عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
بإذنك يا رب «العمالقة راجعين».. فى قسم المعادى يحدث هذا!
4 يونيو 2021
إبراهيـم حجـازى


طبيعى أن ممارسة العنف تولد عنفًا.. ومنطقى أن الفرجة على العنف.. هى برمجة للعقل والقلب.. للتآلف والتآخى والتوحد مع العنف.. وهى أفضل وسيلة لتبلد المشاعر تجاه العنف.. والمحصلة!.



ظواهر إجرامية لم نسمع عنها من قبل فى مصر.. هى غريبة على مصر وجديدة على المصريين.. ومن كان يطرأ على ذهنه.. أن تتفجر الجرائم غير المسبوقة.. داخل أصغر خلايا المجتمع.. نعم داخل الأسرة.. وسط دهشة علماء النفس والتربية والاجتماع من أن ما يحدث.. لا يتماشى مع كون الخلية الأصغر فى المجتمع.. منطقى أن تكون الأقل خلافًا والأسرع تفاهمًا والأقدر على التسامح.. إلا أن!.



الأسرة التى هى أصغر خلايا المجتمع والتى يجب أن تكون أقوى كيان اجتماعى.. بحكم أنها.. أول عن آخر أب وأم وأشقاء!. والأب والأم منحهما الله عاطفة ورحمة وتسامحًا.. تجاه أبنائهما تفوق الخيال.. وكلاهما غاية المراد عنده من رب العباد.. أن يصبح أولاده أفضل منه ومن كل الناس!. أما الأشقاء فهم نفسيًا وبيولوجيًا وفسيولوجيًا وبشريًا.. جينات واحدة تجمعها أقوى روابط الدنيا.. رابطة الدم!.



الكيان الأسرى الهائل الترابط انهار.. والجرائم بدأت تحدث بين أطراف.. مفترض أنها غير قابلة للكسر أو التفكك.. وبات الجانى واحدًا من الأسرة الصغيرة والمجنى عليه واحدًا من الأسرة الصغيرة وربما كلهم جميعًا!.



الذى حدث ونسأل الله ألا يحدث.. لا هو مصادفة ولا هى عين وصابتنا.. إنما هو تطبيق عملى على أرض الواقع.. لمنهج الأجيال الجديدة للحروب.. الذى يضم مقررات عديدة.. أهمها المقرر الخاص بالأساليب المختلفة لنسف قيم ومبادئ وتقاليد وأعراف مجتمع الدولة المستهدفة.. وهذا المنهج المدمر.. تتراوح مدته من 10 إلى 15 سنة.. بحيث يتسلم الأطفال من بداية الإدراك.. من عمر 6 سنوات إلى 14 سنة.. وهذه الشريحة هى الهدف الأساسى الذى سيتم التركيز عليه على مدى سنوات متتالية لا تقل عن العشر.. وبطبيعة الحال هناك منهج آخر للكبار والمراحل السنية الأخرى.. وقوام هذا المنهج.. ترسيخ كل مفاهيم الكراهية فى العقول والنفوس!



أهم أسلحة الأجيال الجديدة من الحروب.. القوة الناعمة!. آه والله الفن بمختلف أشكاله والسينما والمسلسلات فى المقدمة!.



السينما العالمية بدأت الحرب من زمان.. بأفلام عالمية ونجوم عالميين.. رسالتها واحدة.. العنف لأجل أن يعتاد البشر مشاهد القتل وسفك الدماء والعنف لأجل العنف.. وكل ذلك تحت مسمى أفلام ومسلسلات الأكشن!.



الإخراج الهائل والإنتاج الهائل والنجوم العالميين.. كلها جعلت هذه الأفلام الأكثر مشاهدة فى كل الدنيا!. خلاص زمن الرومانسية والحب والتسامح انتهى منذ ربع قرن على الأقل.. وبديلًا للرومانسية اخترعت هوليوود أفلامًا مستمرة لها نجوم ومتخصصة فى أمور لا وجود لها على كوكب الأرض!.



سلسلة أفلام مصاصى الدماء وسلسلة أفلام الأحياء الأموات أو الأموات الأحياء!. الهدف الأوحد هو اعتياد العنف والقتل.. وتلك هى الخطوة الأخيرة التى بعدها من اعتاد العنف أصبح بإمكانه أن يسفك الدماء فى أى لحظة وأى مكان من غير سبب أو على أتفه سبب!.



