عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الصين تسهم بحكمة فى علاج «سرطان الأرض»
18 أكتوبر 2021


التصحر مشكلة بيئية عالمية كبرى تؤثر على بقاء الإنسان، لذلك يُعرف أيضا باسم «سرطان الأرض»، وتعتبر الصين من دول العالم التى بها مساحات صحراوية كبيرة، وتعانى ماطق واسعة فيها من خطر التصحر، وهناك عدد كبير من المتضررين، وعواصف رملية شديدة، ما جعلها تولى أهمية كبيرة لمنع الرمال والسيطرة عليها.



ففى السنوات الأخيرة، تواصل الصين تعزيز التحكم فى الرمال، وفقا للقانون والعلوم والتكنولوجيا وهندسة التحكم فى الرمال، وتحقيق الترويج المتبادل والفوز المشترك بالفوائد البيئية والفوائد الاقتصادية والفوائد الاجتماعية.



تعد صحراء كوبوتشى الواقعة شمال مدينة أوردوس فى منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم سابع أكبر صحراء فى الصين، وكانت تعتبر فى يوم من الأيام «بحر الموت» ولا يمكن السيطرة عليها، وفى الوقت الحاضر، تحول ما يقرب من ثلث الصحارى من «تقدم الرمال وتراجع السكان» إلى «تقدم أخضر وتراجع للرمال»، وتمت استعادة التنوع البيولوجى تدريجيا، وتحسنت البيئة بشكل كبير، وتحسنت حالة الطقس الرملى والغبارى الإقليمى بنسبة 95٪ مقارنة مع الـ20 عاما السابقة.



«ما رأيته من مشهد التخضير بأم عينى جعلنى أشعر بالدهشة: تجربة صحراء كوبوتشى الناجحة فى التحكم فى الرمال تستحق التعلم».. هذا ما قاله زار بازاردورجي، الباحث فى معهد العلاقات الدولية التابع للأكاديمية المنغولية للعلوم بمنغوليا الداخلية وخبى وتشجيانغ وأماكن أخرى فى يونيو 2019، وكتب مقالا تم نشره فى الصحف المنغولية لتعريف المواطنين بتجربة الصين الناجحة فى مكافحة التصحر، وذلك بأخذ الأراضى الرملية مثل كوبوتشي، ومووس، وهونشانداكى كأمثلة. «هذه خطة كبيرة لا يمكن تصورها، وهى نتيجة سنوات من العمل الجاد على أساس البحث العلمي، والأهم أن هذا قرار صحيح للدولة، وهو نتيجة التنسيق الجيد والجهود المشتركة للحكومة والمؤسسات والأفراد».



أكثر من كوبوتشى على أراضى الصين، تحدث مثل هذه التطورات الكبيرة فى أجزاء كثيرة من المنطقة الرملية، ونرى على خريطة صور الاستشعار عن بعد، أن اللون الأخضر فى الرمال الصفراء لشمال الصين يربط قطعة تلو الأخرى مقارنة مع نقطة واحدة فى الماضي، ويُظهر «التقييم العالمى لموارد الغابات» لعام 2020، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أن آسيا سجلت فى السنوات العشر الماضية أعلى صافى مكاسب فى مساحة الغابات، من بينها، فإن متوسط الزيادة السنوية الصافية فى مساحة الغابات فى الصين هو الأكبر، وقال المسؤول عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة: «إن الصين تولى أهمية كبيرة لحماية موارد الغابات. وفى الوقت الحالي، بلغت مساحة الغابات فى الصين 220 مليون هكتار، وتمثل 5٪ من مساحة الغابات العالمية».



نفذت الصين لعقود من الزمان، مشاريع بيئية رئيسية تباعا، مثل إعادة الأراضى الزراعية إلى الغابات والمراعي، وبناء برنامج الحزام الغابى للمناطق الشمالية الثلاثة، والسيطرة على مصدر العواصف الرملية فى بكين وتيانجين، والسيطرة الشاملة على التصحر الصخري، وإنشاء مناطق الحماية الممنوعة فى الأراضى الرملية والمتنزهات الصحراوية الوطنية. كما تم التوقيع على «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، وإصدار وتنفيذ «قانون منع ومكافحة التصحر»، وبناء حاجز أخضر على المستوى القانوني، وفى الوقت نفسه، شارك عدد كبير من الشركات الرائدة والأشخاص النموذجيون فى التحكم فى الرمال بنشاط، واتخذ الجمهور العام إجراءات متحمسة، مما أدى إلى توقف الامتداد الأصفر والكثبان الرملية.



وقد علق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: اتخذت الصين زمام المبادرة فى تحقيق «نمو صفري» فى تدهور الأراضي، و»خفض مزدوج» فى مساحة الأراضى القاحلة والأراضى المتصحرة، مما ساهم بشكل كبير فى التحقيق العالمى لأحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية 2030 المتمثل فى تحقيق «نمو صفري» فى تدهور الأراضي.



تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من مليارى شخص فى 167 دولة ومنطقة مهددون بالتصحر، وفى السنوات الأخيرة، تم تعزيز التبادلات والتعاون فى مجال منع التصحر ومكافحته فى البلدان والمناطق الواقعة على طول «الحزام والطريق»، كما تم تعزيز التقنيات المتقدمة ونماذج الحوكمة الصينية لمنع التصحر ومكافحته، وفى ديسمبر 2019، تم افتتاح أول مركز دولى لإدارة المعرفة لمنع التصحر ومكافحته فى العالم، والذى وقعته الصين وأمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر وشاركت فى بنائهما، فى نينغشيا، وعقدت الدورة التدريبية الدولية الأولى، وشارك فيها 21 طالبا دوليا من 15 دولة، ولا تدخر الصين أى جهد لمساعدة البلدان النامية المتضررة من التصحر على تعزيز قدراتها الإدارية، وإرساء أساس متين للتنمية، والشروع بشكل مشترك فى مسار التنمية الخضراء.



السيطرة على الرمال قضية بقاء، وكذلك قضية تنمية، والهدف النهائى هو تمكين الناس فى المناطق الصحراوية من العيش حياة كريمة، وتتوزع المناطق الرملية فى الصين ومناطق التصحر الصخرى فى ما يقرب من ثلثى المقاطعات الفقيرة، ويسكنها ما يقرب من 80٪ من السكان الفقراء، وإنها ليست مجالا رئيسيا للبناء البيئى فحسب، ولكنها أيضا ساحة المعركة الرئيسية للتخفيف من حدة الفقر، وقد قدمت الصين الحكمة والحلول فى علاج «أمراض الأرض الشديدة» فى العالم، حيث أنشأت آلية تعاون تتمثل فى «دعم السياسات الحكومية، والاستثمار الصناعى من قبل الشركات، ومشاركة المزارعين والرعاة فى السوق، والابتكار التكنولوجى المستمر»، وشرعت فى مسار التنمية المستدامة التى يكون فيها الاستثمار مربحا، ويكون للمزارعين دخلا، وتكون البيئة مضمونة.



«مفهوم كوبوتشى للجمع بين التخفيف من حدة الفقر وحماية البيئة له تأثير تجريبى جيد لدول جنوب شرق آسيا»، ويأمل عضو البرلمان الكمبودى تسوكون فى تقديم مفهوم الصين لتخفيف حدة الفقر من خلال حماية البيئة إلى كمبوديا وتطبيقه وفقا للظروف المحلية. و»إن تحسين البيئة لا يؤدى إلى زيادة إنتاج الأرض من الغذاء فحسب، بل يساعد الناس على التخلص من الفقر».