عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
30 يونيــو كانت تصحيحا لأخطاء عديدة بدأت من منتصف السبعينيات
2 يوليو 2021
مى الخولى;


لوعاد بى الزمن للوراء لكان اهتمامى بالسياسة أقل

حياة كريمة والعاصمة الجديدة جزء من حلمى وحلم صلاح جاهين

المشهد الثقافى المصرى يحتاج أصحاب الكفاءات

مازلت احتفظ فى خزانتى بصورتى وأنا أرتدى بدلة «ضابط»

تجربتى الشعرية بدأت على يد «الحاجة حياة»

نصيب الفرد من الثقافة 2 جنيه..كيف يوظفهم أي وزير ثقافة مهما أوتي من قدرة؟!

نشأت وإخوتي على إحترام الآخر وحين كبرنا وجدنا أصحاب الذقون يضربوننا بالجنازير في الجامعة بسبب كلمة على لافتة








قلب الوطن لجل التخين.. رأس الوطن لجل الكهين.. داعر لطيف.. أكبر حرامى ومدعى إنه شريف.. عين الوطن معروفة طبعا لجل مين.. للمخبرين.. الواد كبر ولازم له شعب يهرسه.. وقانون عظيم بإشارة واحدة ينشره.. وإشارة تانية يحبسه.. ولازم له منهج حُكم-لكن معتبر- ع الخوف ضرورى يؤسسه.. الواد كبر.. وأظنه زيى.. مالوهش قلب..والحكم حلو وبن كلب..كفاية شكل الحاشية..لما بيسجدوا.. من غير سجود..ساعة ما يعتبروا الرضا منى صعود..أو لما ياكلوا فى بعض عشان يفوزوا ببسمتى..وسط الحشود.. يتنططولى ويرقصوا زى القرود..الواد كبر ولازم له حلم يمتعه..»..تسأله كيف مررت قصيدة كهذه اعتراضا على حديث توريث الحكم فى عهد الرئيس الأسبق مبارك؟..فيضحك قائلا: «هو كان بيقول خليهم يتسلوا». وبعد وصول الإخوان لكرسي الحكم كان يلقى قصيدته الشهيرة:«إيه يا مصر؟!، ايه يا أرض الطيبين؟، اللى حكموا فى الزمان ده، يبقوا مين؟، دين أبوهم، اسمه إيه؟!»، وهو اذ يملك شجاعة التمرد على نفسه فانه يملك ايضا شجاعة الاعتراف حين تسأله لو عاد بك الزمان اى اخطائك تصحح فيقول لو عاد بى الزمان لاهتممت بالسياسة اقل، قدم ابيه من قرية الصوامع شرق بجلبابه الصعيدى فاحتفظ لابنه فى عبائته بصلابة الجنوب ودفئه لكنك حين تريد ان ترى فخره حدثه عن الحى الشعبى الذى تربى فيه محفور فى ذاكرته يوم توفى أبوه، وأصيبت أمه بانهيار عصبى، استدعى انتقالها إلى مستشفى للعلاج، فترك بيته مفتوحا دون ان يأبه إلى مراسم العزاء، لكنه حين عاد بعد يومين وجد جيرانه يستقبلون المعزين عوضا عنه. انقلبت حياته رأسا على عقب بعد نشر قصيدته الأولى فى مجلة صباح الخير، إذ قرر التفرغ للشعر بترك التعليم، ولم يستطع أحد إرجاعه عن قراره،ولمدة عامين، حتى بكت الست حياة، فامتثل الشاعر. ظل يبحث عن وردته البلدى، التى تستطيع استيعاب شخص يعيش على أطراف المشاعر، وتترك له أسفار خياله دون تطفل أو تدخل، ثم وجدها مصادفة فى زيارة للإمارات، فخطفها إلى مصر.. فإلى نص الحوار.









