عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
لا حقيقة عند بوابة راشومون
28 أغسطس 2021
محمد بهجت
مشهد من العرض [تصوير ــ حسن عمار]


هل الثقافة اليابانية بوجه عام والمسرح الياباني بوجه خاص بعيد كل البعد عن الذائقة الفنية العربية ؟ عندما قدمت دار الأوبرا المصرية قبل أعوام طويلة عرضا مسرحيا تراثيا من اليابان بعنوان «الكابوكى» لم يلق أي نجاح.. بل نال سخرية واسعة من حجم الكآبة والمآسي المتلاحقة التي تفوق في حدتها وغرابتها الميلودراما الهندية.. والحقيقة أننا لم نعتد مشاهدة هذا النوع من العروض وسارعنا في الحكم والتخوف من المسرح الياباني دون مبرر



وقبل أيام قدم مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية عرضا مسرحيا صالح الجمهور المصري علي المسرح الياباني وان كان النص في الأصل قصة قصيرة ضمن مجموعة قصصية بعنوان أكوتاجاوا وراشومون لمايكل وفاي كانين وقام المخرج والممثل كريم شهدي بتحويل القصة القصيرة إلي نص مسرحي مبتكر ومحكم البناء.. والمسرحية تتناول قصة محررة صحفية متخصصة في عالم الحوادث تذهب إلي محطة قطار راشومون بحثا عن تفاصيل جريمة غامضة حيث قام أحد اللصوص العتاة المشهورين في غابة راشومون بقتل محارب ساموراي واغتصاب زوجته إلي أن تمكنت السلطات من القبض علي تاجو مارو القاتل الهارب.. والصحفية تشعر بالوحشة من المكان المقبض وتضطر إلي الحديث مع شخص غريب صامت يبدو عليه الفقر الشديد ويحمل في يده لفافة من القماش.. وتستمر في سرد الوقائع الغريبة للحادث والتي تتعقد كل مرة مع وجود شاهد جديد.. ونجد للقصة الواحدة خمس روايات محتملة كل منها يدين طرفا من الأطراف ويكشف جانبا من الصورة حتي تحدث المفاجأة الكبري بأن الرجل الذي ينصت للحديث هو نفسه شاهد عيان ويروي رواية مختلفة عن كل ما قيل ليفهم المتلقي عنوان المسرحية لا حقيقة عند بوابة راشومون.. ولا حقيقة مطلقة عندما تتعدد الروايات ووجهات النظر.. والحقيقة وضع كريم شهدي قدمه علي الطريق الصحيح بين شباب المخرجين المبدعين وأكد تميزه ككاتب ومصمم ديكور ومعد موسيقي وممثل إلي جانب الإخراج..



وهو بحق من أميز المواهب الواعدة ليس فقط من بين خريجي مركز الإبداع الفني ولكن علي مستوي كافة المخرجين الشباب من جيله ويحق للفنان خالد جلال أن يفخر بأبناء دفعة سلم نفسك التي صاغت وقدمت هذا العرض المتميز.. جسد أحمد الشاذلي شخصية تاجومارو القاتل الفوضوي البدائي النهم إلي النساء والمتفاخر بجرائمه وقسوته.. ولكنه يحمل رغم كل هذه الشراسة لمحة من الإنسانية تمنعه من تعذيب ضحاياه أو قبول الخيانة والنفاق.. لنقل أنه أشبه بوحوش الغابة التي يحب أن تفترس لتعيش ولكن في الحياة المتمدينة من هم أكثر شرا ووحشية وقدمت ريهام سامي دور الزوجة بوجوه متعددة فهي الزوجة المثالية الطائعة والتي تتعرض لجريمة اغتصاب تدفعها للبكاء وتمنى الموت وهي الزوجة التعسة من حياة زوجية باردة وتتوق إلي مغامرة وحشية ثم هي الحرباء المتلونة بالضعف والقوة والهروب من أسر الرقابة والرغبة في الانتقام.. وقدمت كل هذه الانفعالات ببساطة ودون تزيد وأجاد نديم هاشم في شخصية محارب الساموراي الهادئ الرزين الذي تميل شخصيته إلي الغموض كعالم الساموراي والذي يستطيع في لحظة وبكل بساطة أن يجد الشرف في قتل نفسه وترقب الموت بهدوء وكرامة..



ونديم هاشم ممثل من طراز رفيع يقدم الحالة النفسية للشخصية بأقل قدر من التعبير الحركي وكأنه قادم بالفعل من عالم الساموراي الأسطورى. أما هدير الشريف والتي حازت لقب افضل ممثلة في المهرجان القومي العام قبل الماضي وجسدت من قبل الشخصية الرئيسية للطبيبة في عرض سلم نفسك فهي في هذا العرض تقدم بتمكن وحضور مسرحي كبير دور المحققة الصحفية التي لا تشارك في الأحداث وتكتفي بروايتها إلي أن تجد نفسها ضحية للتواجد علي بوابة راشومون.. ولعل أميز ما في العرض هو التجانس والتفاهم بين مجموعة الممثلين وحالة الاحتضان التي يوفرها مركز الإبداع لطلابه وخريجيه.