عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المجر والتوجه نحو الشرق
14 سبتمبر 2021
رسالة بودابست د. سامى عمارة
فيكتور أوربان


عاد الحديث مجددا حول مدى صعوبة تنفيذ ما يقال بشأن احتمالات خروج المجر من الاتحاد الأوروبى، فى توقيت تتصاعد فيه الخلافات حول مدى مشروعية ما تطرحه المجر، بشأن إعلاء أولوية قوانينها بما يجعلها فوق مقررات الاتحاد الأوروبى، إلى جانب ما يحتدم الجدل حوله فى الساحة المجرية، حول فكرة افتتاح جامعة صينية فى بودابست، ثمة من يقول أن السلطات المجرية تريدها منافسا للجامعة الأوروبية التى أسسها جورج سوروس الملياردير الأمريكى المجرى الأصل، وصاحب فكرة «الثورات الملونة فى الفضاء السوفييتى السابق. وذلك فى توقيت لا ينفى خلافا فى السياسات، بين كل من موسكو وبودابست تجاه «منصة القرم».



أعلن الاتحاد الأوروبى عن مخصصات 18 من البلدان الأعضاء كمساعدات لمواجهة وباء الكورونا. وقالت مصادر الاتحاد إن هذا القرار لن ينسحب على كل من المجر وبولندا لأسباب عزتها إلى عدم التزام الدولتين بمقررات الاتحاد، إلى جانب ما وصفته مصادر الاتحاد الأوروبى بانتهاكاتهما وتقويضهما «سيادة القانون».



وكشفت مصادر الاتحاد عن أن «الأكثر إيلاما بالنسبة للاتحاد الأوروبي» يتمثل فى الإصلاحات القضائية البولندية، والقانون المجرى الذى يحظر دعاية المثليين». وذلك ما لاتزال سلطات البلدين تتمسك به، فى الوقت الذى تقدمت فيه الحكومة البولندية بطلب إلى المحكمة الدستورية فى البلاد، للحكم على أن معايير الاتحاد الأوروبى ليست أعلى من التشريعات الوطنية وكان البرلمان المجري، أقر ما طرحته حكومة المجر من تعديلات على قانون مكافحة الاعتداء الجنسى على الأطفال، تقيد نشر المعلومات حول المثليين. كما تقدم البلدان بطعوناتهما إلى محكمة تابعة للاتحاد الأوروبي، حول آلية سيادة القانون، التى يقول الخبراء فى البلدين وخارجهما بصعوبة صدور ما يتفق وطموحاتهما، فى توقيت يبدو فيه ما يشبه الإجماع حول احتمالات تراجع بودابست ووارسو عن إصرارهما على التمسك بأولويات تشريعاتهما الوطنية، لأن الخيار لن يكون إلا «مغادرة الاتحاد الأوروبي»، وهو سيناريو مستبعد للغاية، نظرا لأن كلا من المجر وبولندا، يظلان من أكبر البلدان التى تتلقى الدعم المالى والمساعدات من الاتحاد الأوروبي.



 ومع ذلك فقد قدمت وارسو بالفعل بعض التنازلات، فى الوقت الذى تظل فيه بودابست أكثر إصرارا عن ذى قبل على تمسكها بما أقرته من قوانين، وهو ما قد يكون موضوعا خلافيا يمكن أن تلوح به أحزاب المعارضة فى غضون احتدام الحملات الانتخابية قبيل الانتخابات المرتقبة فى ربيع العام المقبل.



وتعليقا على هذه القرارات، أعلن فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية، أنها تستهدف عمليا «معاقبة الدول الأعضاء»، و«ربط القضايا الاقتصادية والمالية بالنقاش السياسي»، وهو ما لن يؤدى إلا إلى تقويض الوحدة الأوروبية، وإن كان هناك من يقول إن بروكسل تمكنت من إقناع المجر وبولندا بتخفيف موقفهما. وقد أسفر ذلك عمليا عن إطلاق صندوق العلاج من كوفيد-19 التابع للاتحاد الأوروبى اعتبارا من أول يونيو 2021، الأمر الذى لم نجد له توضيحا جليا يمكن أن يفسر مدى التضارب فى التصريحات بهذا الشأن.