كيف بدأت تجربتك الشعرية؟



تجربتى الشعرية بدأت مبكرا جدا على يد الحاجة حياة، أمى التى لم تكمل تعليمها، وتركت المدرسة فى الصف الثالث الابتدائى على غير رغبة منها، هى من ورثتنى الشعر، فكانت تبادلنى كلمات السجع وأنا طفل صغير، تبدأ بقول كلمة ثم أقول أخرى على نفس الوزن، ونجلس نتبادل السجع، وعندما دخلت المدرسة كنت حين أتسلم الكتب أبحث فيها عن النصوص الشعرية واحفظها بسهولة، ثم بدأت أكتب جملا شعرية، وأذكر أننى فى الصف الرابع الابتدائى كتبت قصيدة ساذجة فى حروف جمال عبدالناصر، وألقيتها على أمى، أذكر منها: «ج، جمال وحلاوة ثورتنا، م، مصريين لنا عزيمتنا،أ، اتحاد عربى يباشر سياستنا، ل، لا أحزاب فى دولتنا»، فسألتنى: هل نقلتها من مكان؟، فأجبتها بلا، فقالت لى: «طيب كل ما تكتب حاجة تانية تعالى اقراها لى بسرعة،عشان ده كلام حلو جدا»، ولم تنهرنى على ترك المذاكرة لكتابة الشعر.



لكن القصيدة ليست كما وصفتها بالساذجة إذ أنها تحمل فهما لسياسات زمن كتابتها، بينما كتبها طفل لم يتجاوز الـ 9 سنوات؟



السبب فى ذلك هو والدى الذى لم يعرف القراءة ولا الكتابة، لكنه كان مهتما بالشأن العام،فكان أول مشوار له بعد صلاة الفجر هو كشك الجرائد، يشترى الأهرام والأخبار والجمهورية والمصور وروز اليوسف وميكى وسمير، لنقرأها، وكنت أقرأ له مقال بصراحة لمحمد حسنين هيكل، ويستمع إلى النشرات الإخبارية، وبعد انتهاء مهمتى بقراءة مقال هيكل لأبى، أقلب فى صفحات جريدة الأهرام، فأقرأ لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وحسين فوزى، وبدأت أفهم ما أقرأ، وانتقلت من قراءة مجلات ميكى وسمير وكتب أجاثا كريستى لبيرم التونسى، حتى حينما دخلت الصف الأول الإعدادى صار المدرسون يقرأون ما أكتب ليقرروا تخصيص يوم فى الإذاعة المدرسية ألقى على الطلبة فيه شِعرى، وألقيت على أمى قصيدتى وتكرر الأمر فى الثانوية، وكنت أداوم على مطالعة مجلة صباح الخير، وكانت تتبنى شعر العامية، وكان بها باب اسمه قال الشاعر لفؤاد حداد، ينشر فى نصفه قصيدة، وفى النصف الآخر ردود لموهوبين لم تكتمل تجربتهم الشعرية بعد، يرسلون قصائدهم إلى حداد، وأرسلت إليه قصيدة بمناسبة أكتوبر، مطلعها» الشمس شافت جهادنا.. طلعت ع الألف مدنه.. وقالت الله أكبر..والبدر طلع علينا..لقانا جوه فى سينا..هتف معانا وكبر»، فرد على حداد قائلا: «وصلت لقمة رائعة فى البداية وكنا نتمنى أن تظل عندها أو ترتفع عنها، لكن هرب منك خيط الشعر»، فذهبت لشراء كتب العروض حتى أتقنتها وعاودت إرسال قصيدة أخرى بعنوان «انا ابنك يا مصر»، فنشرها لى فى الجزء المخصص للشعراء، بتوقيع جمال محمد أحمد بخيت، الفسطاط الثانوية، وتركت الدراسة وانقلبت حياتى، فهذا هو فؤاد حداد وهذه هى مجلة صباح الخير التى قدمت الأبنودى وسيد حجاب ونجيب سرور، إذن أنا شاعر، لا حاجة لى بإكمال الصفوف الدراسية، ولمدة عامين لم يستطع أحد أن يقنعنى بالعودة للدراسة، إلا دموع الست حياة والدتى حين رأيتها وكانت تطلب منى العودة للدراسة، عدت.



