لا يعنى التعامل مع التكنولوجيا، بالضرورة حرفية التعامل مع محتوياتها، وأكبر دليل على ذلك أن أولادنا أفضل منا فى التعامل معها بكل أنواعها إلا أن ذلك لا يدل على أن لهم نفس الإتقان عندما يتعلق الأمر بالحكم على مصداقية المعلومات التى يستقونها منها، وهذا هو ما يهمنا، لكى يتم التمييز بين السليم والسقيم، خاصةً أن حياتنا أصبحت تتشكل حول تطبيقاتها، حيث بدأ كل شئ فى الاتجاه نحو ذلك المغناطيس الذى يجذبنا إليه بقوة، وكأننا نسبح فى بحر من المعلومات على هيئة كلام مرسل لا يمكن الاستناد إليه، وحيث أننا نحتاج إلى عملية تنمية تُبنى على فكرٍ واعٍ لمسايرة المتطلبات العصرية فى توجيه دفة التنمية، فإنه يجدر بنا أن نكون على دراية تامة بأن هذه التكنولوجيا لها وجهان، إما أن تُغذى ثقافتنا، وتزيد معرفتنا لزيادة الوعى وبناء الشخصية بالشكل المأمول، أو أن تفرز مفهوماً ثقافياً يفتقد الأبعاد الفكرية والمعرفية والثقافية لكونها لا ترتكز على هدى أو كتابٍ منير، بل على كل ما يُثير انتباه المتابعين لتأخذهم سريعاً إلى عبثية المعلومات وتوافه التوجهات، فكم هو مفزع أن تُرمى المقدرات البشرية فى زيف واقعٍ فضائيٍ يهرول بنا نحو المجهول كسرابٍ إذا جئناه لم نجده شيئاً، دون أن يُرشدنا لتنميتها فكرياً ودينياً وتوجهاً، فالمجتمع العاجز عن ذلك غالباً ما يعجز عن التنمية الحقيقية.. إن التعامل مع هذه الأجهزة ليس بالسهولة التى نتصورها، فوصول المعلومة شئ، ومدى تأثيرها شئ آخر، فهى عملية تحتاج إلى فرز وتقنين لإعادة صياغتها لكى تتسق ومقتضيات الرؤى المحرضة على القيم الإيجابية، والنفاذ إلى مراميها، فيزداد رصيدنا من «المضامين الحِسان»، كهدفٍ أصيل لإحداث التغيرات الرامية إلى شق دروبٍ جديدة ترسم حدوداً للممارسات الفعالة، وتُمهد للنضج الذى يُفيدنا جميعاً، والمحقق للتنمية والنهضة .
عبدالحى الحلاوى