ولأننا «حافظين مش فاهمين. وربما فاهمين وقاصدين..» الله وحده الأعلم بالنوايا!. السينما التى كانت تحت ولاية الدولة ورقابة الدولة.. والإنتاج الذى تموله الدولة.. نتاجه أفلام تبنى ولا تهدم.. موضوعًا وإخراجًا وإنتاجًا وتمثيلًا.. جعل المزاج العام لا يقبل ما هو أقل.. وهذا المستوى الراقى أجبر الإنتاج الخاص.. على حتمية الارتقاء فيما يقدمه.. لأن المشاهدين لن يقبلوا أى أعمال هابطة!.



السينما المصرية هذه التى كانت.. راحت منذ رفعت الدولة يدها عن الفن عمومًا والسينما تحديدًا قبل 30 سنة تقريبًا!. التليفزيون المصرى على مدى أيام السنة.. ظل سنوات طويلة.. يقدم مسلسلات هادفة عظيمة حظيت بأعلى نسب المشاهدة.. والأهم.. امتنان الأسر المصرية.. بالأعمال التى لا يختلف عليها اثنان.. كبار أو صغار!. ليالى الحلمية وبابا عبده وأرابيسك.. وعشرات المسلسلات الاجتماعية والدينية والكوميدية والوطنية وعلى رأسها.. جمعة الشوان ورأفت الهجان!.



بدون مقدمات وبلا مبررات ومن غير ليه.. كل هذا الإنتاج الفنى المبهر توقف.. مثلما توقفت السينما الرومانسية فى العالم!.



طيب.. ما حدث عالميًا.. بوقف الأفلام الرومانسية.. قرار.. عرفنا مؤخرًا من اعترافاتهم.. وكلامهم عن الأجيال الجديدة للحروب.. التى يُسقطون بها الدول المستهدفة.. بحروبهم الجديدة التى ليس فيها دبابات وطائرات ومدفعية.. لكن بها ما هو أكثر تدميرًا للقنابل والصواريخ.. ألا وهو تمزيق أوصال قيم ومبادئ وعادات وتقاليد وأعراف مجتمع البلد المستهدف.. وتلك المسألة حسب اعترافاتهم تحتاج على أقل تقدير 10 سنوات متتالية.. خلالها.. سلاح السينما مثلًا.. سلسلة أفلام على مدى السنوات العشر.. الرسالة التى تحملها واحدة من خلال قصص مختلفة!.



الرسالة التى يطبعونها فى عقول الأجيال التى هى من سن السادسة وحتى 14 سنة.. لا توجد امرأة شريفة.. ولا يوجد رجل حر!. عشر سنوات كل أفلامها تؤكد هذه النظرية.. التى فيها الكل خائن!. الزوجة تخون زوجها والزوج يخون زوجته!.



استمرار هذه الرسالة الجهنمية سنوات.. كافٍ لأن يجعل الطفل الذى كان عمره 6 سنوات ووصل إلى 16 سنة.. وهو لا يرى ولا يسمع إلا هذه الحكاية.. الطبيعى أن السينما أوصلته بعد 10 سنوات إلى مخلوق لا يثق فى مخلوق ويكره كل مخلوق ويتمرد على المخلوق الأقرب إليه.. وقابل لأن يكون آلة عنف وسفك دماء أعز خلق الله لديه!.



الحكاية ليست أزمة ورق.. أى أزمة مؤلفين.. لأن مصر لم ولن تتوقف أرضها عن إنجاب المواهب فى كل المجالات!.



والله العظيم عندنا عباقرة فى الكتابة وعباقرة فى التلحين وعباقرة فى الغناء وعباقرة فى الشعر وعباقرة فى الإخراج.. عباقرة فى كل مجال.. ولكن!.



الأزمة فى المناخ المسموم المحكوم بالمصالح.. وعندما تسود المصالح الشخصية.. لا مكان للمواهب والعباقرة!.



لا تلغى عقلى وتقول لى: إن الإسفاف الذى اجتاح عالم الأغنية.. ناجم عن ندرة شعراء!. لا والله.. مصر كانت ومازالت وستبقى القلب النابض للشعر!. مصر فيها شعراء عظام.. وصعيد مصر تحديدًا منجم أدب وشعر.. لكن البعيد عن العين.. بعيد عن القلب والعقل وعن كل حاجة.. وبعيدًا عن أنه بعيد فى المكان.. واضح والله أعلم.. أن القضاء على كل القوى الناعمة المصرية.. جزء أصيل من منهج أجيال الحروب الجديدة!.



قوة الفن المصرى العظيم.. جعلت كل من يتكلم العربية فى أى مكان بالعالم.. يفهم اللهجة المصرية ويتكلم اللهجة المصرية!. هذا أمر نادر الحدوث فى أى مكان!. هذا الأمر يعتبر أعظم انتشار ثقافى للدولة المصرية!.