«تعرف تتكلم بلدى وتشم الورد البلدى»..من هى المرأة التى شممت فيها رائحة الورد البلدى؟



مبتسما قال بخيت كثيرات، ثم صمت لدقيقة وقال: متأخرا تزوجت فى عمر 37 عاما،لأننى كنت أبحث عن امرأة تستوعب حياة وتقلبات الشاعر وكونه يعيش على أطراف المشاعر، وظللت فى كل مشروع خطبة أبحث عن هذه المرأة،حتى قابلتها فى الإمارات، وكانت أجمل وأرقى من كل أحلامى، لذلك أخصها هى بالذكر، وهذه إجابة ليست اتقاء أو من باب الحكمة، لكن حقيقة هى بعد الست حياة أمى، وهى إماراتية تعمل بجامعة الدول العربية، خريجة هندسة قسم الكهرباء فى جامعة الكويت، وأكملت الماجستير بالجامعة الأمريكية فى اقتصاد الهندسة.



بخيت ذو الأصول الصعيدية عاش فى حى شعبى.. فبماذا احتفظ من الصعيد للحى الشعبى؟



أنا من مواليد القاهرة، جاء أبى وأعمامى من قرية الصوامعة شرق مركز أخميم بمحافظة سوهاج، وكل من هاجر من قرية الصوامعة شرق كان يستوطن حى مصر القديمة، حتى صار 50% من الحى مهاجرين من الصوامعة شرق، كلهم أعمامى وأولاد أعمامى، لذلك فقد انتقلت من الصعيد بالصعيد نفسه إلى الحى الشعبى، فتطورت بعض أفكار الصعيد بفضل هذا الحى الشعبى مثل فكرة الثأر التى تحولت لفكرة مستهجنة.



ما الصور التى تحتفظ بها فى خزينتك من طفولتك؟



صورتى وأنا أرتدى بدلة ضابط طيار، إذ كنت حين يسألوننى وأنا صغير ماذا تريد أن تصبح حينما تكبر، كنت أجيبهم، أريد أن أصبح ضابطا طيارا، ولا أعرف لماذا، فلم يكن فى عائلتى طيار أو ضابط، لكن هذه كانت رغبتى، فاشترى لى أبى بدلة طيار وصورنى بها ليحقق لى أمنيتى صغيرا، وصورة والدى بالجلباب الصعيدى الذى لم يتخل عنه حتى عندما جاء إلى القاهرة بحثا عن الرزق.



فمن أين يستقى بخيت صوره الشعرية؟



الرد المباشر هو من الحياة والكتب والتجارب لكن هذا الجانب وحده لا يكفى، ينبغى أن يكون عقل المبدع قادرا على تخيل أشياء غير موجودة، وهذا هو كنز الصور الذى يلجأ له الكاتب؛ فى خياله.



لماذا اخترت القصيدة العامية؟



حين بدأت الكتابة كنت أكتب القصيدة العامية والفصحى، لكننى لاحظت أن استقبال المحيطين بى للقصيدة العامية أضعاف اهتمامهم بما أكتب بالفصحى، كما أننى ابن الحى الشعبى، أكتب للناس وليس لنفسى، مع الوقت ضبطت نفسى أقلل من الكتابة بالفصحى، حتى صارت كل كتاباتى بالعامية.



