بين شعور الصدمة والترقب والعزلة... تفاوت موقف الملايين من المستخدمين من تعطل خدمات الفيسبوك ، وهو ما يضيف بعدا تقنيا أخر لأزمات باتت تلاحق الشركة فى الفترة الأخيرة، وزاد من وطأتها ارتباط الخوادم المتعطلة بعمل تطبيقات الواتساب والانستجرام، وهو الامر الذى تسبب فى ضخامة عدد المتأثرين عبر الحدود مع طول مدة الانقطاع لست ساعات، وكشفت الازمة عن الدور الذى تلعبه تطبيقات التواصل الاجتماعى فى نمط حياة الانسان من جهة، ومدى الثقة فى اجراءات الامن السيبرانى الذى تتبعها الشركة من جهة أخرى فى مقابل توسعها غير المسبوق فى السوق العالمية.
وكان لذلك تداعيات مختلفة فقد تلقت باقى الشركات التى تعتمد على خدمات الفيسبوك خسائر مالية تتعلق بتوقف نشاطها فى مجال الأعمال التجارية او الإعلانات او التسويق الرقمي، وعانى الافراد من توقف الحصول على المنتجات او الخدمات اوالاتصالات مع الاخرين، او بالخوف حول مصير بياناتهم الشخصية،وفيما يتعلق بالحكومات حدث الانقطاع بين المستخدمين والصفحات الرسمية بما تسبب فى إلحاق أضرار سياسية وإعلامية .
ويطرح ذلك أهمية دراسة الأزمة والاستفادة منها من قبل الشركات والمستخدمين والدول على حد سواء، وذلك بغية العمل على بناء بيئة رقمية آمنة ومرنة، والتى يجب ان تكون مرتكزة على فهم طبيعة التهديدات، والقدرة على إدارة الإخطار من خلال معرفة ما يمكن القيام به بشكل استباقى.
ان تركيز مفهوم الامن السيبرانى فقط على الحماية من خلال مثلت الامن المتكون من اهداف الثقة والنزاهة والتوافر، ومثلث الامن هذا اصبح يحتاج الى اضافة عنصر «المرونة» «Resilience»، ويعنى القدرة على الاستشعار والاستعداد الوقائى لمواجهة التهديدات السيبرانية والقدرة على التعافى السريع من آثارها فى وقت مناسب،وتمر عملية «المرونة السيبرانية» بخمس مراحل هى اكتشاف الخطر، والحماية منه، والردع، والاستجابة، ثم التعافى.
وعلى الرغم من المتوقع ان تستمر شركة الفيسبوك على عرش الشبكات الاجتماعية لما تتميز به من نموذج اعمال قابل للتطويرالى جانب القدرات التقنية والمالية الهائلة الا انها ما زالت حبيسة الطابع الاحتكارى لتقديم الخدمة واثر ذلك السلبى على تأمين الخدمات، وان الاتجاه من قبل الشركة نحو التوسع فى السوق والاستحواذ على التطبيقات جاء على حساب الاهتمام بمعايير المرونة السيبرانية وهو ما ظهر فى اطالة ازمة التوقف وزيادة الخسائر المالية.
الى جانب افتقاد الافراد من المتلقين للخدمة كذلك للمرونة التى تمكنهم من قبول البدائل ،والاحتفاط بنسخة من صفحاتهم الشخصية وهى خدمة توفرها شركة الفيسبوك، واهمية ان تعتمد الشركات على البدائل من المنصات الرقمية سواء المتعلقة بالشبكات الاجتماعية أو بأهمية دور الموقع الالكترونى وتطبيقات الهواتف الذكية .
ولا يمنع ذلك الوضع من بروز شبكات اجتماعية اخرى بديلة اما على المستوى الوطنى أو الاقليمى، وبخاصة مع تصاعد اهمية البيانات الشخصية وممارسة السيادة الوطنية على مراكز البيانات والسعى الى تعددية سوق الشبكات الاجتماعية، ويقدم نموذج جنوب شرق اسيا وفى الصين وروسيا نماذج ناجحة للشبكات الوطنية والتى نجح بعضها بالخروج الى العالمية، وقد لعبت طبيعة الثقافة السائدة هناك دورا كبيرا فى نجاحها وتعزيز دورها فى مجال التنمية .
وذلك مع تصاعد دور الرقمنة فى عمل وتكامل سلاسل التوريد العالمية، ووجود البرمجيات مفتوحة المصدر او الطابع العابر للحدود للمكونات التقنية او البرامج ووجود أطراف ثالثة لتقديم وظائف وخدمات مهمة.، وتصاعد اهمية الاقتصاد الرقمى فى تحقيق اهداف التنمية المستدامة فى ظل تبنى تطبيقات إنترنت الأشياء (IoT)والذكاء الاصطناعي.
وتتطلب مواجهة التهديدات السيبرانية وجود نظام مرن وآمن للأفراد والشركات والحكومات ولايمكن الحصول على ذلك بدون تنبى استراتيجيات وطنية للمرونة السيبرانبة ورفع كفاءة التعامل مع الأزمات والأحداث السيبرانية وإدارة المخاطر وتنمية القدرات الاستباقية للتعامل مع التهديدات السيبرانية،ودعم ثقافة المرونة السيبرانية ويأتى هذا مع زيادة الوعى بالأمن السيبرانى بين صانعى القرار مع الزيادة المطردة فى التهديدات . ويدفع الاعتماد المتزايد على الخدمات الرقمية من مصادر عبر الحدود الى ضرورة امتلاك القدرات التقنية والمالية والموارد البشرية فى مجال الاستثمار فى توفير بدائل وطنية سواء فى مجال التطبيقات اوالصناعات التقنية والعمل على تطوير شبكة انترنت محلية والبنية التحتية، وتجدر الاشارة الى ان نجاح شبكة تواصل عربية او منصة وطنية ، تحتاج لدعم من الحكومات والقطاع الخاص، مع وجود سوق ضخم من مستخدمى الانترنت العرب والذى يمكن ان يشكلوا قاعدة لبناء شبكة تواصل اجتماعية تساهم فى جنى فوائد اقتصادية وامنية وثقافية واستراتيجية.
والاهمية من ذلك ثقافة المستخدم والذى يمكن ان يفضل البديل الوطنى عن الخارجى مع توافر القدرات التقنية والخدمية، والعلمية،واهمية وعى المواطن كركيزة للخروج من حالة الاستهلاك الى الانتاج ومن حالة الاستغلال الى التمكين ومن حالة التبعية الى الدور والمكانة فى العصر الرقمى.