بالتطوع والتعاقد بالحصة والموجهين.. مسكنات عجز المدرسين لا تكفى..
نقيب المعلمين: لا تعليم بلا معلمين.. ووجود عجز يصل إلى 350 ألف مدرس يهدد المنظومة الجديدة
-
الوزارة:نستخدم الوسائل المتاحة نتيجة توقف التكليف والتوظيف وعمليات إحلال المعلمين
-
الخريجون:شعورنا بالاستقرار المادى والمهنى سينعكس على تفاعلنا مع الطلاب
-
الخبراء :الحل المطروح إيجابى تحكمه موارد الدولة واقتراح باختيار أكفأ الخريجين التربويين
ما فعلته وزارة التربية والتعليم بإعلانها فتح الباب أمام سد العجز فى أعداد المعلمين يستحق التوقف ورصد ما يتعلق بتبعاته وما يترتب عليه خصوصا أنه لم يتبق على بدء العام الدراسى سوى أيام قليلة.. الأبواب المفتوحة أمام سد العجز تشتمل على ثلاث طرق اعتمدتها الوزارة لتحقيق هدفها.. أولاها (التطوع المجانى) للعمل كمساعدين للمعلمين.. والثانية (نظام الحصة) بأجر 20 جنيها.. والثالثة عن طريق «الموجهين» فى
الحالات القصوى. فور الإعلان تباينت الآراء بين مرحب بمحاولة سد العجز أيا كانت الوسيلة المتاحة وبين من يرون أن (التثبيت) أكثر ضمانا لاستقرار العملية التعليمية وتحقيق أهدافها.. وبعيدا عن المرحلة التى وصلت إليها الأبواب الثلاثة ترصد «تحقيقات الأهرام» آراء ووجهات نظر الخبراء والمسئولين وأولياء الأمور وبعض الخريجين المستهدفين بتحرك وزارة التعليم لسد العجز.
فى البداية، نتوقف أمام الكتاب الدورى لوزارة التربية والتعليم ــ الذى أرسلته لجميع المديريات التعليمية ــ متضمنا ضوابط فتح باب (التطوع) للعمل بالمدارس من حملة المؤهلات العليا التربوية، والذى تضمن أن عمل المتطوع سينحصر فى مساعدة المعلمين وتنفيذ المهام التى يتم تكليفهم بها من خلال مشرف المادة، وأن يكون التطوع بمدارس لا يوجد بها طلاب مقيدون لهم صلة قرابة بالمتطوع حتى الدرجة الثانية.
أما العمل بـ (نظام الحصة) فقد اشترطت ــ بالإضافة للضوابط السابقة ــ أن يكون التخصص متناسبا مع المادة التى تعانى عجزا، وألا تتجاوز قيمة الحصة عشرين جنيها، وألا يزيد عددها على 24 حصة أسبوعيا مع اشتراط عدم المطالبة بالتعيين مستقبلا.
ولم يتضمن الكتاب الدورى رقما محددا للعجز فى أعداد المعلمين رغم أن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ذكر أنه يتجاوز ربع مليون معلم، وهو رقم ضخم للغاية، وأن المشكلة ليست وليدة اليوم بل هى متراكمة عبر الزمن وتفاقمت بشدة فى السنوات الأخيرة، وأرجع أسبابها إلى إلغاء (التكليف) الذى كان مقررا أمام خريجى كليات التربية، ووقف (التعيين) بالجهاز الإدارى للدولة، حيث يمثل العاملون بالتربية والتعليم جزءا كبيرا منه، وتوقف عمليات إحلال وتعويض عشرات الآلاف من المعلمين الذين يخرجون من الخدمة لمرض أو وفاة أو للإحالة للمعاش.
ويكاد يكون هناك ما يشبه الاتفاق بين مسئولى وزارة «التعليم» الذين رصدنا آراءهم بأنه لم يتم الشعور بضخامة المشكلة فى العامين الدراسيين الماضيين بسبب ظروف جائحة كورونا وعدم انتظام حضور الطلاب بالمدارس، وأن اختيار (التطوع) و(نظام الحصة) لسد العجز كان القرار (الأسرع) مع اقتراب بدء العام الدراسى، والتوجيه بأن يكون حضور الطلاب والمعلمين فيه حضورا كاملا، وأن هذا هو المتاح فى ظل توقف التعيينات بالجهاز الإدارى للدولة، ومع الاعتراف بأن (تعيين) معلمين جدد هو الأكثر ضمانا لاستقرار العملية التعليمية على المدى الطويل، فإن قرارا كهذا ليس من اختصاص وزارة التربية والتعليم بل هو من سلطة وزارة المالية وتحكمه قدرات الموازنة العامة للدولة، ولذا اشترط القرار عدم تحميلها أى أعباء مالية نتيجة هذه الحلول لسد العجز.
