عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حافظ إبراهيم يعلق حزينا: « فَما أَنتِ يا مِصرُ دارُ الأَديبِ»
16 يوليو 2021
000;
حافظ ابراهيم


كان الجدل الذى أثارته قضية الشيخ على يوسف وصفية السادات متشعبا وكاشفا لتطرف المجتمع المصرى فى طبقيته بدايات القرن العشرين.



فقد جاءت نصوص مرافعات محامى أسرة السادات وأحكام القاضى أحمد أبو خطوة موجعة جارحة، تؤكد مع كل كلمة وحرف أن كون الشيخ على يوسف «عظيم بنفسه لا بنسبه»، كما وصفه أحمد بهاء الدين، لن تكفيه. وأن ما حققه من ريادة فى تمصير الصحافة ببلاده، وما التزمه من مواقف وطنية خالصة شجاعة، كلها أسباب لا تكفى لنيله الاحترام والتقدير الكافيين حتى يعتبر كفؤاً لصفية السادات. بل إن مما جاء فى حكم أبو خطوة بشأن ترقى الأحوال الاجتماعية والمالية لعلى يوسف، أن « الثراء اللاحق لا يمحو عن صاحبه وصمة الفقر السابق»، فى تعبير يجعل من أحوال الفقر «عارا» ملازما لصاحبه لا خلاص منه بزيادة المال وتعاظم الجاه لاحقا.



كما أن القضية كشفت نظرة بالغة التدنى لمهنة أهل الصحافة وقتها، والتى بلغ محامى أسرة السادات فى تحقيرها حد وصفها بأنها من أشكال التجسس. ولم يشفع لعلى يوسف أنه ما لجأ إلى التجسس إلا رغبة فى كشف أسرار الاحتلال الإنجليزى، كما توثق قضية «التلغراف» والتى كانت من كبريات قضايا الصحافة مطلع القرن العشرين.



فقد تحايل على الخناق، الذى ضيقه الاحتلال البريطانى حول «المؤيد»، فكان يسعى وراء الخبر سعيا جهيدا. فتحالف مع موظف وطنى بمكتب تلغراف القاهرة يدعى توفيق كيرلس، والذى كان يسرب لصاحب المؤيد نصوص البرقيات السرية المرسلة من اللورد هربرت كتشنر (1850-1916) قائد الجيش المصرى وقتها إلى وزارة الحربية بشأن حالة القوات المصرية فى السودان. وقد شهدت هذه القضية جولات متعددة ، انتهت ببراءة الصحفى والموظف.



وحسب الكاتب أحمد بهاء الدين فى توثيقه، أن حتى وأن الأمور قد انتهت إلى ما أراد على وصفية من القرب والاقتران، إلا أن على يوسف لم يتجاوز أبدا الطعنات المعنوية التى لحقت به خلال أيام القضية.



ففى السنوات الأخيرة من عمره، نال لقب الباشوية، وبات زعيما لحزب الإصلاح الدستورى، لكنه ترك لاحقا العمل الصحفى ليسجل اسمه فى سجل «الأشراف» ويصبح شيخا للطريقة «الوفائية».



وقد انفعل الشاعر الكبير حافظ إبراهيم (1872ــ1932) انفعالا عظيما بقضية «على يوسف وصفـية السادات» وما كشفته عن النظرة المتدنية لأهل الإبداع والقلم، فنظم قصيدة وجاءت أبياتها كالتالى:



