عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
شرطى العالم.. والمهمة المستحيلة
18 سبتمبر 2021
أمنية نصر
انسحاب مهين للقوات الأمريكية من فيتنام


لأعوام وسنوات طويلة تباهت الولايات المتحدة بلعب دور شرطى العالم المحافظ على الحريات والمدافع عن المستضعفين، لتخوض العديد من الحروب طويلة الأمد فى سبيل إثبات نفسها كقوة عظمى لا تقهر، غير أنه على أرض الواقع فإن أمريكا خسرت كل حروبها الحديثة بداية بسقوط سايجون وجنوب فيتنام فى قبضة الشيوعيين فى 1973، والانسحاب من العراق، مرورا بالتدخلات فى ليبيا وانتهاء بالانسحاب المهين من أفغانستان.



ويرى العديد من المحللين العسكريين أن الولايات المتحدة لم تخسر فقط أرواح 58 ألف أمريكى خلال حرب فيتنام بدون هدف واضح خلال حرب استمرت نحو 20 عاما، بل خسرت أيضا إيمان الأمريكيين أنفسهم بمؤسساتهم السياسية والعسكرية. وهو ما تكرر مرة أخرى فى سيناريو الخروج الفوضوى للقوات الأمريكية من أفغانستان.والحقيقة، أنه على الرغم من امتلاك أمريكا قوة عسكرية كاسحة فى مواجهة خصوم ضعاف، إلا أن ما فات القادة الأمريكيين هو صعوبة التدخل فى أراض أجنبية لمواجهة ميليشيات، من أبناء هذا البلد، تعتمد أسلوب حرب الشوارع وترتدى الملابس المدنية قادرة على الذوبان وسط الجموع الشعبية. مما أدى لامتداد الحروب دون تحقيق أهدافها. وبالتالى لجأوا لوضع استراتيجية لإعادة بناء هذه الدول. وهو ما استحال تحقيقه عبر وكلاء محليين يتم النظر إليهم على أنهم عملاء للاستعمار فيتم استهداف هؤلاء وتكون النتيجة الحتمية هو الغرق فى مستنقع صراعات لا نهائي. ومن أهم أسباب فشل الولايات المتحدة فى تحقيق انتصارها هو غياب الفهم والاحترام لاختلاف الثقافات، فنرى مثلاً فى عام 2006 ـ فى ذروة حرب العراق ـ كان هناك 1000 مسئول فى السفارة الأمريكية فى بغداد، لكن ستة منهم فقط يتحدثون العربية. كما أن هناك مشكلات أخرى مثل غياب فهم طبيعة الأنظمة التى تحاول القضاء عليها، فمثلا اعتقدت واشنطن أنها قادرة على الإطاحة بصدام حسين والمغادرة فى أسرع وقت ممكن حين يكون للشعب الحرية فى إقامة ديمقراطيته الخاصة، وهو ما لم يتحقق. وانتهى باتفاق الرئيس الأمريكى جو بايدن ورئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى على إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية فى العراق بنهاية العام الجارى بالتوازى مع تجدد نشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة هناك، لتتحول الهجمات على عناصر الجيش والشرطة أخبارا يومية. أما بالنسبة للوضع فى أفغانستان، فحين أعلنت أمريكا الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر المروعة، بدا وكأنه أمر منطقى لاستعادة هيبة الدولة الأقوى فى العالم. وكان هدف الحرب المعلن هو انهاء سيطرة حركة طالبان المتشددة على البلاد من ناحية والقضاء على إرهاب القاعدة من ناحية أخرى. لكن مرة أخرى لا تمتلك الولايات المتحدة الأجندة الواضحة أو الأهداف المحددة لتحققها، لتغرق مرة أخرى فى فشل جديد. والخلاصة هنا أن فشل كل تلك الحروب يأتى من القمة، فالجانب الأمريكى يقدم قيادات لهذه الدول غالبا ما يفتقرون للفكر الاستراتيجى والخبرة للقيام بمهام منصابهم، بالإضافة لعدم قدرتهم على إدارة الصراعات. فى المقابل، نجد الولايات المتحدة تنجح فى توجيه ضربات خاطفة ومحددة الأهداف. ويرى المراقبون أن أسباب نجاح هذه الضربات يرجع بالطبع أولا لتفوق أمريكا العسكرى، بالإضافة لكونها ضربات يتم التحكم فيها عن بعد من خلال غرف مراقبة تقع أحيانا فى قارات أخرى.



على مدار عقود، تكبدت أمريكا خسائر مادية وبشرية عظيمة نتيجة لحروبها الفاشلة، وتعلم أعداؤها من إخفاقاتها المتكررة أكثر مما تعلمت هى، ما جعلهم يقاتلون أمريكا وحلفاءها ويضعون أكبر قوة فى العالم أمام واقع جديد.