حلول جذرية
خلف الزناتى، نقيب المعلمين، يعتبر إقرار الوزارة بوجود عجز شديد فى أعداد المعلمين وسعيها لحل المشكلة أمرا إيجابيا، إلا أنه يطلق رقما أكثر ضخامة، مقدرا العجز فى أعداد المعلمين بـأكثر من (350) ألف معلم.. ومؤكدا خروج أكثر من 50 ألف معلم سنويا للمعاش، ويقول إن ذلك يهدد استقرار العملية التعليمية ونجاحها فى تحقيق مستهدفاتها، إذ لا يعقل وجود (تعليم) بلا (معلمين).. ويشير إلى أنه لم تتم تعيينات للمعلمين بالتربية والتعليم منذ أكثر من عشر سنوات وكل من تم تعيينهم خلال هذه الفترة نحو 30 ألف معلم عام 2015.
ويرى أن ذلك عدد ضئيل للغاية مقارنة بالعجز المتزايد بمئات الآلاف.. ويضيف: «الوزارة أعلنت منذ نحو عامين ــ بتوجيه من الدكتور محمد عمر نائب الوزير السابق لشئون المعلمين ــ حاجتها لنحو 120 ألف معلم وفتحت باب التقديم بالفعل على (بوابة توظيف) وتقدم إليها مئات الآلاف من الخريجين وتم ضمهم للنقابة وأنفقوا ملايين الجنيهات لاستكمال أوراقهم وشهاداتهم إلا أنه لم يتم تفعيلها وطواها النسيان، وربما يكون الإعلان الأخير فرصة للاستفادة من المقيدين بمؤهلاتهم وتقديراتهم وقدراتهم على هذه البوابة المنسية».
ويشدد الزناتى على أنه لا يصح التعامل مع التعليم بمنطق المسكنات، بل يجب وضع حلول جذرية ومنطقية لأى مشكلة تواجهه، وبالتالى فإنه يبدى تحفظه على اللجوء لنظام (التطوع) و(الحصة) كحل للمشكلة، إذ لا يعقل أن أحدا سيؤدى عملا بلا مقابل إلا إذا كان سعيه لتحقيق (مصلحة) أخرى، إما بهدف فتح المجال أمامه للظهور وإعطاء (الدروس الخصوصية) وإما تشبثا بأمل فى (التعيين) مستقبلا وهو ما منعت الوزارة المطالبة به فى كتابها الدورى المنوه عنه، ومن ثم فالحل الأمثل هو (تثبيت) المعلمين لتنتظم العملية التعليمية، وليشعر المعلم بالاستقرار والأمان، ومن ثم يزداد ولاؤه وعطاؤه لمهنته وطلابه، أما العمل المؤقت والموسمى والاستعانة به لشهور معدودة، ثم الاستغناء عنه فلن يحقق الاستقرار المنشود، لا للتعليم ولا للمعلم.
المعاملة ليست بالمثل
الدكتور كمال مغيث ــ الخبير التربوى والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية ــ يرى أن المدارس الدولية والخاصة لا تعانى من أزمة العجز فى عدد المعلمين، وهو يرجع ذلك إلى استقطاب الأعداد الكافية من المعلمين لوفرة ما تحصله من مصروفات، ويؤكد أن (المدارس الحكومية) وطلابها هم من تتهددهم هذه المشكلة بالأساس، ويرى أن الأفضل ــ من وجهة نظره ــ التدقيق فى اختيار أكفأ الخريجين التربويين، كل فى تخصصه، ثم التعاقد معهم بعقود موثقة، ولا مانع من وضعهم تحت الاختبار لمدة عام، ثم التثبيت لمن يثبت جدارته منهم.
ويتساءل: كيف نستأمن شخصا غير مدرب وغير معين وغير وثيق الصلة بالعملية التعليمية إداريا ومهنيا على أبنائنا الطلاب ومستقبلهم؟.. فالمدرس المعين سيمتلك خبرات متراكمة وستحكمه قوانين ولوائح، ومن المفترض أن يتلقى تدريبات مستمرة ويخضع للتقييم المستمر بتقارير سنوية عن أدائه وبهذا يمكن مساءلته ومحاسبته على أى تقصير فى أدائه أو أى تراجع فى نتائج طلابه وهو أمر لن يتحقق مع المتطوع أو المعلم الموسمى بالحصة.
