ليس صدفة أن أحد أشهر مؤلفاته يحمل اسم «ضحكات عابسة» بينما يحمل كتاب آخر اسم «ضحكات صارخة»، فالسخرية لدى محمد عفيفى 1922 ــ 1981 تقترن دائما بحالة من الشجن، هى قدرة بارعة على اصطياد المفارقة فيما يبدو معتادا، ورصد التناقض فى حياتنا الاجتماعية فتصبح النكتة صرخة احتجاج، والإفيه مدخلا لمناقشة موضوع كبير!
ولكن من هو محمد عفيفى أصلا؟
سؤال مشروع رغم ما يثيره من أسى مشروع، فالرجل سقط فى هوة النسيان بفعل الذاكرة المثقوبة التى لا تحفل بأصحاب المواهب الجادة ممن لا يتقنون مهارة العلاقات العامة ، لكن تبقى مقالاته الصحفية ومؤلفاته مثل «تائه فى لندن», و«ابتسم من فضلك», و«ابتسم للدنيا», فضلا عن رواياته و قصصه ورحلاته مثل «حكاية بنت اسمها مرمر»، و«التفاحة والجمجمة»، و«سكة سفر»، و«فانتازيا فرعونية» شاهدة على واحد من أكثر أساليب الكتابة سلاسة وصفاء ورشاقة وقدرة مدهشة على رؤية المضحك وسط غلالة من الدموع، وإبراز المبكى وسط ضحكات تتوالى لرجل استلقى على قفاه!
كان عفيفى أحد أعمدة شلة «الحرافيش» لمؤسسها نجيب محفوظ الذى كان يكن له تقديرا غير عادى، فماذا قال صاحب نوبل عن صاحب ترانيم فى ظل تمارا؟
يقول محفوظ: نهل محمد عفيفى من بحر الثقافة بعمق وشمول وقام فى ذلك برحلة طويلة بدءًا من التراث وحتى أحدث ما تموج به من تيارات فكرية وفنية واجتماعية، ومع ذلك فقد عُرف بالكاتب الساخر، فمنذ زمن مبكر جدًا اكتشف عبثية الوجود والمجتمع، وتابعهما بعين متفتحة فى الطبيعة والعلاقات الاجتماعية والتقاليد البشرية والحياة اليومية .
صدقت يا عمنا، وليت كنت بيننا لتعرف كيف امتد الزمن لتوغل العبثية فى المزيد ولتؤكد أنه قدر كاتبنا الساخر حيا وميتا، فالمرء لا يكاد يكتب اسمه حتى تتوه محركات البحث بين عشرات الناس الموقرين الذين يتشابهون أو يتطابقون معه فى الاسم، حتى أن موقعا مخصصا فى اقتباسات يورد بعض مقولاته مع صورة للشاعر محمد عفيفى مطر، بينما يستعرض موقع آخر بعض مؤلفاته مع صورة للدكتور محمد عفيفى، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب، جامعة القاهرة!
سلاما لروح كاتب حقيقى قال ذات يوم «أحيانا أميل إلى قراءة الكتابات الخرافية، بالأمس عكفت ساعة على قراءة ميثاق حقوق الإنسان»، والذى أهدى الزوج حكمة خالدة حين قال: «لا تلم زوجتك على رداءة ذوقها، أليست هى التى اختارتك ذات يوم؟»، كما سبح عكس التيار وهو يؤكد: «لو أننى عملت بنصيحة الشاعر وامتنعت عن إجابة السفيه إذا نطق فمعنى ذلك أننى سأقضى معظم حياتى ساكتا!».