كان يوسف إدريس يقول إن الشقاء هو ما يصنع الأدب، فما تجربتك الخاصة التى صنعت شِعرك؟



توفيق الحكيم له إجابة نموذجية فى هذا، وهى أننا لا نكتب وقت الفرح لأنه قليل فكيف نتركه دون أن نعيشه ونذهب لنكتب؟!، لكننا نهرب من الحزن بالكتابة، أو كما يقول أمل دنقل «الشعر بديل الانتحار»، فنحن نهرب من آلام الحزن الكبيرة التى لا نتحملها إلى الكتابة. أما تجربتى التى صنعت شقائى، فأنا من مواليد 1954، تربيت على أفكار مختلفة، استفدت من العدالة الاجتماعية ومجانية التعليم، ثم فى منتصف السبعينيات حصل انقلاب على هذه المفاهيم، نشأت فى مجتمع يحترم حرية التدين والمرأة والعقل والتفكير، ثم فى الجامعة رأينا الجنازير ترفع علينا من أصحاب الذقون لو كتبنا شيئا فى لوحة الحائط الخاصة بالجامعة، وهذا الشقاء استمر معنا من منتصف السبعينيات وعلى مدى 30 عاما، دولة سلفية تأسست على أنقاض مصر العظيمة، فمبارك لم يغير سياسات السادات، وحتى حينما أعلن الإخوان جماعة محظورة كانت الجماعة يمثلها 88 عضوا فى مجلس الشعب.



إذا عزت لحظات الفرح فى حياة جمال بخيت؟



اللحظة التى كان ينبغى أن تكون أسعد لحظة فى حياتى، كانت درامية كحياة الشاعر، إذ حملت زوجتى للمرة الأولى فى توءمين هما رحمة وخالد، لكن رحمة توفيت ساعة الولادة، فكان الناس يهنئونى بخالد ويعزوننى فى رحمة



من ماذا يخشى جمال بخيت؟



أنا لا أخشى الموت لكن ما أخشاه لنفسى ولكل شخص هو المرض، الشعور بالعجز الذى يخلفه المرض، والخوف الإنسانى على مستقبل الأولاد



من هو الكاتب المؤثر فى حياة جمال بخيت؟



بيرم التونسى، والسيرة الذاتية لبيرم التونسى إذ إنه شكل فى ذاكرتى الصورة التى يجب أن يكون عليها الشاعر، دفع من عمره 20 عاما بالمنفى من أجل قصيدة، وقاوم القبح سواء فى الحكومات أو الشعوب، وكتب أرق القصائد العاطفية، وكذلك د.زكى نجيب محمود وكنت أقرأ له فى الأهرام، وقد جعل عقلى ناقدا لا يتبع أحدا.



الشعب المصرى فى حالة تمرد مستمرة، ثار فى 1919، ثم فى يوليو ومن بعدها يناير، وأخيرا فى 30 يونيو.. ففى رأيك ما الشيء الذى يجدد الفعل الثورى؟



الحركة الوطنية موجودة طوال الوقت، وكان هناك نضال دائم من أجل مبادئ هذه الثورات، فمثلا حكومة النحاس اتخذت قرار مجانية التعليم قبل الجامعى، لكن ثورة يوليو هى من نفذت القرار، بإنشاء مدارس فى كل المحافظات والقرى، وقبل أربعينيات القرن الماضى لم يكن يعرض فيلم سينمائى يناقش قضايا المرأة مثل أنا حرة، لكن كان هناك دعوات تنادى بحقوق المرأة، ثورة 19 من أعظم الثورات فى التاريخ،لكنها لم تنجح فى إخراج الإنجليز، فى حين رسخت قيما مثل المواطنة والأمة فوق الحكومة والدين لله والوطن للجميع، ثورة يوليو حققت آمال ثورة 19 لكن كان لها أيضا إخفاقاتها.



ثورة يناير عظيمة، لكن لا ينفى دخول مؤامرات فيها، لكن كان هناك فساد حقيقى وانهيار دفع الشعب للثورة، ولو كان الشعب يحيا جيدا وفى المكانة التى يستحقها لم يكن ليثور ولم يكن ليسمح لأحد باستغلال الفساد والتآمر عليه.