هذا النجاح المصرى المبهر.. طبيعى ألا يكون على هوى دول كبيرة كثيرة.. كل تقدم لمصر خطر على إسرائيل.. والحل!.



وجدوا فى الأجيال الجديدة للحروب غايتهم.. التى نجحت فى تدمير دول عربية عديدة فى إطار المخطط الجديد للمنطقة.. بعد أن تهلهلت أوراق مخططهم الأول سايكس بيكو!.



ليست مصادفة أن يجعلوا كلمات ركيكة وأصواتًا هزيلة.. يجعلونها الأغنية التى سمعها عشرات الملايين.. وقال إيه.. جابت من الدولارات الملايين!. من الذى أحصى أعداد الملايين هذه التى استمعت للأغنية؟ ومين يثبت هذه الملايين حقيقية وليست كتائب إلكترونية.. صنعت كل هذا الصخب لأجل ألا تقوم للأغنية المصرية الحقيقية قائمة.. والشعر الهادف الذى يرتقى بعاطفة ووجدان شعب.. يذهب إلى غير رجعة.. أمام كلام لا معنى له.. قال إيه جعلوا منه أسطورة فنية عالمية!.



الفكرة.. أن تحل هذه الأعمال الهابطة.. بديلًا للأغنية المصرية التى تربعت على العرش أكثر من نصف قرن!. ليس صحيحًا أن الجمهور عايز كده.. ولا زى ما بيقولوا الشباب عايز كده!.



الصحيح.. أن ما تقدمه الأوبرا المصرية.. سواء فى الموسيقى العربية أو نجومنا الكبار الحجار ومدحت صالح والحلو وهانى شاكر ومحمد منير وعمرو دياب وتامر حسنى وأنغام وأمال ماهر وكل ما يتم تقديمه فى الأوبرا.. عليه إقبال هائل!.



الصحيح.. رأيناه وعشناه فى احتفالية نقل مومياوات ملوك مصر.. الحفل الموسيقى المبهر.. أبهر المصريين.. شبابًا قبل الكبار!.



الصحيح.. أراه يتحقق فى المحليات والتقييمات والإجراءات التى اتخذت مؤخرًا!. ويقينى أن مرحلة الاختيارات غير الموفقة ولَّتْ.. ومرحلة المواهب والعباقرة حضرت.. وبإذنك يارب.. سنرى ونشاهد ونستمتع.. بمن يكملون مشوار العباقرة.. أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ولينين الرملى وإسماعيل عبدالحافظ وفهمى عبدالحميد وأحمد طنطاوى ومصطفى الشال ومجدى أبوعميرة وبليغ حمدى والموجى وكمال الطويل وحسين السيد ومرسى جميل عزيز و.....



................................................



>> عندى لحضراتكم حكاية وقعت من أيام فى مرفقين مختلفين بمكان واحد هو حى المعادى!.. مرفق تابع للداخلية هو قسم المعادى.. والثانى يتبع وزارة القوى العاملة هو مكتب العمل.. وبطبيعة الحال كلا المرفقين يتعامل معهما المواطنون.. إلا أن الفارق بينهما فى التعامل مع المواطن.. اتضح أنه مثل فارق المسافة بين السماء والأرض!. إيه الحكاية؟.



الحكاية.. هى حكاية أى مواطن نجح فى الحصول على وظيفة.. وبدأ فى استكمال مسوغات التعيين.. ومنها استخراج فيش وتشبيه من السجل المدنى الموجود بقسم الشرطة الذى يتبعه.. وكعب عمل من مكتب العمل الذى فى محل إقامته.. وهذا ما حدث لبطلة حكايتنا!.



ذهبت إلى قسم المعادى لاستخراج الفيش والتشبيه.. وآخر مرة دخلت فيها قسم المعادى لنفس الأمر كانت من سنين تزيد على العشر.. إلا أنها!.



فوجئت بتغيير جذرى فى الشكل والمضمون!.



نظام والتزام واحترام لوقت وجهد المواطن.. وفهم تام للواجبات المكلفين بها!.



المكان.. أرضيته وجدرانه فى غاية النظافة.. والنظافة تجبر المتواجد فيها على الحفاظ عليها!.



