عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
إعدام شجرة!! متر مربع نصيب المواطن من المساحات الخضراء بدلا من 15 مترا هو المتوسط العالمى
26 مايو 2021
تحقيق ــ هاجر صلاح


متحدث الرى: إزالة أشجار الترع ضرورى لتنفيذ مشروع التبطين.. ولا توجد خطة حتى الان لإعادة التشجير



«نظافة وتجميل الجيزة»: نزيل الأشجار الكثيفة لأنها تشكل خطرا أو لتوسعة الطرق.. ونمو الشجر الجديد سيستغرق وقتا



محمد عبد المنعم: مهمة إدارة التشجير بوزارة الزراعة تقتصر على زراعة الغابات والمشاتل



أحمد سكران: «المحليات» تستعين أحيانا بخبراء «بحوث البساتين» كما تم أخيرا قبل قطع أشجار الكافور على نيل العجوزة



ينبغى التخلى عن زراعة «الفيكس» تماما.. والاهتمام بالأشجار المنتجة للأخشاب والزينة غير الشرهة للمياه





وزارة البيئة: المحليات تعتبر بيع الأخشاب مصدرا لزيادة مواردها .. ولا أحد يستعين بنا قبل التعامل مع الأشجار 



 



لا نتحرك « قضائيا» إلا بعد شكوى.. ونطالب بحق الضبطية القضائية لمنع «الجريمة» قبل وقوعها



شجرنا الطريق الدائرى بـ 65 ألف شجرة تراجعت لنحو 10 آلاف بسبب إضافة محاور جديدة



 



 



 



 



 



ذات صباح شتوى فى ديسمبر الماضي، استيقظت أسماء على «ضوضاء» غير معتادة فى شارعها الهادئ المطل على نيل القناطر، لتصطدم عيناها بجمع من الناس تتوسطهم جرافة تقوم بتكسير سور حديقة مطلة مباشرة على النيل.. تلك الحديقة التى أسهم والدها فى زراعة بعض أشجارها منذ سنوات طويلة!



بعد استطلاع الأمر، تبين أن المنطقة الخضراء معرضة للإزالة التامة بهدف تحويلها إلى موقف سيارات أجرة، وبعد شكوى تقدمت بها أسماء لوزارة الرى التابع لها الموقع، قامت الوزارة بإعادة «تسوير» المنطقة، وتوقف العمل، لكن لم تهنأ أسماء طويلا، بعد أن فوجئت الشهر الماضى بعودة الجرافات للعمل من جديد. وأيقنت أن المشروع «المدمر» ماض فى سبيله، ولا تعرف لمن تلجأ بعد أن استنفذت كل السبل لمنعه.



أسماء ليست الوحيدة التى وجدت نفسها عاجزة عن التصرف حيال ما يتكرر من وقائع «قطع الأشجار» المتكررة فى الآونة الأخيرة، إذ فوجئت سارة، وهى تتوجه لاستقلال مترو الأنفاق من محطة ثكنات المعادى أن شجرتين قد تم للتو قطعهما فى حرم محطة المترو، لتفاجأ فى اليوم التالى مباشرة أن الحوضين اللذين كانا يحتضناهما قد تم إزالتهما أيضا، وتم «تبيلط» مكانهما ببلاط «انترلوك»، ليتم إخفاء معالم الجريمة تماما، وكأن «أشجارا» لم تكن هنا فى الأصل!



 



الوقائع المماثلة لا تنتهى بعد أن طالت مواقع عديدة بمختلف المحافظات والمدن والأحياء، منها ما يكون وراءه أسباب تعلنها الجهات التنفيذية مثل توسعة الشوارع، كما حدث مؤخرا فى المهندسين، أو بناء شبكة طرق من محاور و«كباري»، وكان أبرز مثال فى حى مصر الجديدة، وقد يكون لتنفيذ مشروع قومي، كما يحدث فى مشروع تبطين الترع والمصارف، حيث استدعى تنفيذه إزالة كل الأشجار التى تحوط جانبيها، أو قد يكون السبب المعلن الحفاظ على أرواح المارة من سقوط الأشجار الكبيرة التى «شاخت»، وهو ما قيل بخصوص إزالة أشجار الكافور بطول شارع النيل، أو بسبب «الحفاظ على الثروة النباتية» كما أعلن بخصوص قطع أكثر من 300 شجرة فى حدائق المنتزه بالإسكندرية، إذ أصيب الشجر بالتسوس، فكان لابد- وفقا للتصريحات- من إزالته مع الوعد بزراعة غيره.