أما ثورة 30 يونيو فهى ليست تصحيحا ليناير، لكن يمكن اعتبارها الجزء الثانى من الثورة على المتآمرين، فيناير لم تحكم يوما واحدا، المؤامرة هى من وصلت للحكم، فكان من المهم أن تحدث 30 يونيو لتصحيح أشياء كثيرة، لتصحيح الأوضاع فى العالم العربى وحتى لا يمتد الخراب الذى رأيناه فى سوريا وليبيا والعراق لكل بلدان الوطن العربى.



إذا فى جملة واحدة ماذا ينقص كل ثورة منهما ليرضى عنها أصحابها بالكامل؟



ينقص ثورة 19 الجلاء وهو ما لم يحدث، وينقص ثورة يوليو الحرية السياسية، وينقص يناير توحيد القوى الوطنية المدنية وهو ما لم يحدث، وينقص 30 يونيو تكاتف جميع القوى الوطنية وأضع جميع القوى الوطنية بين قوسين.



حلم بخيت الأهم والذى لم يتحقق..ما هو؟



فشرد بخيت ثم قال كثيراً أيضا، لكن أكثرها إلحاحا على عقلى هو حلم صلاح جاهين الذى أحلمه أيضا، «صناعة كبرى مزارع خضرا تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية»، لكننى أحلم بها فى كل قرية مصرية، وللحقيقة فهناك مبادرة تحمل اسم حياة كريمة خاصة بالقرى المصرية تنفذ الآن، بالإضافة للعاصمة الجديدة التى ستقلل الضغط على العاصمة العجوز، وكذلك الظهير الصحراوى الخاص بكل محافظة ومشروع تطوير القرى، وهذه إنجازات تاريخية كنا ننادى بها طوال أعمارنا ونادى بها من سبقونا ولم تنفذ إلى الآن، صحيح أمامنا كثير لكن المطلوب أيضا كثير، كما أن الرئيس السابق جلس على كرسى الحكم 30 عاما فلم يدخل فيها الصرف الصحى للقرى!، وهذا الإيقاع الذى تحدث به المشروعات فى كل الملفات الآن لو كنا نعمل بنفس قدره فى الأعوام الثلاثين الماضية كنا أصبحنا قوى عظمى، فهل يمكن أن نعيش فى مساحة 4% ولا نبنى مدنا جديدة؟، وأنا المواطن جمال محمد أحمد بخيت استفدت من مشروع 100 مليون صحة وتم علاجى من فيروس سى بالمجان، وأرى بعينى مبادرة إلغاء قوائم الانتظار للعمليات الحرجة، ومنظومة التأمين الصحى الجديدة فى بورسعيد، هذه الإنجازات لطالما حلمنا بها، فلن أخالف ضميرى وأعارض لأصبح زعيما.



وكيف تقيم المشهد الثقافى بعد 30 يونيو ونحن على مشارف ذكراها السابعة؟



أحلم بأن يتم النظر لهذا الملف بصفته القوة الناعمة لمصر، ولسنوات طويلة يتم تجريفها أو تحييدها، وهذا الملف أعده من الملفات السيئة جدا، الذى يتنصل من مسئوليته الجميع،فلا أحد يعد نفسه مسئولا عنه، وهو ملف دولة وليس وزارة، فلا يمكن أن نلوم وزراء الثقافة مع معرفة أن 92% من ميزانية الوزارة تذهب أجورا للموظفين، وأن نصيب الفرد من الثقافة يتراوح بين 5 جنيهات وجنيهين، فكيف ينفقها الوزير فى تطوير الثقافة؟!، كما أن مسئولية وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية حين تبنى مدنا أن تنشئ فيها أوبرا ومسرحا وسينما وجداريات فنية، والثقافة هى فعل تراكمى صحيح، لكن فى ظروف مجتمعنا الذى ترتفع فيه نسبة الأمية الثقافية وتمت السيطرة عليه من خلال الفكر الوهابى، نحتاج إلى ثورة ثقافية، تشارك فيها جميع الوزارات.



