عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أمريكا و20عاما فى أفغانستان والحصيلة (صِفْر)
28 أغسطس 2021
لـ. د. محمد قشقوش


هل هى غطرسة القوة أم الخطأ فى الحسابات الإستراتيجية أم خطأ دائرة صنع القرار وفى قمتها الرئيس الأمريكى الذى يختار أعضاء دائرته المقربة طبقا لطبيعته الشخصية وكذلك توجهاته السياسية التى يشترك فيها معظم الرؤساء الآمريكيين منذ الحرب العالمية الثانية، وهى أن تكون أمريكا الأقوى سياسياً وعسكرياً وهو ما نفذه بعض الرؤساء بحسابات منطقية بينما نفذه البعض الآخر بحسابات خاطئة والتى نحن بصدد إحداها مع مطلع القرن الحالى وقرار الرئيس بوش الابن احتلال أفغانستان للقضاء على الإرهاب بعد صدمة 11 سبتمبر.



كان هذا التاريخ فارقاً حين سقط بعملية نوعية برجا التجارة العالمى فى نيويورك وسقطت معهما الهيبة الأمريكية وأصيب كبرياؤها العسكرى فى مقتل حين طالت العملية مقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مما أصاب حكومة الصقور الأمريكية بنوع من السُعار فكان قرار غزو افغانستان لامتصاص غضب الشعب الامريكى، بالقضاء على إرهاب القاعدة وطالبان فى افغانستان ثم التمدد واحتلال العراق عام 2003 بزعم القضاء على أسلحة الدمار الشامل به والتى يمكن لإرهابيى الإقليم استخدامها ضد الولايات المتحدة.



ولتبيان التوجه الأمريكى الجيواستراتيجى التراكمى، سنعود الى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 التى أسفرت عن تشكل قطبين عالميين الأول رأسمالى بقيادة الولايات المتحدة والثانى شيوعى بقيادة الاتحاد السوفيتى، حيث بدأت الحرب الباردة والصراع بين القطبين على مناطق النفوذ والثروات الطبيعية خاصة النفط مع دعم الحلفاء القدامى واستقطاب حلفاء جدد، حيث بدأ ذلك فى بداية الخمسينيات فى شبه الجزيرة الكورية التى انقسمت الى شمال شيوعى وجنوب رأسمالى، ثم كانت فيتنام نقطة فارقة حيث بلغ الدعم الأمريكى مداه لدعم حلفائه ضد الجانب الشيوعى وهو ما كلف الولايات المتحدة عشرات الآلاف من القتلى وهو أكثر مما خسرته فى الحرب العالمية ذاتها، ومما اضطرهم الى العودة الى التجنيد الإجبارى ولعلنا نتذكر رفض البطل العالمى محمد على كلاى التجنيد فى حرب تزهق فيها أرواح الأمريكيين من أجل الغير.



كانت النقطة الاخيرة هى بداية توجه الولايات المتحدة الى عقيدة عسكرية جديدة وهى الحرب بالوكالة أى بايدى الآخرين من الحلفاء او بإنشاء ميليشيات خاصة تتولى تسليحها وتدريبها مع الاشتراك فى تمويلها بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين المستفيدين، وهو ما تم إخراجه الى حيز التنفيذ بإنشاء قاعدة المجاهدين (القاعدة) بقيادة أسامة بن لادن فى باكستان بمتطوعين مسلمين سنة مع تسويق الفكرة لنصرة اخوانهم السنة فى افغانستان ضد الغزو الشيوعى الكافر! الذى بدأ نهاية سبعينيات القرن الماضى ولقرابة عشر سنوات انتهت بانسحاب السوفيت الذى اعقبه تفكك وزوال الاتحاد السوفيتى بنهاية 1991.



كان الخطأ الأمريكى الكبير هو عدم التفكير فى مصير حلفائهم من رجال القاعدة بل والتخلى عنهم بعد الانسحاب السوفيتى، مما استتبعه تغيير توجه القاعدة ذات خبرات القتال الكبيرة لقتال الولايات المتحدة ذاتها مع التوسع الجغرافى لإنشاء افرع للقاعدة فى بلاد الرافدين والشام والمغرب العربى. والتى افرزت داعش لاحقا لتعادى القاعدة وطالبان، التى ظهرت كوريثة متحالفة مع القاعدة فى افغانستان حيث وصل التنسيق مداه بأكبر عمل إرهابى نوعى فى قلب الولايات المتحدة فى سبتمبر 2001 وفى ظل اقتتال أهلى متتال للاستيلاء على السلطة فى افغانستان، حيث استهدف الإحتلال الأمريكى دعم الحكومة الافغانية والجيش النظامى بأحدث الأسلحة والمدربين الأمريكيين للحرب بالوكالة ضد طالبان والقاعدة معا وبلغ هذا الدعم وحتى بدء الانسحاب الأمريكى قرابة 88 مليار دولار!.



لنصل الى السؤال لماذا الانسحاب الأمريكى فى هذا التوقيت وبهذه الطريقة شبه الفوضوية؟ والإجابة لأن قرار الانسحاب متخذ مسبقا بالتخفيف ثم الانسحاب الكامل من العراق وأفغانستان تماشيا مع الراى العام الأمريكى الضاغط الدافع لضرائب هذه الكلفة، أما الطريقة فقد تم التوافق عليها مع قيادة طالبان بوساطة قطرية مع وعد طالبانى بالتخلى عن التطرف وإقامة حكومة ائتلافية ديمقراطية مع التركيز على حقوق المرأة بشكل خاص، ولكن الخطأ كان باستبعاد الحكومة الأفغانية وجيشها من تلك المحادثات، مما نتج عنه مغادرة بعض قيادات الجيش لأفغانستان بينما انضم الكثير الى طالبان باسلحتهم الأمريكية مما أحدث تلك الفوضى ليبقى وعد طالبان بالبعد عن التطرف والارهاب (أفلح إن صدق) وهو امر محل شك.