عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
مارى سيمون .. أول حاكم عام للسكان الأصليين فى كندا
14 يوليو 2021
شيماء مأمون
مارى سيمون


«أستطيع أن أقول بثقة إن تعيينى هو لحظة تاريخية وملهمة لكندا، وخطوة مهمة إلى الأمام على الطريق الطويل نحو المصالحة.. فهذه لحظة أمل يشعر فيها جميع الكنديين بأنهم جزء منها، لأن تعيينى يعكس تقدمنا نحو بناء مجتمع أكثر شمولاً وعدلاً وإنصافاً».. جاءت هذه الكلمات ضمن الخطاب التى ألقته مارى سيمون، بعد أن تم تعيينها فى منصب الحاكم العام الكندى، لتصبح بذلك أول ممثلة للتاج البريطانى من السكان الأصليين، وهو ما يعد سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ هذا المنصب.



ويعد تعيين مارى سيمون، بمثابة خطوة ذات صدى رمزى واسع فى البلاد، لاسيما أن الحكومة الكندية تسعى إلى القيام بإجراء مصالحة مع سكانها الأصليين، بعد عقود من الانتهاكات الممنهجة التى ارتكبتها ضدهم، بما فى ذلك برامج «الاستيعاب القسري»، والذى تسبب فى موت الآلاف من أطفال السكان الأصليين، حيث تم اكتشاف مئات القبور لرفاتهم فى مواقع المدارس التى كانت تديرها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية سابقا. وأفادت لجنة «الحقيقة والمصالحة الكندية» بأن عشرات الآلاف من هؤلاء الأطفال تم إهمالهم وإساءة معاملتهم فى هذه المدارس الداخلية، التى أُجبروا على الالتحاق بها، وأن ما حدث داخلها كان شكلا من أشكال «الإبادة الجماعية الثقافية». الأمر الذى أثار موجة من الغضب حول التمييز الذى تمارسه البلاد ضد السكان الأصليين، الذين تعرضوا على مدى عقود طويلة، لأسوأ أشكال ممارسات العنصرية.



ويشير تقرير نشرته صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية، إلى أن تعيين سيمون يعكس أولويتين مهمتين من أولويات السياسة العامة، التى تعهد بها رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو، وهما المصالحة مع السكان الأصليين وتعزيز حقوق المرأة. وقال ترودو خلال خطاب تعيين سيمون «نحن بحاجة إلى المزيد من القادة مثلها فى المناصب العليا»، ووصفها بأنها شخصية لديها القدرة على فهم القضايا المهمة وإحداث تغيير إيجابى بها، حيث تمتلك المهارات اللازمة التى ستضفى مصداقية وكفاءة على منصب الحاكم العام.



وقع الاختيار على سيمون لتولى منصب الحاكم العام بعد استقالة جولى باييت، التى تركت منصبها فى يناير الماضي، نظرا للهجوم الإعلامى عليها نتيجة قيامها بإثارة بيئة عمل سامة داخل مكتب نائب الملكة. ومن المقرر أن تؤدى سيمون اليمين الدستورية قريبا. وتتمثل المسئولية الرئيسية للحاكم العام لكندا فى حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات، بناء على طلب رئيس الوزراء. الجدير بالذكر أن الحاكم العام يقوم بتمثيل الملكة إليزابيث الثانية، كرئيسة رسمية لدولة كندا. وعلى الرغم من أن هذا المنصب منصب شرفي، ويختار المرشحين له رئيس الوزراء، فإنه منصب مهم، فالحاكم العام هو ممثل التاج فى نظام الملكية الدستورية فى كندا، ويعد القائد العام للقوات المسلحة فى البلاد .



مارى سيمون (73عاما ) ، دبلوماسية ومناصرة بارزة لحقوق السكان الأصليين، ولدت فى قرية كوجواك الواقعة على ساحل خليج أونجافا فى شمال شرق كيبيك. عملت كمدافعة عن حقوق وثقافة الإنويت. بدأت حياتها المهنية فى سبعينيات القرن الماضى كمذيعة. وحتى قبل أن توليها عددا من المناصب القيادية فى منظمات السكان الأصليين، ساعدت فى التوسط للمطالبة بأرض تاريخية فى عام 1975، بين مجتمع كرى والإنويت فى شمال كيبيك. كما شاركت فى المفاوضات التى أدت إلى إضفاء الطابع الوطنى على الدستور فى عام 1982، الذى كرس رسميا حقوق السكان الأصليين فى القانون الأعلى لكندا. وشغلت منصب أول سفير إينوك للشئون القطبية فى كندا عام 1994، حيث دافعت عن المصالح الكندية فى منطقة القطب الشمالى المترامية الأطراف، والتى تضم أكثر من 200000 نسمة ، أكثر من نصفهم من السكان الأصليين. واخيرا عملت كسفيرة لكندا فى الدنمارك فى الفترة من 1999 إلى 2001.



فى هذه الأثناء رحبت مختلف الأطياف السياسية بتعيين سيمون، باعتباره لحظة مهمة لحقوق السكان الأصليين. كما أشاد زعماء السكان الأصليين بالسيدة سيمون، باعتبارها دبلوماسية ماهرة سوف تدافع عن اهتمامات السكان الأصليين، والتوسط بين المجموعات المختلفة فى البلاد . وقد قال بيرى بيليجارد، رئيس جمعية الأمم الأولى، وهى منظمة وطنية تمثل السكان الأصليين، على تويتر: «مارى دبلوماسية، ومدافعة، وامرأة إنوك القوية» . كما أعلنت جمعية نساء السكان الأصليين فى كندا، إنها فخورة بوجود إنويت فى مثل هذا الدور التمثيلى البارز .



يتوقع العديد من المحللين، أن تعمل سيمون على إقامة جسور من التواصل والتفاهم والترابط بين الحكومة الكندية ومجتمعات السكان الأصليين، خاصة أن لديها تاريخا طويلا من الانجازات فى هذا المضمار. على الجانب الآخر فإن من أكثر الانتقادات التى وجهت لسيمون، والتى من المتوقع أن تقف عائقا حيال قيامها بمهام عملها، عدم إتقانها اللغة الفرنسية، إحدى اللغات الرسمية فى البلاد، خاصة بعد أن تحدثت خلال خطاب تعيينها باللغتين الإنجليزية والإنكتيتوت. وقد عالجت سيمون هذه المسألة بشكل استباقي، حيث اعترفت فى الخطاب بافتقارها إلى التحدث باللغة الفرنسية بطلاقة، نظرا لحرمانها من فرصة التعليم الفرنسى فى مدرستها. وأكدت إنها ستواصل دراسة اللغة الفرنسية، للقيام بأعمال الحاكم العام باللغتين الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى لغة الإنكتيتوت، وهى إحدى لغات السكان الأصليين العديدة، التى يتم التحدث بها فى جميع أنحاء البلاد.