هل توافقنى أن لدى مصر كل أدوات تحقيق الازدهار الثقافى، لدينا الصنايعية الذين يقدرون على إنتاج منتج فنى أو أدبى جيد.. فماذا ينقصنا لنفعلها؟



لدينا نعم لكنهم يجلسون فى بيوتهم، ينقصنا الرؤية الصحيحة للدولة حتى يتمكن أصحاب الكفاءة الحقيقية فى الفن والثقافة والإعلام من أن يكونوا هم القائمين على وضع الخطط وتنفيذها، بدلا من أن يكونوا هم من يجلسون فى البيوت بلا عمل، كما أن المشهد الثقافى المتنوع أصلا لا ينبغى أن يزعجنى، لكن من المفترض أن أضبط هذه الاختلافات لتصبح فى إطار المصلحة العامة للدولة وأن يتعلم الشعب منها احترام الاختلاف.



نعيت الجنيه فى قصيدة أواخر السبعينيات،فما القصة؟



نعم كتبت هذه القصيدة عام 1978، وكان قد صدر قرار بدفع جزء من الجمارك بالعملة الأجنبية، فارتفع سعر الدولار من 68 قرشا إلى 80 قرشا نتيجة زيادة الطلب عليه، وكنت أعترض وقتها على التحول للسياسات الأمريكية وتحكمها فى القرار المصرى.



احتججت على التوريث بقصيدة «الواد كبر»، ثم وقفت أمام التعاطف مع فكرة الرئيس الأب مبارك بـ «سوهارتو»، وتناولت طابور العيش وقطار الصعيد فى «مش باقى منى».. فماذا جنيت من تصنيفك كشاعر متمرد على الأوضاع؟



من عايش كل هذه الأوضاع ولم يتمرد لا يمكن أن يكون شخصا طبيعيا، لكننى لم أخسر شيئا مهما، بالمقارنة بأشخاص سجنوا، أنا فقط تم إقصائى من الفاعليات الضخمة فى الإعلام التى كانت الدولة تتبناها، فكان اسمى يستبعد منها.



لو منح الزمان الفرصة لبخيت للعودة إلى الوراء وتصحيح أخطائه، فأى أخطائه يصحح؟



لو عاد بى الزمان كنت سأهتم بالسياسة أقل.



هل تضررت من الانخراط فى الشأن العام؟



تضررت على مستوى مشروعى الفكرى والأدبى، الظروف السياسية كانت ضاغطة على أجيالنا، كنا مضطرين نناضل غصبا عنا، لم يكن حولنا من شىء جيد.



«ارجع بقى.. الشمس سكنت كل غرب..حلفت ما ترجع للشروق.. من أى شرق.. إن لم تكن فى الانتظار.. انت وسيفك والتتار وتحت القدم.. فاقضى بصوتك على العدم.. اعدل موازين الزمان.. رتب نجومنا فى الفضا».. ما الشىء الذى تفتقده من الزمن الماضى وتناديه؟



هذه القصيدة بها إشكالية بالنسبة لى، إذ إننى كنت أريد عودة شىء قديم، ولو سألتنى الآن سأقول لك إننى أريد أن أذهب إلى الماضى.



إذا تمردت على القصيدة؟



نعم، فهذه القصيدة كنت أنادى فيها مبادئ عبدالناصر العودة للمجتمع، الجمهور تخيل أننى أنادى عبدالناصر نفسه، لكننى أنادى المبادئ التى نشأت فيها فى الخمسينيات والستينيات من عدالة اجتماعية وتعليم مجانى وعدم التعصب للدين أو الاعتقاد، لاحترام المرأة، وأنا أريد أن تكون هذه القيم مرتبطة بقيم الشعب وليس الفرد حتى لا يحدث انقلاب عليها كما حدث فى منتصف السبعينيات.