المكان.. خارجه منطقة مفتوحة هى الأخرى أرضيتها نظيفة.. بها مقاعد للانتظار لتأمين التباعد الاجتماعى.. وعندما جاء دور بطلة حكايتنا.. دخلت الغرفة ومن لحظة الدخول حتى إنهاء الإجراءات وعمل البصمة.. أقل من عشر دقائق.. وغادرت بعد أن دفعت الرسوم ومعها إيصال لاستلام الفيش والتشبيه فى اليوم التالى وفقًا للإجراءات المتبعة.



بطلة حكايتنا غادرت قسم المعادى وهى فى قمة الرضا والامتنان.. وكيف لا ترضى وتمتن والمرافق التى فيها تعامل مع المواطنين.. أصبحت آدمية فى نظافتها ومنضبطة فى أدائها وملتزمة فى مواعيدها وإنسانية فى تعاملها!. وفى اليوم التالى ذهبت بطلة حكايتنا إلى قسم المعادى فى الموعد المحدد لها.. وجدت موظفة تسلمت منها الإيصال وسلمتها الفيش والتشبيه فى أقل من خمس دقائق!.



بطلة حكايتنا كان مطلوبًا منها استخراج كعب عمل.. وعلى ضوء تجربتها فى قسم المعادى.. تصورت أن المسألة ستنتهى فى دقائق!. ظنت ذلك لأنها تجهل أن قسم المعادى حاجة ومكتب العمل حاجة تانية خالص!. إيه اللى حصل؟.



سألت عن مكان مكتب العمل وفقًا لمحل الإقامة.. قالوا لها إنه فى شارع 106 وذهبت إلى العنوان.. واستبشرت خيرًا.. متوقعة عدم وجود زحام فى الداخل.. طالما لا يوجد زحام فى الخارج!. لكنها فرحة ما تمت.. والزحام غير موجود.. لأن المكتب.. مكتب العمل أصلًا لم يعد موجودًا!. سألت فعرفت أن مكتب العمل الخاص بسكان المعادى والموجود فى هذا المكان من سنين.. اتنقل لمكان آخر فى المعادى!.



شىء غريب أن يُنقل مكان خدمة عامة مثل مكتب العمل.. ولا يضعون يافطة أو أى شىء.. يحترم آدمية المواطن الذى حقه أن يجد ما يهديه للمكان الجديد للمكتب.. بدلًا من سؤال الرايح والجاى.. والغالبية لا تعرف وصاحب الخدمة لا يعرف.. وحقه أن يعرف.. فيما لو أن مكتب العمل.. عرف أن مهمته خدمة المواطنين وليس الاستهتار بهم!.



المهم أن بطلة حكايتنا.. وجدت ابن الحلال الذى أنقذها وأخبرها بالعنوان الجديد لمكتب العمل!.



المهم أنها ذهبت إلى العنوان ومن الزحام عرفت أن الذى وجدته فى قسم المعادى لا وجود له هنا.. وكانت أول صدمة!.



الصدمة الثانية.. جاءت بعد جهدها البالغ الذى بذلته لأجل الوصول للموظف المختص.. لتفاجأ بقوله لها: لا يا مدام.. المكان ده.. للشكاوى وقياس المهارة!.. والمعادى بقى تابع لـ15 مايو!.



قالت له وإحباط الدنيا حَطّ عليها.. يعنى إيه؟. قال لها: يعنى عايزة كعب عمل.. روحى مكتب العمل الموجود فى مدينة 15 مايو!.



قالت: إزاى؟. قالتها قاصدة إزاى كل واحد فى المعادى عايز كعب عمل يروح 15 مايو.. إزاى تصعبوها بدل ما تسهلوها؟.



البيه الموظف رد على قولها إزاى.. بصدمة ثالثة لها.. بقوله: مافيهاش حاجة يا مدام تتعبى شوية لأجل مصلحتك.. قالها بثقة وحزم وكأن التعب مسألة حتمية لقضاء المصالح!. سيادته أنهى الحوار.. بقوله لبطلة حكايتنا: اركبى المترو لحلوان وقدام المحطة خدى ميكروباص لـ15 مايو!.



بطلة حكايتنا انصرفت بعد أن صرفت النظر نهائيًا عن استخراج كعب العمل.. انصرفت ولسان حالها يقول: سبحان الله.. مكانان تابعان لوزارتين فى حكومة واحدة.. واحد فى السما والتانى فى سابع أرض!.



شكرًا سيدى وزير الداخلية على الرقى والتحضر فى الخدمات التى تقدمها الوزارة للمصريين.. وشكرًا سيدى وزير القوى العاملة.. على ما سيكون بإعفاء أهالى المعادى.. من «فرمان الكعب الداير» المكتوب على أى مواطن عايز كعب عمل!.