لكن فى أحيان أخرى تكون الأسباب غامضة، كأن يتم قطع الأشجار فى أحياء سكنية هادئة غير كثيفة الزحام كما فى مدينة 6 أكتوبر أو القاهرة الجديدة، أو قد يتم التعلل بأسباب غريبة، كما حدث فى أراضى مصنع شركة مصر للغزل والنسيج فى كفر الدوار، إذ بررت رئيس مجلس إدارة الشركة إزالة الأشجار الكبيرة المعمرة فى مذكرة رسمية بناء على شكوى لأحد المواطنين، قالت فيها إن الطيور التى تستوطن تلك الأشجار، مصدر لنقل عدوى كورونا، وأن معظمها تتسبب فى إحداث حرائق!



مع تكرار تلك الوقائع لإزالة أعداد هائلة من الأشجار الكبيرة أو حتى الصغيرة، ساد اعتقاد بأن هناك «خطة» لتقليل الأشجار حفاظا على المياه فى ظل مخاوف من تأثر حصة مصر من مياه النيل. وهو الأمر الذى نفاه تماما المهندس محمد غانم – المتحدث الرسمى لوزارة الرى والموارد المائية- مؤكدا أن إزالة الأشجار التى كانت تحيط بالترع والمصارف تمت لأسباب فنية، إذ تعيق عملية «التدبيش» ، وعندما سألناه عما إذا كانت هناك خطة لإعادة تشجير تلك «الحواف» من جديد بعد الانتهاء من المشروع، قال إنه لا توجد خطة بذلك حاليا، وأن الأمر سيترك لإدارة الرى فى كل منطقة على حدة، وفقا لظروف المكان .



أثناء جولة لنا فى شارع النيل وتحديدا فى حى العجوزة لاحظنا الفرق بعد إزالة أشجار الكافور الكثيفة التى كانت تظلل رصيف المشاة، صحيح أن النيل أصبح مكشوفا تماما، لكن لا استمتاع فى ظل السير تحت أشعة الشمس الحارقة بلا بقعة ظل واحدة، بينما تم عمل أحواض صغيرة زرعت فيها «فروع خشبية» لم تورق بعد، فلم نتبين نوع الشجر، وفى منتصف الشارع تم عمل جزيرة وسطى زرعت بنخيل «البرتشارديا» الذى يفتقر للنضارة تماما. تواصلنا مع شفيق جلال –رئيس هيئة نظافة وتجميل الجيزة- لنسأله بمن استعانوا فى التعامل مع أشجار شوارع المهندسين والدقى وغيرهما فى الفترة الأخيرة، فقال إنهم استعانوا بأساتذة من كلية الزراعة، مؤكدا أن إزالة الأشجار تتم لتوسعة الطرق المزدحمة والمتكدسة مروريا بعد تقليل عرض الجزر الوسطي، كما فى شارع سليمان أباظة وجزيرة العرب، خاصة أن أشجارهما أصبحت كثيفة وخطرا على المارة، أما الشجر المزروع حديثا فسيستغرق نموه وقتا حتى يشعر الناس بوجوده.



دعوى قضائية



أحمد الصعيدى المحامى المتخصص فى قضايا البيئة أقام دعوى أمام القضاء الإدارى فى إبريل 2020 تطعن على القرار السلبى بامتناع المسئولين المختصين عن إصدار قرار بوقف قطع الأشجار و إزالة الحدائق العامة إلا بعد إجراء دراسة لتقييم الأثر البيئى الناجم. يقول الصعيدى:» فى مصر الجديدة وحدها أزيل ما مساحته 90 فدانا من المساحات الخضراء بما يقرب من 2500 شجرة، منها أشجار عتيقة، بالإضافة إلى مناطق أخرى كجسر السويس ومدينة نصر والعجوزة والحلمية وبعض محافظات الصعيد، وهو ما ينجم عنه ما يسمى بـ «التدهور البيئي» من نقص فى نسبة الأكسجين وتزايد انبعاثات السيارات». الصعيدى حصل فى نوفمبر الماضى على حكم فى الشق العاجل بالدعوى بإحالتها لمكتب خبراء شمال القاهرة لتحديد المساحات الخضراء التى تمت إزالتها ودراسة ما إذا تمت مراعاة الاشتراطات البيئية قبل تنفيذ المشروعات التى تطلبت الإزالة، وتحديد الأضرار البيئية المترتبة. يتابع الصعيدى: «وفقا للقانون فإن أى شخص طبيعى أو اعتبارى يلتزم بتقديم دراسة تقويم الأثر البيئى لمنشأته أو لمشروعه إلى الجهة الإدارية مانحة الترخيص قبل البدء فى تنفيذ المشروع وفقا للمواصفات التى يحدهها جهاز شئون البيئة، ليراجعها ويبدى فيها رأيه، وبإمكانه الزام مقدم الدراسة بتعديل ما جاء فيها لتلافى أضرار المشروع البيئية. وعندما خاطبت المحكمة الجهاز اذا ما عرضت عليه أى دراسة لاستيفاء الاشتراطات البيئية ، كان رده بالنفي».