وعلى الرغم من عدم صدور تفسير واضح بشأن احتمالات تراجع المجر عن موقفها، نزولا على مقررات الاتحاد الأوروبي، حول عدم تقديم المساعدة لها، وما إذا كانت تعتزم تغيير قوانينها فى حالة العقوبات الأوروبية، قال بيتر سيارتو وزير الخارجية والتجارة الخارجية المجرية، فى حديث إلى صحيفة «ازفيستيا» الروسية، إن بودابست لن تلغى القوانين المثيرة للجدل. وأضاف أن «خطتنا للعمل هى اتباع القانون المعتمد». ومن جانبه اقترح فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية، لطمأنة الاتحاد الأوروبي، إجراء استفتاء حول موضوع المثليين حسب تقارير وسائل الإعلام، فى بداية عام 2022 أى قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى أبريل من العام المقبل. ومن هنا فإن الأمر سوف يتوقف إلى حد كبير على نتائج الاستفتاء المزمع اجراؤه.



وقد جاء ذلك فى توقيت مواكب لإعلان الحكومة المجرية عن جنوحها صوب الشرق، من خلال ما جرى توقيعه من اتفاقيات فى مجال الطاقة والغاز مع روسيا، التى لاتزال تتعرض للكثير من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من جانب الاتحاد الأوروبي، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية فى فبراير 2014. وهى العقوبات التى جرى تمديد فتراتها أكثر من مرة على ضوء المتغيرات الجديدة، التى كان منها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم التى لاتزال بلدان الاتحاد الأوروبى والغالبية الساحقة من بلدان العالم، تعترف بتبعيتها لأوكرانيا، فى الوقت الذى تبدو فيه المجر مضطرة إلى تطبيقها، وإن حاولت الخروج عليها بما وقعته وتوقعه من اتفاقيات.



كما أن المجر لم تقتصر أيضا على تعاونها مع روسيا، لتمضى إلى ما هو أبعد بما اتفقت فيه مع الصين، حول بناء فرع لجامعة شنغهاى فودان، التى أثارت جدلا واسع النطاق فى المجتمع المجري. وكان المجريون خرجوا إلى شوارع العاصمة بودابست، احتجاجا على بناء الجامعة الصينية، فى وقت مواكب لإعراب الاتحاد الأوروبى عن قلقه بهذا الشأن. وتقول المصادر المجرية، إن الاتفاق بين الحكومة المجرية وقيادة جامعة شنغهاى فودان الصينية، يقضى ببناء حرم جامعى بمساحة 500000 متر مربع فى بودابست، لحوالى 5000 طالب. وكشف المتظاهرون عن الأسباب الحقيقية لما أعربوا عنه من احتجاجات، وتتلخص فى حقيقة «أن المؤسسة، التى يسيطر عليها الحزب الشيوعى لجمهورية الصين الشعبية بالكامل، سوف يجرى إنشاؤها من أموال دافعى الضرائب المجريين» على حد قول عدد من هؤلاء المتظاهرين. كما مضى البعض فى تفسيره للأسباب الى ماهو أبعد بقولهم: إن تكلفة بناء المجمع التعليمى تقدر مبدئيًا بنحو 1.5 مليار يورو. وقال آخرون إن «جامعة شنغهاى فودان النخبوية» ستكون مصدر معلومات لأعضاء الحزب الشيوعى الصينى وأجهزة المخابرات، كما أن المنطقة التى تم التخطيط لبناء فرعها فى بودابست كانت مخصصة فى السابق لبناء مساكن طلابية رخيصة».



