ويشرح الجداران تفاصيل الاحتفال بـ «عيد الأوبت». ويضاف إلى ذلك بعض النقوش التى تم العثور عليها فى «معبد الإله خنسو» بمنطقة معابد الكرنك. وكذلك بعض المشاهد التى سجلها فنانو الملكة حتشبسوت بالمقصورة الحمراء بمعابد الكرنك. ويضاف إلى ذلك بعض رسومات بـ «معبد الرامسيوم»، ومعبد مدينة هابو. وكذلك بعض الكتابات والمناظر فى مقابر النبلاء بالبر الغربى. ووثقت النقوش بصالة الأعمدة بمعبد الأقصر، والتى شيدها الملك أمنحتب الثالث، مسيرة احتفالات «الأوبت».



فتم تصوير الاحتفالات فى خمسة مشاهد رئيسية، المشهد الأول يصور الملك داخل « معبد الكرنك»، وهو يحرق البخور ويصب شراب القربان أمام قوارب ثالوث طيبة. ويصور المشهد الثانى، زوارق ثالوث طيبة محمولة من معبد الكرنك إلى النهر.أما المشهد الثالث، فيظهر به الموكب النهرى لـ «عيد الأوبت»، مبحرا إلى معبد الأقصر. ويصف المشهد الرابع، لحظة الوصول إلى معبد الأقصر. وهناك يبدأ المشهد الخامس، بانطلاق طقوس احتفالات العيد.



في انتظار «أنشودة آمون»



لن تعيد احتفالية «طريق الكباش» ذكرى «عيد الأوبت» فحسب، بل ستعيد أيضا تعريف الوعى المصرى بأنشودة «آمون» التى ينتظر التغنى بها خلال احتفالية «الكباش» فى إحياء لتقاليد التغنى بها خلال «عيد الأوبت».



وتقول كلمات الأنشودة العتيقة: «عندما تكون بالزورق مهيب المقدمة، إنك تبدو جميلا يا آمون رع. والكل يمجدك، لأن البلاد كلها فى عيد ابنك البكر أول من أنجبت يجدف، ويبحر بك قدما إلى حيث يوجد أوبت، فياليتك تمنحه الخلود فى موقعك ملكا للارضين، وأن يكون هو ويبقى للابد فى سلام، وياليتك تنعم عليه بحياة استقرار وسيادة تقره حاكم مصر. وياليتك تكافئه بملايين لا تحصى من الأعياد، فهو ابنك الحبيب الذى أجلسته على العرش».