عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«المزار»
5 أغسطس 2021
بقلم ــ سلمى الشماع


فى 1/11/1968 أصبح حديث الناس فى كل مكان، فى مصر أو خارجها عن «المزار». المبنى الرئيسى الجديد لجريدة الأهرام والذى استغرق بناؤه 6 سنوات ليصبح بهذه الحداثة والفخامة والهيبة. أصبح المبنى الجديد هو «المكان» الذى تتوافد على زيارته أفواج مصرية وأجنبية وعربية لذلك أطلق عليه «المزار».

المفاجأة: بالنسبة لى كانت حين أخبرنى والدى بأنه و صديقه حسين صبحى العزيز على قلبى ، والذى يتعامل معه الجميع بوصفه «راعى الفنون» سيأخذاننى معهما لزيارة مبنى الاهرام الجديد.



فعلا؟! حقيقي؟! سأستطيع اكتشاف المزار؟ لقد ظللت ولفترة طويلة اثناء دراستى الجامعية فى قسم الصحافة كلية الاداب بجامعة القاهرة انتظر كل يوم جمعة ان تأتى الصحف الى بيتنا فاسحب منها الأهرام وأبدأ فورا فى قراءة متأنية لمقال الاستاذ هيكل، وبقلمى اكتب خواطرى على الهوامش وأضع خطا تحت أجزاء معينة أنوى الرجوع اليها فى وقت لاحق. ثم انتقل إلى أهم شيء كنت اتابعه بشغف شديد ألا وهو كاريكاتير الرائع «صلاح جاهين» الذى ربطتنى به صداقة نادرة على المستوى الشخصى والعملى فى عمل ثلاثى انتجه التليفزيون المصرى فكنا صلاح جاهين والمخرج المبدع فهمى عبد الحميد وانا.



وما احلى تلك الايام. بعدها ثم انتقل إلى الصفحة الأخيرة «من غير عنوان» ولم أكن أدرى أن أول حرف فى مشوارى الصحفى سوف يكون على يدى الكاتب والفنان والمثقف كمال الملاخ صاحب «من غير عنوان». ثم كنت اتفرغ لقراءة ما يكتبه العمالقة الكبار والذين كانوا دائما مصدر التنوير لى ولكل قراء الجريدة الاكثر انتشارا فى مصر وفى العالم. كنت متحمسة لرؤية هذا «المزار» فأنا دائما ما احب الجديد. ولكن الجديد هذه المرة هو ما كان يخبئه لى القدر فلم أكن أعلم أنه من لحظة دخولى بهو الاستقبال فى الأهرام أكون قد بدأت أول خطوة لى فى بلاط صاحبة الجلالة. تجولنا فى كل مكان والتقينا صدفة بالاستاذ هيكل ودار بين الكبار حوار بعده سألنى الاستاذ هيكل عما استفدته فى قسم الصحافة وأسئلة أخرى. فى اليوم التالى انضممت لأسرة الصفحة الأخيرة تحت رئاسة الكاتب كمال الملاخ.



وفى وقت قليل، تعلمت الكثير فمن ذا الذى يهبه الله نعمة ان يكتشف ويتعلم من وجوده فى محراب الفنون والاداب والثقافة والسياسة والقيم ولا يستجيب؟ لو اخذتك فى جولة يا عزيزى القارئ فى ردهات الدور الرابع، سنجد مكتب الاستاذ هيكل وصالة التحرير والديسك ومع حفظ الالقاب على حمدى الجمال، محمد حقي، سامى منصور، جاكلين خوري، عبد الحميد سرايا، كمال نجيب، حمدى فؤاد، الاخوان احمد وابراهيم نافع، بهيرة مختاروعايدة رزق، وقد اصبحت صديقتى الحميمة و سناء البيسي، ولن استطيع ان اعبر عن اعجابى واعتزازى وفخرى بهذه المخلوقة البديعة على كل المستويات. هناك أسماء كثيرة لو حاولت ذكر أسمائهم فلن استطيع.

اما فى الدور السادس فلابد ان نتحرك على أطراف الأصابع وفى صمت إذ يحتمل ان نسمع دقة عصا توفيق الحكيم او ضحكة من القلب لنجيب محفوظ على مشاغبة من يوسف ادريس، ومن الجائز ان نتقابل وجها لوجه مع زكى نجيب محمود أو د. لويس عوض جنبا إلى جنب مع د. محمد مندور.

والحقيقة اننى كنت محظوظة بأننى تعرفت على اصحاب هذه القامات والمقامات بشكل او بآخر. ولكن معرفتى بالكبير نجيب محفوظ كانت الاكبر والاقرب منذ ان كنت طالبة اقرأ كل أعماله حتى عملت بالتليفزيون واجريت معه الكثير من الحوارات. اما على المستوى الشخصى فكانت هناك صداقة كبيرة تجمع بينه وبين المخرج الكبير توفيق صالح وقد ضمونى اليهما.

هنا اسمحوا لى ان اسهب فى وصف يوم عمل لى فى جريدة الأهرام وليكن اى يوم فى عام 1970. بكل الحماس والتفاؤل وبخطوات ثابتة سريعة ومسموعة القى تحية الصباح على موظفى الاستقبال وأجرى نحو الاسانسير قبل ان يغلق ابوابه. النظافة والرائحة الزكية والنباتات الجميلة والوجوه المبتسمة واللوحات الفنية للأخوين وانلى وصلاح طاهر ومحمود سعيد وانجى افلاطون وغيرهم الكثيرون يحيطوننا على كل جدار وفى كل مكان كأنك فى جاليرى فنية.

وأصل الدور الرابع وامشى فى الممر الطويل فى قلب هدوء لا اسمع فيه إلا صوت خطواتي. لا يوجد أى نوع من انواع التلوث سمعا كان او بصريا. احترامك لتقاليد وسلوكيات الأهرام امر مفروغ منه. شرف المهنة ،امانة الكلمة ،الانتماء والالتزام والانخراط فى العمل الجاد، كل ذلك يندرج تحت مصطلح الجودة،quality، مما يؤدى الى الرقي.

وسط كل تلك التفاصيل اليومية يخرج من باب مكتبه الاستاذ كمال الملاخ (كان دائما ما يضطر للانحناء قليلا ليتخطى الباب لأنه كان طويل القامة) وكان متجهم الوجه وطلب منى ان اذهب فورا مع المصور الى منزل الفنان الضيف احمد لتغطية اسباب وفاته المفاجئة. وهكذا ينتهى يومى بهذه المهمة الحزينة. كنت اتمنى ان تسند هذه المهمة لأى زميل اخر ولكن هذه طبيعة مهنة الصحافة يوم مر ويوم حلو. كل التمنيات الطيبة لجريدة الاهرام فى عيدها الـ 145.

سيظل الاهرام له مكانة خاصة جدا فى قلبي.