وحول عدم اختصاص وزارة التربية والتعليم بتعيين معلمين جدد.. يؤكد مغيث أن طبيعة وحساسية المجال التعليمى وطبيعة مهمة العاملين به والمعلمين على وجه الخصوص وتأثيرهم على الأجيال الناشئة ومستقبل المجتمعات تقتضى من جهات الدولة المختلفة الانتباه إلى ضرورة عدم معاملتهم مثلهم مثل (الموظفين) بأى جهة أخرى، إذ لا يصح حرمان طالب من محتوى تعليمى لغياب معلم.
تردد و ترحيب
أحمد حمدى ــ خريج لغة عربية عام 2000 ــ يرى أن ضعف المقابل المادى لن يشجعه على خوض تجربة الالتحاق بحقل التربية والتعليم والعمل كمعلم، فالعدد الكبير من الحصص ــ نحو 100 حصة شهريا ــ والمجهود المبذول فى ضبط الطلاب داخل الفصول فضلا عن توصيل المادة العلمية لكل طالب فيهم على اختلاف درجات استيعابهم، هو عمل شاق ومرهق يتطلب تشجيع المقبلين عليه بمقابل أعلى ماديا، وبتحقيق استقرار اجتماعى لهم بالتثبيت وليس بعمل موسمى مؤقت.
فى المقابل تؤكد سارة محمد عبدالمؤمن ــ خريجة لغة فرنسية دفعة 2013 وحاصلة على دبلوم تربوى بتقدير امتياز ــ أنها ترحب بالخطوة وستقوم بالتقديم فور الإعلان عن آليات ذلك، ليس اقتناعا بالمقابل المادى الذى ترى أنه ضعيف، ولكن رغبة فى إثبات الذات وإنعاش ما تسميه بمخزونها التعليمى الذى أعياه التعطل والبقاء بالمنزل لسنوات، برغم أنها تقدمت لكل الإعلانات السابقة كمسابقة الـ 36 ألف معلم، وبياناتها موجودة على (بوابة التوظيف) الخاصة بالتربية والتعليم والتى كلفتها ــ مثلها مثل مئات الآلاف من الخريجين ــ آلاف الجنيهات فى سبيل تجهيز أوراقها واجتياز اختباراتها بلا نتيجة نهائية.. ودون أن تخفى رغبتها وأملها فى أن يفتح لها الإعلان الحالى بابا لإعطاء مجموعات تقوية أو ما شابه، وأنه ربما يتم إعطاؤها الأولوية إذا تم فتح باب التثبيت مستقبلا.
حسام على ــ وكيل مدرسة ــ يرحب بشدة بسعى الوزارة لسد العجز الذى تعانى منه المدارس، ويرى أن ذلك سيؤدى إلى استقرار العملية التعليمية، وسيجد الطلاب معلمين يدرسونهم المحتوى التعليمى، بعدما كانت إدارة المدرسة تضطر إلى توزيع هذه الحصص والأوقات (احتياطيا) على المعلمين دون تدريس، وهو ما كان يمثل ضغطا إضافيا على المعلمين الموجودين، فضلا عن أنه يضيع وقتا ثمينا ومحتوى تعليميا كان يمكن أن يستفيد منه الطلاب، مشيرا إلى الفوضى والضوضاء داخل المدرسة نتيجة الفراغ الذى يعانى منه الطلاب لعدم وجود المعلم.
وبرصد آراء عدد من مسئولى مديريات التربية والتعليم بالمحافظات تبين أن هناك إجماعا على أن (سد العجز) خطوة فى غاية الأهمية، وأن إحدى مهام ما يسمى (التنسيق العام) هى رصد العجز والزيادة فى أعداد المعلمين بالمدارس فى التخصصات المختلفة، وأن مسئولى التنسيق قاموا برفع تقارير بوجود عجز (صارخ) لا يمكن بدء العام الدراسى فى وجوده، خصوصا فى القرى و المناطق النائية، كما أن استجابة الوزارة وسعيها لحل المشكلة أمر إيجابى فى ظل الإمكانات المتاحة ويتحتم تشجيعه لمصلحة الطلاب، خصوصا أن (المخصصات المالية) خارج اختصاص مسئولى التربية والتعليم وتخضع لتقديرات وزارة (المالية) التى تضع (الموازنة العامة) للدولة وتحدد جهات وأولويات إنفاقها.
