«عاشق ومداح ».. ليلة فى حب مصر
لا شك أن يوم الثلاثين من يونيو سيظل يوما فارقا فى حياة أجيال عديدة من أبناء هذا الوطن.. حيث أنهى بوعى وصمود الشعب المصرى وتكاتف فئاته مؤامرة خبيثة كشف الحاضر عن بعض جوانبها ولا تزال بعض جوانبها الخفية وآثارها السامة تنتظر أن يفصح عنها التاريخ.. حول تلك القضية الوطنية المهمة يدور عرض «عاشق ومداح» على خشبة مسرح البالون من إنتاج قطاع الفنون الشعبية بإشراف الفنان عادل عبده من خلال نص شعرى كتبه محمد الصواف وحمل اسم المخرج القدير عبد الغنى زكى.
والعرض يحكى فى قالب الأمسية الشعرية الغنائية لمحات من تاريخ وكفاح المصريين ويتخلله مشهد تمثيلى وحيد يدور حول أرض سيناء.. قامت الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز بدور الراوية بصوتها الناعم العميق الذى يذكرنا ببرنامجها الشهير «قال الفيلسوف» وعبرت بأداء درامى بسيط يخلو من الخطابة عن لحظات الحزن التى اجتاحت الوطن ولحظات الفرح التى وحدت جهود أبنائه من أجل تصحيح المسار وكشف خسة الجماعة الإرهابية وأطماعها فى الاستيلاء على الحكم والثروات وتغيير هوية الوطن. بينما عبر فارس المسرح المصرى الفنان القدير أحمد ماهر عن صرخة الغضب للعامل والفلاح والجندى وشهدت دموعه المنسابة مع ارتجاف صوته على صدق الآلام التى عاناها المجتمع من الفتن الطائفية ومحاولات التقسيم والاستقطاب.. واستطاعا معا بمهارة التلوين الصوتى أن يجذبا حواس المشاهدين طوال ساعة ونصف دون وجود أحداث درامية تذكر.. اللهم إلا مشهد وحيد للدليل السيناوى أداه الفنان الكوميدى منير مكرم فى ظهور تراجيدى جديد عليه نجح فيه ببراعة وحكى من خلاله للفوج السياحى أهمية سيناء كأرض حضارة ومعبر للأنبياء وساحة قتال شهدت نزيفا من الدماء المصرية فى مختلف الأزمنة.. وتمتع الحاضرون بلوحات غنائية عذبة بصوت الدكتور أحمد الكحلاوى الذى عرفناه دوما مادحا للرسول صلى الله عليه وسلم. والعرض لا يخلو من ذكر آل البيت الكرام والأولياء الصالحين الذين مروا على أرض مصر واختاروا المقام فيها تاركين أنوارهم الطاهرة فى قلوب محبيهم.. لكن الكحلاوى فى هذا العرض يجرب لونا جديدا من الغناء الوطنى بمذاق صوفى يمزج فيه بين العشق والمديح ويصف بنبرات صوته عنوان العرض «عاشق ومداح».. وبالطبع أضاف عبد الغنى زكى استعراضات معبرة ربما لتصنع معادلا بصريا إلى جانب النص الشعرى والأغانى المسموعة.. كما استعان بشاشة عرض فى خلفية المسرح لتقديم لقطات من أرض سيناء ومن آثار مصر المختلفة ومن المشاريع العملاقة الجديدة بالإضافة للقطات تجسد انطلاق الجنود فى حربهم ضد الإرهاب ومقتطفات أخرى تحمل صوت الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من خطاب مهم من بينه خطاب إعلان خارطة الطريق الشهير وإيقاف العمل بالإعلان الدستورى والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة لينهى بمنتهى الحكمة والكياسة مرحلة مظلمة كانت أشبه بالكابوس فى حياة المصريين.
تكون العرض من لوحات عديدة متنوعة لا يربطها تسلسل درامى واضح أو ترتيب للأحداث ولعله من غير الإنصاف تقييم هذا العرض باعتباره نصا مسرحيا بالمعايير المتعارف عليها ولكنه بالفعل أقرب إلى شكل الأمسية الشعرية الغنائية ذات الطابع الاحتفالى، وقد أدى المؤلف والمخرج معا دورا مهما فى تعريف أجيال جديدة بقيمة ما أنجزه الشعب المصرى فى 30 يونيو ويذكرنا بما كنا فيه وما أصبحنا عليه بفضل دماء أبناء مصر الأبرار من رجال الجيش والشرطة والقضاء والصحافة وضحايا الكنائس والمساجد وكل من كتب بدمائه الذكية صفحة من نور فى تاريخ هذا الوطن.