عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
مبادرة حياة كريمة
20 أغسطس 2021
د. شوقى علام مفتى الجمهورية


تتلازم مسئولية العمران والإصلاح والحضارة مع مهمة استخلاف الإنسان فى الأرض الواردة فى قولِه تعالي: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً)؛ فهى انعكاس لنشاط الإنسان وجهوده وأعماله.



وقد ورد فى القرآن الكريم ما يفيد معانى العمران؛ حيث قال تعالي: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، وهذا فيه إشارة إلى معالم العمران وشروطه الأساسية ومحركاته وما يقوم عليه؛ حيث الاهتمام بالإنسان، وبالمكان أيضا، وما يرتبط به من شروط العيش والحياة الكريمة بكل أبعادها: المعنوية؛ من الاستقرار والأمن وإقامة العدل، وغير ذلك. وكذا الأبعاد المادية؛ كالمبانى والطرق والزراعة والصناعة.



وكل هذا لا بد أن يكون بالتوازن مع منظومة القيم ومكارم الأخلاق؛ وإلا لتحولت حركة العمران إلى كونها مجرد تحرُّكات مادية صرفة تستهدف مجرد تشييد الأبنية والمساكن أو التوسع فى أعمال البنية التحتية والتصنيع فقط؛ وقد جاء فى دعاء الخليل إبراهيم عليْه السَّلام : (رَبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، وهو دعاء جامع تضمن الأسس المادية والأخلاقية للعمران البشرى برسالة حضارية متميزة.



إن من أصعب محاور فقه العمران وأطولها: بناء الإنسان وتغيير ما بنفسه، وتزكيته بالأخلاق الحميدة، خاصة فى العصر الحاضر بمعطياته المتشابكة وواقعه المعقد؛ لأنه يتطلب بناء جيل جديد وتغيير أنماط الشخصية الإنسانية وعاداتها، وهى تمثل عقبة كبرى فى مسيرة تقدم الأمة عبر التاريخ، وقد عالجتها القيادة المصرية الحكيمة عبر مسار منظم وخطة متكاملة، كان من آخرها مبادرة “حياة كريمة”.



وهى مبادرة وطنية متكاملة فى مراحلها وفى ملامحها، وشاملة فى مجالاتها؛ حيث راعت أبعاد فقه العمران ومعالمه، فهى تهدف إلى تعزيز قيمة الإنسان المصرى والنهوض بمستواه الفكرى والتعليمي، والصحى والرياضى والثقافي، خاصة كبار السن والأيتام والنساء المعيلات والمطلقات وذوى الهمم والقدرات الخاصة والأسر الأكثر احتياجا فى التجمعات الريفية، وذلك من خلال توفير سكن كريم وبنية تحتية وخدمات طبية، وخدمات تعليمية، مع الاهتمام بالبيئة واستهداف الأسرة والطفل والمرأة وذوى الهمم وكبار السن بالمبادرات التوعوية، وتوفير الدعم فى الأشياء الأساسية، وتزويج اليتيمات وتجهيزهم، والنظر إلى الطفولة بعين الرعاية. وهى سمات محورية فى صياغة شخصية الإنسان المصرى وبناء الدولة والمجتمع على أسس قوية ومعالم عمرانية وتنموية سامية تسير على منهاج النبوة، حيث اهتم النبى صلى الله عليه وسلم بتغيير الإنسان وإصلاح أحواله من الجهل إلى العلم، ومن الفقر إلى الغني، ومن الضعف إلى القوة، ومن البطالة إلى العمل وإتقانه؛ مجاراة لسنة الله وسيرًا على وفق مقتضى حكمته التى أرشد إليها قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). كما تنعكس آثار هذه المبادرة الإيجابية بصورة عملية على الإنسان المصرى وتجدد حياته، وتساعد فى تكوين شخصية وطنية نافعة متحققة بسمات السماحة والسلام، ومبادئ السعادة والرحمة والأمن وحب الاستقرار والعمران والخير ومودة الآخرين وعدم الاعتداء عليهم، بالقول أو بالفعل، مع تقوية الصلة بين الفرد ووالديه وأقاربه وجيرانه بما يحافظ على وحدة النسيج المجتمعى والوطني. إن هذه المبادرة مشروع ضخم يصح أن يطلق عليه «مشروع القرن الحادى والعشرين« و»أيقونة الجمهورية الجديدة»، لما تضمنته من مشروعات ومحاور وإجراءات متنوعة ومتكاملة، راعت فقه العمران وأساس كل إصلاح؛ حيث بناء الإنسان وفق قيم الاعتدال، واتزان الشخصية، وتحمل المسئولية، وطلب العلم وتحصيل أسباب القوة وإتقان العمل، والمحافظة على قيمه وأهدافه مما يقربه إلى سلوك طريق الحياة الكريمة المملوء بالتفاؤل والأمل ونفع البشرية وصلاح أمرها، تحقيقًا لقول الله تعالي: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).