وبهذه المناسبة كشف عدد من المراقبين عن أن مشروع بناء الجامعة الصينية، صار أحد مفردات المعارك الانتخابية المرتقبة، ولاسيما بين عمدة بودابست جيرجيلى كاراكزوني، الذى يعتبرونه المعارض الرئيسى لرئيس الحكومة المجرية فيكتور اوربان. ومن هنا كانت قراراته حول إطلاق أسماء مثل الدالاى لاما، وحرية هونج كونج على الشوارع التى يطل عليها مشروع بناء الجامعة الصينية، ما بدا أقرب إلى الاستفزاز المتعمد لكل من الجانب الصينى وحليفه الجديد فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية. وقد سارعت وزارة الخارجية الصينية الى الرد على تصرفات عمدة العاصمة، بشكل هو خليط ما بين الكراهية وتعمد التجاهل، فيما وصفت هذه القرارات بأنها «تستحق الازدراء».



وكان الاتحاد الأوروبى أعرب أيضا من جانبه، عن قلقه بشأن التقارب بين المجر والصين. وفى تعليقها حول هذه الخطوة من جانب المجر، قالت مصادر الاتحاد الأوروبي، إنه ما من دولة من دول الاتحاد تملك مثل هذا القدر من التعاون مع جمهورية الصين الشعبية مثل المجر. أما رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان فقال: إن ذلك يمثل منفعة اقتصادية لبلاده. كما كشفت المصادر عن أن ممثلى المجر فى العديد من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، طالما اتخذوا على مدى العديد من السنوات مواقف معارضة لقرارات الاتحاد الأوروبى التى تنتقد الصين. كما أعربت بروكسل عن خشيتها من أن يؤدى «التقارب المفرط» بين بودابست وبكين، إلى إضعاف العلاقات الأوروبية البينية. وذلك فى الوقت الذى يقف فيه رئيس الحكومة فيكتور أوربان موقفا مناهضا للجامعة الأوروبية، التى يقف وراء تمويلها الملياردير اليهودى الأمريكى جورج سوروس المجرى الأصل والمعارض للكثير من توجهات أوربان «اليمينية». ويذكر المراقبون تلك المظاهرات الجماهيرية التى شارك فيها الآلاف من طلاب الجامعة خلال السنوات القليلة الماضية، احتجاجا على محاولات نقل الجامعة إلى العاصمة النمساوية فيينا، بعيدا عما وصفه سوروس بالتطاول على «الإطار القانوني» لوجود الجامعة فى بودابست، فى الوقت الذى رفع فيه الطلاب الشعارات التى تطالب بالدفاع عن المناخ التعليمى الحر.



 وعلى الرغم من اتساع مساحات الاتفاق بين موسكو وبودابست، تجاه العديد من أوجه التعاون فى مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية، بل السياسية التى تتمثل فى رفض العقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبى بإيعاز من الولايات المتحدة ضد روسيا، فإن هناك من أوجه الخلاف، ما يظل قائما حتى اليوم. ومن ذلك موقف بودابست من قضية القرم، ورفضها الاعتراف بضمها إلى روسيا، وهو موقف يكشف عن أبعاد ذاتية تنطلق من منطقية رفض كل ما تراه بودابست يتعلق بأراض تاريخية. ورغم أن الأمر بالنسبة للقرم يبدو على طرفى نقيض، من استيلاء أوكرانيا على مساحات واسعة من الأراضى المجرية فى منطقة الكاربات، بموجب نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، التى تسكنها حتى اليوم أقليات مجرية، تظل بودابست تعرب عن اهتمامها بشئونها ولاسيما الثقافية والاجتماعية، والتى كانت وراء احتجاجها على اغلاق المدارس المجرية ومراكز تعليم اللغة المجرية، فضلا عن قرارها بشأن استصدار جوازات سفر مجرية، تمنح حامليها كل حقوق المجريين المقيمين فى الوطن الأم.