عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الهجرة وحقوق الإنسان.. رؤية مصرية جريئة
15 أكتوبر 2021
بقلم ــ عـــلاء ثابت


فاجأنى الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته الناجحة إلى المجر الإثنين الماضى لحضور قمة دول تجمع «فيشجراد» التى تضم المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا، عندما ترك النص المكتوب ليتحدث بصراحة وعمق عن قضايا حقوق الإنسان، واستعراضه للمفهوم الأوسع والأشمل لقضية حقوق الإنسان، والتى تختزلها دول كثيرة فى حيز ضيق، وأعتقد أن قادة الدول الأوروبية لم تسمع من قبل مثل هذا الكلام الذى قاله الرئيس بكل هذا الوضوح والجرأة خلال مؤتمر صحفى من قلب أوروبا، فقال الرئيس «اسمحوا لى أن أتكلم وأخرج عن سياق الكلام المكتوب، وأن أٌقول خلال المؤتمر الصحفى رؤيتي، والمؤكد أن أصدقاءنا الأوروبيين يسمعونها، فقضية الهجرة الشرعية تعكس شكلا من أشكال حقوق الإنسان المفقودة فى منطقتنا، لكن من منظور مختلف، وليس فقط منظور حرية التعبير عن الرأى والممارسة السياسية، فهناك حقوق كثيرة جدا لم تتوافر بعد فى منطقتنا».



فى هذه الفقرة من كلمة الرئيس غير المكتوبة أراد أن يوضح أكثر من جانب مهم فى مقاربته لقضايا حقوق الإنسان، وفى مقدمتها الأولويات، فما تعانيه الدول الفقيرة التى لا تتوافر فيها مياه الشرب النقية، أو الحد الأدنى من خدمات الصحة والتعليم، ولا السكن المناسب، ولا الطعام الكافي، سيكون من المجحف أن نتجاهل تلك الأولويات المهمة جدا لأهم حقوق الإنسان، وهو حق الإنسان فى الحياة، ونختزل حقوق الإنسان فى حق التعبير والتظاهر والإضراب، والرئيس لا يتنكر لهذه الحقوق، إنما يلفت الأنظار فى قلب أوروبا إلى باقى الحقوق الأكثر أهمية، وهى حقوق ضرورية لا يمكن القفز عليها، وبدونها لن تكون لحياة الإنسان معنى أو قيمة.



ثم يكمل الرئيس رؤيته ويقول « هل الدول الأوروبية مستعدة لأن تساهم وتشارك مع هذه الدول لتحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية والثقافية حتى نصل إلى مقاربة مختلفة لفهم أشمل يخص حقوق الإنسان، التى دائما ما تكون موضع جدل بيننا؟»



هنا ينتقل الرئيس إلى المسئولية الجماعية لبلدان العالم الغنية والفقيرة، منطلقا من جذور القضية، وهى التفاوت الكبير والتاريخى بين البلدان الغنية والفقيرة، فقد مرت الدول الأوروبية بتاريخ ووضع مختلف ومغاير لما مرت به بلدان كثيرة، فالبلدان الأوروبية كانت تحتل معظم الدول الفقيرة، وتحصل منها على ثروات ضخمة، وتطورت بسرعة وتجاوزت مرحلة الحاجة إلى الضروريات الأساسية للحياة، وقطعت أشواطا كبيرة فى التقدم الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والثقافي، لكنها تتجاهل هذا التفاوت وتضع معاييرها الخاصة، وتعتقد أنها صالحة لكل بلدان العالم، دون أن تقدم لتلك الدول يد العون فى الخروج من أزماتها، وتوفير احتياجات شعوبها الأساسية.



ثم يتابع الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاربته الأشمل، ويقول « أنا لا أرفض مناقشة هذا الموضوع، وأن نتكلم فيه، لكن من أى مقاربة؟ من مقاربة توفير حياة كريمة لمائة مليون مصري؟».