حَطَمتُ اليَراعَ فَلا تَعجَبي



وَعِفتُ البَيانَ فَلا تَعِتبي



فَما أَنتِ يا مِصرُ دارُ الأَديبِ



وَلا أَنتِ بِالبَلَدِ الطَيِّبِ



وَكَم فيكِ يا مِصرُ مِن كاتِبٍ



أَقالَ اليَراعَ وَلَم يَكتُبِ



فَلا تَعذِلينى لِهَذا السُكوتِ



فَقَد ضاقَ بى منكِ ما ضاقَ بي



أَيُعجِبُنى مِنكِ يَومَ الوِفاقِ



سُكوتُ الجَمادِ وَلِعبُ الصَبي



وَكَم غَضِبَ الناسُ مِن قَبلِنا



لِسَلبِ الحُقوقِ وَلَم نَغضَبِ



أَنابِتَةَ العَصرِ إِنَّ الغَريبَ



مُجِدٌّ بِمِصرَ فَلا تَلعَبي



يَقولونَ فى النَشءِ خَيرٌ لَنا



وَلِلنَشءِ شَرٌّ مِنَ الأَجنَبي



أَفى الأَزبَكِيَّةِ مَثوى البَنينِ



وَبَينَ المَساجِدِ مَثوى الأَبِ



وَكَم ذا بِمِصرَ مِنَ المُضحِكاتِ



كَما قالَ فيها أَبو الطَيِّبِ



أُمورٌ تَمُرُّ وَعَيشٌ يُمِرُّ



وَنَحنُ مِنَ اللَهوِ فى مَلعَبِ



وَشَعبٌ يَفِرُّ مِنَ الصالِحاتِ



فِرارَ السَليمِ مِنَ الأَجرَبِ



وَصُحفٌ تَطِنُّ طَنينَ الذُبابِ



وَأُخرى تَشُنُّ عَلى الأَقرَبِ



وَهَذا يَلوذُ بِقَصرِ الأَميرِ



وَيَدعو إِلى ظِلِّهِ الأَرحَبِ



وَهَذا يَلوذُ بِقَصرِ السَفيرِ



وَيُطنِبُ فى وِردِهِ الأَعذَبِ



وَهَذا يَصيحُ مَعَ الصائِحينَ



عَلى غَيرِ قَصدٍ وَلا مَأرَبِ



وَقالوا دَخيلٌ عَلَيهِ العَفاءُ



وَنِعمَ الدَخيلُ عَلى مَذهَبي



رَآنا نِياماً وَلَمّا نُفِق



فَشَمَّرَ لِلسَعيِ وَالمَكسَبِ



وَماذا عَلَيهِ إِذا فاتَنا



وَنَحنُ عَلى العَيشِ لَم نَدأَبِ



أَلِفنا الخُمولَ وَيا لَيتَنا



أَلِفنا الخُمولَ وَلَم نَكذِبِ



وَقالوا المُؤَيَّدُ فى غَمرَةٍ



رَماهُ بِها الطَمَعُ الأَشعَبي



دَعاهُ الغَرامُ بِسِنِّ الكُهولِ



فَجُنَّ جُنوناً بِبِنتِ النَبي



فَضَجَّ لَها العَرشُ وَالحامِلوهُ



وَضَجَّ لَها القَبرُ فى يَثرِبِ



وَنادى رِجالٌ بِإِسقاطِهِ



وَقالوا تَلَوَّنَ فى المَشرَبِ



وَعَدّوا عَلَيهِ مِنَ السَيِّئاتِ



أُلوفاً تَدورُ مَعَ الأَحقُبِ



وَقالوا لَصيقٌ بِبَيتِ الرَسولِ



أَغارَ عَلى النَسَبِ الأَنجَبِ



وَزَكّى أَبو خَطوَةٍ قَولَهُم



بِحُكمٍ أَحَدَّ مِنَ المَضرِبِ



فَما لِلتَهانى عَلى دارِهِ



تَساقَطُ كَالمَطَرِ الصَيِّبِ



وَما لِلوُفودِ عَلى بابِهِ



تَزُفُّ البَشائِرَ فى مَوكِبِ



وَما لِلخَليفَةِ أَسدى إِلَيهِ



وِساماً يَليقُ بِصَدرِ الأَبي



فَيا أُمَّةً ضاقَ عَن وَصفِها



جَنانُ المُفَوَّهِ وَالأَخطَبِ



تَضيعُ الحَقيقَةُ ما



وَيَصلى البَريءُ مَعَ المُذنِبِ



وَيُهضِمُ فينا الإِمامُ الحَكيم



وَيُكرِمُ فينا الجَهولُ الغَبي



عَلى الشَرقِ مِنّى سَلامُ الوَدودِ



وَإِن طَأطَأَ الشَرقُ لِلمَغرِبِ



لَقَد كانَ خِصباً بِجَدبِ الزَمانِ



فَأَجدَبَ فى الزَمَنِ المُخصِبِ