عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«حميثرة».. تتزين فى «ذى الحجة» لمحبى «أبو الحسن الشاذلى»
19 يوليو 2021
البحر الأحمر ــ عرفات على


أرادت «الصدفة» أن يكون لتلك البقعة من الصحراء الجدباء ، التى لم تحظ بأى مظهر من مظاهر الحياة، دور جديد أكثر أهمية وجذبا للأنظار. فقد باتت منطقة «وادى حميثرة» أقرب إلى «العاصمة الدينية» بمحافظة البحر الأحمر، ليقصدها الآلاف من جميع محافظات مصر وعدد غير محدود من بلاد المغرب العربى والإسلامى، فيتبدل حالها أعظم تبدل بعد أن عانت عقودا من الإهمال والوحدة.



وكان عنصر قلب الموازين لصالح «وادى حميثرة» فى وصول القطب الجليل، الشيخ «أبو الحسن الشاذلى» ومعه بعض من أتباعه، حيث كان وفد الزائرين بمنزلة «الشمعة» التى أضاءت هذا المكان والتى توهجت إضاءته خلال السنوات الأخيرة.



تفاصيل أكثر عن الانقلاب الذى جرى فى مصير «وادى حميثرة» يرويها محمد عبده حمدان، أحد أبناء محافظة البحر الأحمر، والمهتم بتاريخها، فيقول إن نشأة مقام «أبو الحسن الشاذلى» له قصة إنسانية متعددة الأبعاد. ويبدأ حمدان موضحا أن نسب هذا القطب الجليل يرجع إلى على بن أبى طالب، كرم الله وجهه. وقد ولد الشاذلى بالمغرب عام (٥٩٣ هجريا ـ ١١٩٧ ميلاديا) فى قرية تسمى «غمارة» بالقرب من مدينة «سبتة». ونشأ بهذه القرية وحفظ القرآن الكريم ودرس العلوم الدينية، حتى برع فيها وتفوق.



وتميز الشاذلى بجمال المظهر ومراعاة «الهندمة» تحديدا عند زيارة المسجد، وكان له جولات متعددة فى المشرق والمغرب فى سبيل الدعوة إلى الله ورسوله ففى بداية حياته، ارتحل إلى بغداد مهاجرا إلى الله، خاصة أن العاصمة العراقية كانت تضم كبار الفقهاء وأئمة الصوفية. ثم عاد إلى «غمارة»، وهناك التقى الولى الكبير عبد السلام بن مشيش، إمام أهل المغرب، فانبهر الشاذلى بعلمه واستمع راضيا لنصحه.



وقد نصح ابن مشيش الشاذلى بالارتحال إلى تونس، وأن يسكن هناك بلدة تسمى «شاذلة»، ومن هنا ارتبط به لقب «الشاذلى». وعندما انتقل إلى تونس، التف حوله العامة والنخبة، وبينهم الشيخ الصالح أبو العزائم ماضى بن سلطان، وهو خادم الشاذلى فى هجرته التالية إلى مصر.



واستقر الشاذلى فى مصر من عام ١٢٤٤ ميلاديا، واتخذ من الإسكندرية بمنطقة «كوم الدكة»، تحديدا مقرا للإقامة. وكان يلقى دروسه فى «مسجد العطارين» ثم انتقل إلى القاهرة، ومنها إلى صعيد مصر. وعندما نزلت القوات الصليبية بمصر ووقعت معركة المنصورة الشهيرة فى فبراير عام ١٢٥٠ ميلاديا. وكان لـ «أبو الحسن» دور كبير فى الجهاد الروحى والاجتماعى، وذلك بتشجيعه الجمهور على الجهاد.



التزم الشاذلى بالسفر سنويا لأداء فريضة الحج، فكان يعبر الصحراء الشرقية، وتحديدا عبر مدينة قوص إلى ميناء «عيذاب» بالبحر الأحمر، ثم يعبر البحر إلى الحجاز، وكان يتوجه إلى مكة مبكرا قبل بداية موسم الحج.



وفى آخر عام خرج فيه قاصدا الحج، خاطب خادمه «أبو العزائم ماضى»، قائلا: «سيكون معنا فأس وقفة وحنوط (والحنوط هو الطيب الذى يتطيب به الميت)». فأجابه ماضى متسائلا: «ولم ذلك ياسيدى؟»، فقال له: «فى حميثرة سوف ترى». وكان ذلك فى شهر شوال عام ٦٥٦هجريا، ما يوافق أكتوبر عام ١٢٥٨ ميلاديا. فلما وصل إلى «وادى حميثرة»، بصحراء «عيذاب»، وقبل اتجاهه إلى الميناء، وافته المنية وسط أتباعه، فغسله الشيخ أبو العباس ودفن فى نفس المكان، الذى بات يحتضن ضريحه حاليا.



بدأ الضريح أول الأمر بدائيا ثم توالت عليه التطويرات المتعاقبة من قبل المحافظة، حتى كان قيام الفريق يوسف عفيفى، محافظ البحر الأحمر سابقا باستصدار قرار فى عام ١٩٨٢ بإنشاء قرية الشيخ الشاذلى. وأصبحت أحد أهم المقاصد الدينية بالمحافظة، حيث عبدت إليها الطرق، وأقيم ما يقرب من عشرة ساحات أهلية، ليتحول هذا المكان لمقصد رئيسى للسياحة الدينية ويزدهر الإقبال عليه خاصة فى شهر ذى الحجة.