وينتقل الرئيس بذكاء وبراعة ليربط بين الغاية من الزيارة واستثمارها لتحقيق مصلحة مصر، ويقول: «هل أنتم مستعدون كأصدقاء أوروبيين ودول مهتمة بحقوق الإنسان أن توفروا لنا ذلك؟ مستعدون لتوفير توءمة لجامعات مصرية مع جامعاتكم المتقدمة، لتقديم نوع من التعليم الجيد الذى يناسب متطلبات العصر؟ هل أنتم مستعدون لنقل جزء من الصناعة لبلدنا، حتى نوفر فرص عمل لأكثر من 65 % من شعبنا من الشباب؟ هل أنتم مستعدون أن تعملوا هذا؟»






ويضع الرئيس الدول الأوروبية فى حرج، برؤيتها لجانب أحادى ومجتزأ لتلك القضايا، ويسألها: « هل مطلوب من القيادة السياسية فى دولنا أن توفر المعايير وفقا لتصوراتكم؟ ويكمل « أنا أتصور أننا محتاجون شكلا أعمق للنقاش والحوار فيما بيننا».



لقد وجدت الرئيس السيسى يلقى بالكرة فى ملعب البلدان الأوروبية بكل احترافية وهدوء، ويسعى لتصويب الرؤية المبتسرة لتلك الدول، التى تضع العربة أمام الحصان، ويضعها أمام مسئولياتها بوصفها جزءا من المشكلة.



ويطرح الرئيس السيسى رؤيته الأشمل لحل الأزمة التى تؤرق دول أوروبا حول أزمة الهجرة غير الشرعية، ويبدأ من الخطوة الأساسية والركيزة الضرورية لحل الأزمة، والتى تبدأ بعودة الاستقرار للدول المصدرة للمهاجرين، ويقدم العلاج الأمثل بأن تتمتع تلك الدول بالأمن والاستقرار وتبنى بلدانها، وتحقق معدلات تنمية جيدة، حتى لا يفكر شبابها فى الهجرة، والمخاطرة بحياتهم، وركوب القوارب لعبور البحر، ويتعرض عشرات الآلاف منهم للموت غرقا، ويؤكد أن مصر ليست مع خروج أى قارب لمهاجرين غير شرعيين من سواحلها، ولا تسمح لأن يلقى الناس بأنفسهم فى البحر، فهذه قضية إنسانية وأخلاقية، وحل تلك القضية يجب أن يقوم على أسس إنسانية، ترتكز على البعد التنموي.



وطرح الرئيس التجربة المصرية فى الارتقاء بالريف المصري، والتى تعطى نموذجا للتنمية الشاملة، وتقضى على جذور الهجرة من الريف إلى المدينة، وتفاقم المشكلات فى المدن، وتجعلها مليئة بالعشوائيات، وهو طرح يمثل نموذجا لعمليات هجرة ونزوح من البلدان الفقيرة إلى البلدان الأوروبية، ويقدم بالتجربة السبيل الأفضل لحلها.



لقد أدهشتنى الطريقة التى عرض بها الرئيس أهم المشاكل التى تواجه أوروبا، وكيف أن انتقاداته للرؤية الأوروبية كانت هادئة ومنطقية، ولم تتعارض مع أهدافه من الزيارة، بل على العكس فقد جعلت تلك الدول تدرك أن تقديمها للعون وتعزيز الاستثمارات الصناعية والسياحية يحقق مصلحتها مثلما يحقق مصالحنا، ويجعلها أكثر حماسا لعقد المزيد من اتفاقيات الشراكة والاستثمار، وأن مطلب الرئيس لأوروبا بأن تمد يد العون لبلداننا إنما يحقق مصلحتها، وأن الشراكة هى السبيل الوحيد لحل القضايا التى يعانى منها الجميع.



وقد جرى توقيع العديد من الاتفاقيات المهمة بين مصر والمجر فى مختلف المجالات، وعلى رأسها الصناعة والسياحة والتعليم والتكنولوجيا، ودعا رئيس وزراء المجر للمشاركة فى حفل افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، ليشهد مع العالم كله ما قطعته مصر من خطوات واسعة فى مجالات التنمية الشاملة خلال فترة وجيزة رغم جميع الصعوبات التى مرت بها، وأن مصر مهيأة لقفزات نوعية بما حققته من نهوض فى البنية الأساسية، بما يشجع على استقبال استثمارات ضخمة، تحقق النماء والرخاء للجميع.