عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
رسالة تونس .. الفساد يجهض الديمقراطية
2 أغسطس 2021
د. حسن أبوطالب


تثير قرارات الرئيس التونسى قيس سعيد المُعلنة يوم25 يوليو المنصرم، الكثير من الإشكاليات الفكرية، إلى جانب التأثيرات السياسية والاقتصادية المباشرة أو غير المباشرة. ويشهد هدوء الشارع التونسى رغم بعض الأصوات الناقدة أو لنقل المتخوفة من تداعيات تلك القرارات، على ارتفاع نسبة تأييد المواطنين التونسيين وكثير من منظمات المجتمع المدنى لعملية تغيير النهج السياسى العام من خلال الصلاحيات الدستورية للرئيس، ومحاسبة السياسيين المتهمين بالفساد المالى ونهب ثروة الشعب التونسى من خلال مرفق القضاء والقوانين النافذة، وليس عبر إجراءات استثنائية تتجاوز القانون. لقد مَلّ الشعب التونسى من حالة التشرذم الحزبى والتشتت السياسى التى تغلبت على الحياة السياسية، ومنعت الحكومات العشر التى تشكلت طوال عقد كامل من تحقيق الحد الأدنى من حقوق التونسيين المشروعة فى الإصلاح الاقتصادى ورفع مستوى المعيشة والقضاء على البطالة والفساد ومحاربة الاستيلاء على المال العام. بل حدث العكس تماما مما أفقد المواطن العادى ثقته فى النظام السياسى ككل، وجاء الفشل المُركب فى مواجهة وباء كوفيد 19 ليزيد من آلام الشعب، ويدفعه الى المطالبة بالتغيير الجذرى، أشخاصا وسياسات وأحزابا. ولا يخلو الأمر من عدة إشكاليات فكرية وسياسية، وكلاهما مترابطان. ففى المجال الفكرى، طغت إشكالية التحسر على الديمقراطية كنهج سياسى، يقابلها التخوف من العودة إلى شكل من الديكتاتورية الشعبوية، والتى سادت فى تحليلات الصحافة والاعلام الأوروبى والأمريكى، ونُشرت فى صحف بارزة كالجارديان والواشنطن بوست وفايننشيال تايمز والفورين أفيرز وغيرها، والتى تضمنت بدورها انتقادات حادة لتلك القرارات الرئاسية. وجل التركيز استند إلى افتراض أن الديمقراطية وتعدد الأحزاب وحرية الرأى، وهى ثمار ما يرونه ربيع تونس الشهير، باتت فى خطر جسيم، وأن البلاد على وشك التحول إلى نظام يقوده رئيس شعبوى يتسم بالفردية والديكتاتورية. الأكثر من ذلك، فالعديد من كتاب هذه المصادر يُحفزون ويحرضون الرئيس الأمريكى بايدن والحكومات الغربية على التدخل بقوة من أجل ما يرونه تغييرا ضروريا لمسار الأحداث فى تونس حفاظا على ما يعتبرونه تجربتها الديمقراطية التى تبدو نادرة عربيا. لا ينظر هؤلاء الكتاب الأوروبيون والأمريكيون الذين يتغنون بشعارات لا علاقة لها بالواقع، إلى الحصيلة الفعلية لعقد كامل من الخواء السياسى الذى أفقر الناس ودفع بهم الى حالة يأس من كل القيادات السياسية التى سيطرت على المشهد، ولم تقدم شيئا مما يعتبر وعود التغيير والثورة، ومن ثم وجد التونسيون فى قرارات الرئيس لوقف حال التدهور نوعا من النجاة وقدرا من الأمل لإصلاح الأحوال، وبداية لازمة للتغيير الشامل. لا يهتم المدافعون الغربيون وأمثالهم المحليون عن الوجود الشكلى