عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«النووى الإيرانى».. اتفاق «يرجع إلى الخلف»!
28 أغسطس 2021
‎ ‎شريف سمير


ثمة رئيس يرث تركة ثقيلة من الديون المالية، ويطالبه الشعب بسرعة السداد وتخفيف الأعباء، ورئيس آخر يتولى السلطة فى أجواء حرب، ويتحتم عليه تعويض خسائر سلفه وتصحيح الأوضاع، ونوع ثالث، ينتمى إليه، بامتياز، الرئيس الأمريكى جو بايدن، حيث تسلم مفاتيح البيت الأبيض وعلى مائدته حفنة من «القرارات» التى وقعها سلفه دونالد ترامب، وتنتظر من «الثعلب العجوز» إما التنفيذ أو التجميد!.



واليوم، يطفو على السطح قرار الاتفاق النووى الإيرانى، كاختبار عملى جديد لسياسة بايدن فى التعاطى مع ألغام هذا الملف الشائك، وتصدرت وعود الرئيس الديمقراطى شعارات حملاته الانتخابية فى ٢٠٢٠، باتباع سبل أكثر ذكاءً تجاه طهران، والالتزام بمنع إيران من امتلاك سلاح نووى، وإعادة الاعتبار للدبلوماسية فضلا عن تعديل اتفاق ٢٠١٥ التاريخى، بمشاركة الحلفاء، على أن يشمل التفاوض العديد من القضايا مثل الملف الصاروخى وحقوق الإنسان. وكانت من ضمن «شروط بايدن» لمنح قبلة الحياة للاتفاق تراجع إيران على الأقل عن خطوات رفع معدلات تخصيب اليورانيوم، والحدِّ من مدى صواريخها، وعدم توسيع النفوذ الإقليمى فى الشرق الأوسط، على أن تكون المكافأة إنهاء العقوبات الاقتصادية وكسر العزلة السياسية التى تحاصر الشعب الإيرانى، وعلى ضوء ذلك أقر مستشارو بايدن بأن أسلوب الأخير لن يختلف كثيرا عن منهج ترامب، إن لم يكن مستفيدا منه فى المرحلة المقبلة.



ولكى يتيقن المتابع للمشهد من هذه الرؤية، فليقرأ بعناية ما قاله بايدن فى مؤتمر صحفى مع رئيس الوزراء اليابانى يوشيهيدى سوجا، بواشنطن الشهر الحالى، عندما أكد أن الوقت لا يزال مبكرا لمعرفة ما إذا كانت المحادثات مع إيران ستنجح فى إنقاذ الاتفاق النووى، منتقدا تصرف طهران بإعلان تخصيب اليورانيوم بنسبة ٦٠ ٪، بما يعنى تجدد نفس المأزق القديم أمام المجموعة الدولية التى تحمل هواجس ومخاوف من طموحات إيران النووية. وبالطبع لايخفى على بايدن، باعتباره أحد «مهندسى الاتفاق»، محاولات إيران لزيادة كمية ونوعية اليورانيوم المخصب وشروعها فى بناء ونشر أجهزة طرد مركزى متطورة أسرع مما يسمح به الاتفاق النووى.



وكشفت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية عن «علامة الاستفهام الكبيرة» التى وضعها روبرت مالى مبعوث الإدارة الأمريكية الخاص لإيران، حول إمكانية إعادة إحياء الصفقة النووية، متوقعا أن المفاوضات مصيرها مسدود إذا حققت إيران تقدما نوويا، واستمرت فى إجراءاتها الاستفزازية، ليزيح الغطاء عن «خيارات بديلة» فى جعبة إدارة بايدن حال فشل الصفقة أو إعلان موتها نهائيا، منها توقيع اتفاق جديد منفصل تماما، وبشروط ومواصفات جديدة، أو تصعيد العقوبات ضد طهران بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، وبنفس المنطق الذى برر به ترامب قراره بتمزيق ورقة الاتفاق التاريخى الذى لم يتجاوز عمره ٦ سنوات.



وهنا، حانت الفرصة لمعسكر الجمهوريين داخل أروقة الكونجرس لتقويض أى تحرك لإنعاش «صفقة أوباما»، فبينما يجرى مسئولون أمريكيون محادثات غير مباشرة مع الإيرانيين فى العاصمة النمساوية فيينا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يناقش مشرعون جمهوريون استراتيجيات تعرقل السير فى هذا الاتجاه. ويتطلع الجمهوريون إلى قانون صدر عام ٢٠١٥ باسم «قانون مراجعة الاتفاق النووى»، كمراوغة سياسية لنسف أى رؤية تفاوضية. كما طرحت مجموعة من أعضاء «الشيوخ» الجمهوريين مؤخرا، تشريعا لمنع بايدن من الانضمام إلى الاتفاق النووى، وإلزامه بموافقة الكونجرس قبل التوقيع مجددا على أى صفقة من هذا النوع، تزامنا مع تشريع آخر تتبناه جماعة أخرى فى مجلس النواب، يفرض المزيد من العقوبات على النظام الإيرانى، لإجهاض الاتفاق الوشيك.



ببساطة، هذه المؤشرات والدلائل على أن «الاتفاق المجهول» مع إيران محفوف بمخاطر وتحديات لاحدود لها، و «أستيكة» بايدن ليست بالقوة الكافية لإلغاء قرارات ترامب البائدة ومسح حروفها.