ويعدد لنا الصعيدى النصوص القانونية التى من المفترض أنها تضمن حماية البيئة فى مصر، على رأسها المادة 46 من الدستور التى تنص على أن لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها. والمادة 21 من قانون البيئة التى تلزم كل حى وكل قرية بتخصيص مساحة لا تقل عن ألف متر من أراضى الدولة لإقامة مشتل. هناك أيضا المادة 162 من قانون العقوبات التى تعاقب كل من أتلف أو قطع أشجارا بالحبس والغرامة٬ ولا ننسى اتفاقية تغير المناخ التى وقعت عليها الحكومة المصرية وتلزم أطرافها بالتصدى للتهديد الذى يشكله تغير المناخ، ومن المعروف دور المساحات الخضراء فى هذا الصدد.



إدارة للتشجير.. ولكن



فى غمار بحثنا عن الجهات التى يحق لها، وتقوم بالفعل بقطع الأشجار أو إزالتها تماما، تبين أنها تتمثل فى الإدارات المحلية (حى.. مجلس مدينة .. مجلس قرية) أو هيئات التجميل والنظافة التابعة إداريا للمحافظة (سواء القاهرة أو الجيزة)، أما وزارتا البيئة والزراعة فلا علاقة لهما بالأمر، لا بالسلب أو بالايجاب، بمعنى أنها غير ملزمة بإدلاء دلوها فى أمر القطع أو الإزالة، وفى الوقت نفسه ليست لها صلاحيات المنع، أما وزارة الرى فمسئولة فقط عما يقع فى نطاق الأراضى التابعة لها.



فى وزارة الزراعة يوجد ما يعرف بالإدارة المركزية للتشجير، لكن تلك الإدارة وكما يخبرنا رئيسها المهندس محمد عبد المنعم، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بمسألة تشجير الشوارع والطرق، وهى تنقسم لإدارتين؛ الأولى لزراعة الغابات التى تملكها الوزارة، والثانية للمشاتل التى تنتج الشتلات التى تمد بها الغابات، أو تخصص جزءا منها للبيع للجمهور. المشروع الوحيد المتعلق بالتشجير وكانت مسئولة عنه وزارة الزراعة وانتهى، كان فى ستينيات القرن الماضى وهو مشروع تشجير حواف الترع والمصارف (تلك الأشجار التى تمت إزالتها الآن اضطرارا).



وبصفته خبيرا زراعيا سألناه عن أنواع الاشجار المناسبة لشوارعنا «المشمسة» وأجوائنا الحاره، فأوضح عبد المنعم أن هناك معايير تحدد نوع الشجر المناسب منها ألا تكون شرهة للمياه مثل «الكونوكاربس»، التى تتحمل الملوحة، كما يجب أن تكون الشجرة ذات جذور وتدية، وليست جانبية حتى لا تؤثر على البنية التحتية، وتمتد حولها فتعطلها أو تدمرها، وينصح عبد المنعم بأن يتم التخلى عن زراعة الفيكس والبونسيانا، فهى أشجار ظل فقط، على أن يتم استبدالها بالأشجار الخشبية التى تؤدى الغرض نفسه، وفى الوقت ذاته يمكن بعد سنوات استغلال أخشابها، مشيرا إلى أن مصر تستورد كميات كبيرة من الأخشاب التى تكلفها أكثر من مليار جنيه سنويا، ومن أبرز الأشجار الخشبية الماهوجنى والسرسوع. عبد المنعم نفى أن يكون الكافور الذى تمت إزالته يستهلك كميات كبيرة من المياه.