لمظاهر ديمقراطية بتطلعات الناس وهمومهم، يكفيهم أن تكون هناك انتخابات وأحزاب منفصلة عن الواقع كما هو الحال فى تونس. وتلك بدورها إشكالية تخص الفكر الغربى الذى ينظر للأمور من خلال تجربته الخاصة، ولا يتصور أن هناك تجارب أخرى فى الحكم يمكنها أن تقدم مصالح الشعب على أى شىء آخر، وتعمل على تطوير حياته بشفافية ونزاهة وصدق. فإذا كان وجود المؤسسات التى تعكس تعددية الواقع ضروريا، فإن الأولى هو أن تكون تلك المؤسسات فعالة وقادرة على حماية مقدرات البلاد والشعب، ولديها من الكفاءة لتسيير شئون البلاد، وقادرة على التخلص من العناصر الفاسدة داخلها. وبالرغم من أن قرارات الرئيس قيس سعيد، لاسيما رفع الحصانة عن نواب البرلمان وتفعيل النيابة العامة، وكلاهما كانا يعطلان فى ظل هيمنة النهضة الإخوانية وحلفائها أى جهد لمحاسبة الفسدة من البرلمانيين وغيرهم من الشخصيات النافذة، ومن ثم فهى قرارات تُعد بمثابة بعث للفعالية والقدرة للبرلمان بعد التخلص من كل العناصر المشبوهة، وبالتالى تفيد العملية التعددية فى ظل نزاهة وشفافية كانت مفقودة طوال العقد المنصرم. ولذا يبدو تجاهل هذا البُعد المهم من تقييمات كتاب الغرب لما يجرى فى تونس وكأنه دعم للفساد وتحريض على الشفافية والمحاسبة، ما يبرز انحيازات فكرية غربية مريضة وفاسدة. من الناحية السياسية، تدخل تونس مرحلة جديدة، فالتخلص من الفاسدين وناهبى أموال الشعب، ودفعهم إلى رد تلك الأموال فى صورة مشروعات تنموية تُدار بكفاءة ومسئولية لمدة عشر سنوات مقبلة، يطرح بدوره العلاقة بين أهمية تطهير النخبة وتفعيل الحياة السياسية، شريطة أن تتم كل عمليات المحاسبة عبر القانون ومن خلال القضاء وما فيه من ضمانات. والراهن أن الرئيس قيس سعيد وهو رجل قانون، حريص على تلك المحاسبة المُصانة بالقانون والدستور. ولكن الأمر يتطلب ضمانات أخرى ذات طابع عام، وهو ما تطالب به قوى سياسية تحت مسمى خارطة طريق لما سيحدث خلال الشهر المحدد لتجميد البرلمان وتشكيل حكومة تسيير أعمال، وما بعد ذلك من إصلاحات سياسية وربما دستورية قد يرافقها استفتاء وانتخابات برلمانية ورئاسية فى غضون عام أو عامين.



وفقا لتصريحات الرئيس التونسى فلديه تصور فى هذا المضمار، والأيام المقبلة سوف تشهد طرح هذا التصور للحوار الوطنى العام، وصولا الى التوافق المجتمعى، الذى يُعد الشرط الرئيسى لنجاح الإصلاحات السياسية المطلوبة. البلاد على وشك مرحلة شد وجذب سياسى، من شأنها أن تصحح أخطاء كارثية حدثت فى السابق. ليس المهم التوافق على نظام برلمانى خالص، أو بديل له رئاسى واضح الصلاحيات والمعالم، بل المهم أن يتم الحوار العام بدوافع وطنية، وبقدر من الرُشد السياسى وصولا الى التوافقات المطلوبة فى زمن قياسي. وكلما ارتفع قدر المسئولية الوطنية لدى الأحزاب والقوى المدنية التونسية، وحاصرت قوى الهدم والنهب والإرهاب والتطرف، كلما تجنبت تونس أسوأ الخيارات، وقدمت تجربة إصلاح سياسى جديرة بالاحترام.