فى الأسبوع الأول من يونيو الحالى اتفقت دول مجموعة السبع الكبرى على فرض 15% حدا أدنى للضريبة على الشركات الكبرى (المتعددة الجنسيات)، والتوصل لحل متوازن لتخصيص حقوق فرض الضريبة على ما لا يقل عن 20% من الأرباح التى تتجاوز هامش الـ 10% للشركات الكبرى الأكثر ربحية. وعلى أثر تداعيات جائحة كوفيد - 19 برزت بقوة الضرائب الرقمية بعد ان تحولت الشركات التقنية الكبرى إلى فائزين من الأزمة عبر تحقيق أرباح طائلة، فى حين عانى العديد من الدول جراء الأزمة الاقتصادية المصاحبة التى دفعتها للبحث عن موارد مالية جديدة تسهم فى تمويل العجز فى الموازنة العامة. جاء ذلك فى ظل دور أنشطة الاقتصاد الرقمى فى دفع النمو الاقتصادى وفى تصاعد الأرباح واتساع حجم السوق بين الملايين من المستخدمين عالميا. وباتت تعانى الدول مشكلات فرض السيادة على الأنشطة الرقمية التجارية، التى تنتقل من مكان إلى آخر، ومن وسيط إلى آخر، ودون وجود مادى للشركات المشغلة للخدمة، وعلى الرغم من كونها تقدم جزءا من خدماتها بشكل مجانى فإنها تعتمد فى تحقيق أرباحها على الإعلانات وتسويق المنتجات مثل عمليات شراء أو بيع العقارات أو الملابس والسيارات والأجهزة الإلكترونية عبر الإنترنت، وهناك شق آخر يرتبط بتلك السلع والخدمات ذات الطابع الرقمى مثل البرمجيات أو التطبيقات الرقمية إلى جانب المحتوى الرقمى الترفيهى مثل الأغانى أو الأفلام إلى جانب المواد الثقافية ذات الطابع الرقمى مثل الكتب أو المجلات، ويضاف إلى ذلك التطور فى مجال قدرات جمع وتحليل البيانات الضخمة حول الأنشطة الاقتصادية عبر المجال الرقمى، والتى تتحول إلى مصدر للأرباح كذلك إذا تم بيعها لطرف ثالث . وأصبحت شركات التقنية الكبرى أكثر تأثيرا وانتشارا وتراكما للثروة مقارنة بالجيل القديم من الشركات العابرة للحدود، وذلك من خلال حريتها فى النفاذ إلى السوق المحلية داخل البلدان الأخرى، وبعيدا عن التأثيرات السياسية بات يظهر ذلك الواقع تأثيرات اقتصادية سلبية منها تآكل القطاع الوطنى فى مجال الإعلانات الرقمية، واحتكار تلك الشركات للخدمات الرقمية، وتسرب رأس المال الوطنى، وافتقاد العدالة الضريبية، ووضع الشركات الوطنية فى مناخ غير تنافسى، والتهرب الضريبى. وفى مواجهة تلك التحديات قام عدد من الدول باتخاذ خطوات, إما بإرغام تلك الشركات على ان يكون لها مقر داخل الدولة أو بالتهديد بحجب خدمات تلك الشركات أو بتبنى سياسة بناء بدائل وطنية للخدمات الرقمية أو اتخاذ إجراءات لفرض الضريبة الرقمية على شركات التقنية العابرة للحدود. وأقرت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية موقفها من قضية الضرائب الرقمية وشركات التقنية بناء على ركيزتين استهدفت الأولى تحقيق أفضل توزيع لحقّ فرض الضرائب، وفرضت الثانية قيمة دنيا من الضرائب على الأرباح. وقاد الاتحاد الأوروبى الجهود الدولية لوضع سياسات واضحة للتعامل مع شركات التقنية العابرة للحدود سواء فيما يتعلق بالخدمات أو بالمحتوى أو بالثروة، وعلى الرغم من امتعاض الولايات المتحدة من فرض الضرائب الرقمية فإنها تراجعت وقبلت التفاوض خاصة أن شركاتها الخمس الكبرى قائمة على حالة الفوضى سواء فى التعاطى مع البيانات الشخصية أو بجنى الأرباح دون دفع الضرائب، وظهر نمط جديد من التهرب الضريبى محليا من قبل شركات مثل الفيسبوك أو عبر اللجوء إلى دول الملاذ الضريبى ذات المعدلات المنخفضة من الضرائب. ويحتاج التعامل مع الضرائب الرقمية إلى توافق دولى ينظم العلاقة بين الدول وشركات التقنية الكبرى، وعلى أساس معالجة ثلاث فجوات هى الفجوة التشريعية وغياب القوانين المنظمة للعلاقة، والفجوة الإدارية، والفجوة المعرفية. وتمثل الدول العربية سوقا استهلاكية كبيرة لشركات التقنية تلك سواء بالنظر إلى عدد مستخدمى الانترنت أو متوسط الوقت الذى يتم قضاؤه على المنصات المختلفة أو فيما يتعلق بحجم فئة الشباب والمراهقين من هرم المستخدمين وهم الفئة الأكثر استخداما وتفاعلا واستهلاكا، وهو ما ينعكس فى تحقيق شركات التقنية أرباحا وعائدات مالية كبيرة ورغم ذلك تواجه الدول العربية صعوبات فى التعامل مع أرباح هذه الشركات بسبب غياب المعايير التى تنظم فرض الضرائب الرقمية. وإصلاح النظام الضريبى العالمى ليصبح أكثر إنصافا من جهة مع دعم عملية الانتقال من «فوضى العولمة» إلى «تنظيم العولمة» من جهة أخرى.