التعيين أفضل
تؤكد إيمان حسن ــ موجه أول لغة عربية ــ وجود عجز شديد فى معلمى مادة اللغة العربية التى تتولى الإشراف عليها، وتقول: «سعى الوزارة لسد هذا العجز أمر جيد»، لكنها تؤكد أن (تعيين) معلمين هو الحل الأفضل، بدلا من اللجوء إلى (معلمين مؤقتين) نضطر كل عام للبحث عنهم، فهذا الإجراء (يرحل) المشكلة من عام إلى عام دون أن يحلها، وهو ما يجعلنا ــ نحن موجهى المواد ــ نضرب كل عام أخماسا فى أسداس لحل مشكلة العجز وضبط الجداول وخطة توزيع المعلمين والمناهج، وهو ما يحدث خللا داخل المدارس.. مطالبة بضرورة عودة (تكليف) خريجى كليات التربية المتوقف منذ سنوات طويلة.
عبدالعزيز قنديل ــ ولى أمر لطلاب فى المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ــ يبدى ترحيبه بسد العجز فى المعلمين، ويرى أنه سيعود بالنفع على الطلاب، الذين طالما اشتكوا ــ قبل جائحة كورونا ــ من عدم وجود معلمين لبعض المواد بالمدرسة ومن ثم تأخر الطلاب فى تحصيل المواد.. إلا أنه يلفت إلى نقطة مهمة ألا وهى (البعد النفسى) المتمثل فى تلك العلاقة التى تنشأ مع الوقت بين الطالب والمعلم والتى تتوطد عبر السنين وتجعل الطالب أكثر تعاونا وتفهما للمعلم ومادته التى يقوم بتدريسها، مستشهدا بأن كلا منا يتذكر معلميه الأوائل الذين لازموه طوال دراسته فى المرحلة الابتدائية على سبيل المثال ومواقفهم معه وتأثير شخصياتهم عليه، وهو ما يجعله يطالب مسئولى الدولة بضرورة الالتفات إلى خطورة هذه الجزئية عند اختيارهم الوسيلة الأنسب لسد العجز.
نجوان الخولى ــ الباحثة فى مناهج وطرق التدريس ــ ترى أن الأهم من (وسيلة) سد العجز سواء بالتطوع أم بالحصة أم بالتعيين هو (معايير الانتقاء) وتشدد على أنه لابد من انتقاء العناصر الجيدة والكفاءات العالية للمشاركة فى تجويد العملية التعليمية، والالتزام بضوابط صارمة فى الاختيار والتكليف بالقيام بالعمل، مؤكدة أن هذا فى مصلحة العملية التعليمية لسد العجز فى معلميها وضمان انتظامها ومن ثم تحقيق مستهدفاتها، وهو كذلك فى مصلحة الخريج بدلا من تعطله و لزومه بيته، فهى فرصة لإخراج طاقته فى عمل إيجابى مفيد، وصقل لقدراته ومواهبه والتخصص الذى درسه لسنوات وربما أصابه الضعف نتيجة عدم الممارسة والتحديث.. مشيرة إلى أنه حتى لو كان المقابل المادى ضعيفا أو غير مجز، فإن مجرد الاحتكاك بسوق العمل والتفاعل مع الطلاب هو شىء إيجابى مقاوم للإحباط والبطالة.
وتقترح نجوان الخولى ضرورة أن يكون الاختيار من خلال لجنة يتمتع أعضاؤها بالنزاهة والشفافية، وأن تتضمن معايير الاختيار التفوق العلمى وحبذا لو كانوا من أصحاب الدراسات التكميلية، والدورات التخصصية الحديثة فى مجالهم، وحسن السير والسلوك، والسمات الشخصية، وغيرها من الضوابط التى تجعلنا مطمئنين ونحن نترك أبناءنا الطلاب أمانة بين أيديهم، فتربية النشء أخطر من أن نتركها بيد من ليس أهلا لهذه المهمة.. متوقعة أن يكون (العنصر النسائى) أكثر إقبالا على التقدم لهذا الإعلان، ربما لظروف سوق العمل وللبطالة ولكونه أفضل من البقاء بالمنزل، وفى الوقت نفسه فهى محاولة لإثبات الذات ومهنة محترمة ومقدرة بين أفراد المجتمع.