عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
عبد المطلب.. صاحب «50 سنة ياليل »
11 أغسطس 2021
كتبت ــ دينا القلش
>.. ولحظة تَجلٍ > صور أرشيف الأهرام


عاش المطرب محمد عبدالمطلب صاحب الصوت القوى الملقب بملك المواويل حياة مزجت باحترافية بين حلاوة النجاح ومرارة الفشل متنقلا بين مرتبة أصحاب الآلاف مرة وأصحاب الملاليم مرات، ولكن فى كل مرحلة، كان عبدالمطلب، الذى تحل هذه الأيام ذكرى ميلاده الـ111 صادقا مع نفسه وفى أشد الوفاء لفنه.



ولد الفنان الكبير، واسمه بالكامل محمد عبدالمطلب الأحمر، ببلدة «شبراخيت» فى محافظة البحيرة، يوم 13 أغسطس 1910، نشأ فى بيئة ذات طابع محافظ، فخاله الشيخ محمد دراز عضو جماعة كبار العلماء ووكيل الأزهر السابق، دخل إلى صفوف الكتاتيب ليغادرها سريعا ويختار «الفلاحة» التى أحبها لأنها تمنحه فرصة الغناء بينما كان يزرع القمح ويجنى القطن.




عن هذه البدايات، يحكى الباحث المتخصص فى تاريخ الغناء العربى محب جميل وصاحب كتاب «محمد عبدالمطلب: سلطان الغناء»: «الفضل فى إطلاق «طلب» على المسار الفنى السليم كان لأستاذه الأول الموسيقار داود حسنى، الذى أحب خامة صوت تلميذه واستعداده، فغمره بفيض من علوم الموسيقى». ويضيف جميل: «عندما وجد طلب فى نفسه القدرة على مواجهة الجمهور، طالب حسنى قائلا:



عاوز أغنى فى مسرح الأزبكية



ورد عليه حسنى قائلا:



-لأ.. لسة شويه لما تتمرن كويس



- أرجوك يا أستاذ لازم أغنى وإن شاء الله ترضى عنى.



وعلى الرغم من عدم اقتناع حسنى بفكرته فإنه حقق أمنية «طلب»، وتحققت نبوءة الفشل، فما كاد طلب يغنى: « أنا فى غرامك شفت عجايب.. خلينا مع بعض حبايب»، حتى انهالت عليه أصوات الاستهجان والرفض.



ويكمل محب جميل موضحا كيف أعان داود حسنى طلب على علاج احتباس صوته، عندما نصحه بالتزام الأذان لصلاة الفجر حتى تستقيم أحباله الصوتية، وبالفعل نفذ «طلب» النصيحة وواظب بعدها على الأذان.



ولكن داود حسنى لم يكن الأستاذ الأوحد لطلب، فيحكى محب جميل: « كان الموسيقار محمد عبدالوهاب الأستاذ الثانى لطلب، عندما استجمع طلب شجاعته وطرق باب الموسيقار العملاق وذلك فى أثناء فترة دراسة طلب بمعهد الموسيقى العربية».



ويكمل محب جميل روايته، فيقول: «استمع عبدالوهاب لصوته وضمه «مذهبجيا» فى تخته الخاص وتوسط له لدى شركة «بيضافون»، وهى شركة لبنانية الأصل، وكان وراء إنتاج أول 6 أسطوانات للمطرب الشعبى الفريد».



ويكمل: «كانت وساطة عبدالوهاب بداية لطرح طلب أول 6 اسطوانات. ولكن علاقة طلب بعبدالوهاب انتهت تأثرا بتراجع الأخير عن وعده لطلب بالسفر معه إلى باريس لمشاركته فى تسجيل أغنية لفيلم «الوردة البيضاء».



وعن المحطات الفارقة فى حياة طلب الفنية، يشير محب جميل إلى قبول الفنانة بديعة مصابنى له للغناء بصالتها، وهناك استقبله الجمهور استقبالا مشجعا وتعرف على الموسيقار محمود الشريف «1912-1990».



وعن هذه المرحلة، يصرح محمود الشريف للأهرام فى 29 أغسطس 1980، بأن رحلة كفاح مشتركة جمعته بـ «طلب»، وذلك منذ عام 1932، عندما قدما معا أغنية طلب الشهيرة «بتسألينى بحبك ليه». ودامت العلاقة الفنية الفريدة بين «طلب» و«الشريف» أكثر من 40 عاما قدما خلالها عشرات الأغنيات الناجحة منها: «ودع هواك»، و»يابو العيون السود»، واعتبر الشريف أنه ليس هناك مطرب شعبى حقق ما حققه «طلب» كرائد للغناء الشعبى.



أما عن انضمامه للإذاعة، فيروى جميل أن ذلك تحقق فى فبراير عام 1936، وغنى فى أول يوم أغنية: «الفؤاد ليله نهاره» من ألحان زكريا أحمد، ومونولوج «رسمك فى قلبى» من تلحين رياض السنباطى، وعن مسيرته السينمائية، فكانت بدايتها عام 1945، بفيلم «تاكسى حنطور»، ثم فيلم « الصيت والغنى»، وصولا لآخر أفلامه «خمسة شارع الحبايب».



ولم يقتصر أثر «طلب» على الجمهور المصرى، فقد كانت روابط قوية تجمعه بالجمهور العربى. ففى عام 1937، سافر «طلب» لإحياء مجموعة حفلات من إذاعة «هنا القدس»، حيث بث منها لأول مرة بمصاحبة «فرقة جميل عويس»، ويروى محب جميل عن نجاحات «طلب» فى فلسطين، موضحا أن يحيى اللبابيدى، مدير البرامج الفنية بإذاعة القدس وقتها، تعمد إخفاء جواز سفر «طلب» للحيلولة دون عودته إلى القاهرة.



كل هذه النجاحات وراءها سر، وفى تصريحات صحفية له نهاية الخمسينيات، يعترف «طلب» بهذا السر الذى قد يبدو مضحكا، قائلا: «طربوشى هو سر نجاحى، فقد أصبح بمرور الأيام جزءا لا يتجزأ من شخصيتى ولو تخليت عن طربوشى فى أى حفلة غنائية لى لضيعت نصف تصفيق الجمهور على الأقل، فقد حاول محمد عبدالوهاب أن يقنعنى بخلع طربوشى والغناء دونه فى الحفل الذى حضره الرئيس جمال عبدالناصر والقادة والوزراء فى نادى الضباط ولكنى تمسكت بالطربوش وقلت لعبدالوهاب: «الناس اعتادت التصفيق للطربوش لا لعبدالمطلب، وتأخر رفع الستار بسبب عنادى حتى استحلفنى أحد الحاضرين بحياة الرئيس عبدالناصر أن أخلع طربوشى وعندئذ فقط خلعته وغنيت دونه وكانت المرة الأولى والأخيرة».



وحافظ «طلب» على مكانته الخاصة، بأغنيات لا مثيل لها مثل «اسأل مرة عليا» و«الناس المغرمين» و«ساكن فى حى السيدة»، نال «وسام العلوم والفنون» عام 1964، وجائزة الجدارة فى عيد الفن عام 1979، ورحل عن عمر يناهز السبعين فى 21 أغسطس 1980 بعد أن كان قد وضع الخطوط العريضة لمذكراته واختار لها عنوانا خاصا جدا: «50 سنة يا ليل».