عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
السلام
10 سبتمبر 2021
د. شوقى علام


تتميز قيمة «السلام» بدلالات نبيلة تنبع من أعماق الإنسان وتنطلق من فطرته النقية، فهى تدور حول الأمن والهدوء والاطمئنان والاستقرار والحب والسعادة والانسجام والتوافق، ولا تتحقق هذه السمات إلا بغياب الحرب والنزاع، واختفاء مظاهر التطرف وأسباب المخاصمات والفتن والعنف والإرهاب.



ولا شك فى أن قيمة «السلام» هى قيمة حضارية متجذرة فى الإنسان المصرى منذ فجر التاريخ، تمتد أصولها وفروعها وتتصل اتصالًا وثيقًا بطبيعته وفكرته الثقافية والحضارية الموروثة جيلا بعد جيل عن الكون والإنسان والحياة؛ فالسلام ساكن فى ضميره ووجدانه وهو شعاره السائد فى التعامل مع غيره محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.



نعم؛ وخير شاهد على ذلك موجات الوافدين والمهاجرين إليها من الأعراق والبلاد المختلفة -وعلى رأسهم جملةٌ كبيرةٌ من الأنبياء والرسل والصالحين كإبراهيم الخليل ويوسف ووالديه والأسباط، والسيدة مريم وطفلها سيدنا عيسى عليهم السلام وحتى العصر الحاضر- الذين وجدوا لدى المصريين ملاذًا آمنًا، ورأوا فى ربوع أرض مصر الأمن والحضارة والاستقرار، ومن أهلها حلاوة اللسان وحسن المودة والمحبة ولطافة الاستقبال، وإلى ذلك يشير قول الله تعالي: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [يوسف: 99].



ورغم وضوح هذه المعانى وتلك المقاصد اختارت الجماعات الإرهابية والمتطرفة التى ابتليت بهم الأمة خلال العقود المعاصرة طريق التشدد والإفراط فحمَّلوا أنفسهم فوق طاقتهم من غير أصل فى الشرع ولا عمل منقول عن الأمة يقرهم على ذلك، متبعين فى ذلك ظواهر النصوص التى لا يقرؤونها إلا من خلال المناهج الانتقائية والقراءات المجتزأة التى تأخذ بنص وتغفل الآخر الوارد فى موضوعه مع إهمال الدلالات المتعددة للنصوص.



ولقد أفرز ذلك تداعيات خطيرة وآثارًا جسيمة على أنفسهم من جهة، ومن جهة أخرى على الاستمداد النقى من أدلة الشرع الشريف وعمل الأمة والمفاهيم والمناهج الناصعة، بل على واقع الوطن والأمة؛ وذلك بسبب ما ينشرونه من الخلل فى المنهج استدلالا وتطبيقًا حتى اضطربت الموازين بما يؤكد أن التطرف والتشدد هما التهديد الأول للدول وخطط الإنسانية الاستراتيجية للاستقرار والتنمية.



لذا أطلقت دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم فى المؤتمر العالمى السادس فى أغسطس الماضى حزمة من المشروعات والمبادرات المهمة فى مواجهة هذه الظواهر الفتاكة، ويأتى على رأسها: مشروع إنشاء مركز «سلام»، الذى ننطلق فيه من رؤية وفلسفة الدولة المصرية فى المواجهة الشاملة للتطرف وحواضنه، لنحمل مشاعل السلام والنور والحضارة إلى عموم المجتمعات الإنسانية من خلال خطاب معتدل يلائم الواقع المعاصر.



ومركز «سلام» هو تطور لجهود دار الإفتاء المصرية فى مواجهة التطرف التى أطلقتها منذ 2014م، ونهدف من ذلك أن يكون المركز منصة أكاديمية وبحثية رائدة على مستوى الأمة العربيَّة وعلى مستوى الأمة الإسلامية فى مجال مكافحة التطرف، وأن يصبح مرجعًا أكاديميًّا واستشاريًّا لدى مختلف المؤسسات الفاعلة فى مجال مواجهة التطرف ودراسة جوانبه المعقدة والمتنوعة دينيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وتربويًّا ونفسيًّا، فمن مصر: «سلامٌ» إلى الإنسانية، برؤية متكاملة وأهداف واضحة، متطورة فى الأدوات والوسائل بما يعكس حركة التطوير والتحديث لجهود دار الإفتاء المصرية فى قضية تجديد الخطاب الدينى.