توصيات دون متابعة



انتقلنا لخبير آخر وهو المهندس أحمد سكران – إخصائى الأشجار الخشبية والغابات بمعهد بحوث البساتين التابع لوزارة الزراعة- وسألناه إذا ما كانت المحليات أو غيرها تقوم بالاستعانة بخبراء المعهد فى عمل معاينات للأشجار قبل قطعها أو إزالتها، فأوضح قائلا:» يحدث ذلك أحيانا وهو ما تم مؤخرا فيما يتعلق بقطع أشجار الكافور على نيل العجوزة، فيحدد المهندس حالة كل شجرة وكيفية التعامل معها سواء قطعها وإسقاطها تماما أو تقليمها، فهناك أشجار قد يكون عمرها كبيرا ووصلت لمرحلة الشيخوخة، فتصاب بالأمراض والآفات بسهولة، فيتعين إسقاطها وإزالتها مع التوصية بزراعة شجرة بديلة، وبعض الأشجار تحتاج الى تقليم خفيف أو جائر «شديد» على حسب الحالة، من حيث وجود ميول أو شرود لبعض الأفرع الكبيرة والصغيرة بنهر الطريق وتشابكها مع أسلاك الكهرباء مثلا، وتكمن الخطورة مع شدة الرياح فوجب تقليمها وتهذيبها وليس قطعها أو إزالتها كما يحدث فى بعض أشجار الشوارع والميادين دون الرجوع إلينا، وقد يكون التقليم جائرا أو بالقطع على ارتفاع معين للشجرة لتجدد نفسها. سكران، يعترف بأنهم لا يقومون بمتابعة ما تم بعد ذلك، بل يتوقف دورهم عند تقديم التوصيات كما يطلب منهم.



قائمة الأشجار المناسبة



سألناه أيضا عن أنسب أنواع الأشجار لشوارعنا، فقال إن ذلك يحدده عرض الشارع ومساحته والمبانى المحيطة، لكنه أوضح أنه يفضل زراعة أنواع جديدة من الأشجار بدلا من أشجار الفيكس العادى المنتشرة بكثرة بشوارعنا، فأوصى بزراعة أشجار متعددة الأغراض مثل الأشجار المنتجة للأخشاب ذات القيمة الاقتصادية العالية، ومنها المزهرة أيضا وذات الأوراق المميزة بالشكل واللون، على سبيل المثال لا الحصر أشجار الكايا (ماهوجنى افريقي)- أبو المكارم – اللبخ –البلتيفورم – البونجاميا- فيكس انفكتوريا التى تجدد أوراقها الخضراء القديمة بالأوراق الصفراء والحمراء، وترمناليا ميلرى ومنتالى ذات الأوراق الحمراء، وهى من أفخم أنواع الأشجار شكلا وقواما بأغصانها المنتظمة متعددة الأدوار، وكثير من الأشجار ماهو قابل للقص والتشكيل لإعطاء المنظر الجمالى.



يقترح سكران أيضا زراعة أشجار مزهرة للزينة غير شرهة للمياه مثل الشجرة الواعدة تسبيسيا ذات ثلاثة ألوان لأزهارها (أصفر – برتقالى – أحمر) على نفس الشجرة. هناك أيضا أشجار سباثوديا و التابوبيا والجاكرندا وكاسيا ندوزا. أما شجر الكافور فمشكلته كما يقول سكران أنه محب للمياه وجذوره ضخمة ومتشعبة، ويمكن أن تؤثر على مرافق البنية التحتية مع النمو. سألناه عن الأشجار المناسبة للزراعة على حواف الترع والمصارف، فأوضح أنها تلك التى تثبت حواف الترع، وفى الوقت ذاته لا تؤثر على التبطين مستقبلا وأبرزها شجر السرو والتاكسوديوم والفلفل عريض الأوراق .



وبعين الخبير؛ يخبرنا المهندس أحمد سكران أنه غير راض عن حال الأشجار فى شوارعنا وتراجع المساحات الخضراء، بسبب غياب العناية بها تماما، منبها لضرورة تغيير فكر المسئولين بالتخلى عن الأنواع التى دأبت «المحليات» على زراعتها، وأن يستعينوا بالمتخصصين، مشيرا إلى أن ما رشحه من أنواع للشجر غير مكلف ومتوفر فى مشاتل وزارة الزراعة. غياب العناية يتمثل كما يقول فى غياب الرى المنتظم، فتذبل الشجرة وتجف.



«البيئة».. العين بصيرة واليد قصيرة!



مع قطع كل شجرة، توجه سهام النقد لوزارة البيئة بسب صمتها عما يجري، وهو نقد منطقى ومشروع، فإن لم تكن وزارة البيئة هى المعنية بحال الأشجار فمن يكون؟! للأسف الواقع يختلف كثيرا، فكما يخبرنا المهندس أحمد عباس -مدير إدارة التشجير بالوزارة- أن المحليات وتحديدا هيئات التجميل والنظاقة ( القاهرة -الجيزة) هى التى تقوم بقطع الأشجار أو تقليمها أو إزالتها، أما وزارة البيئة فلا سلطة لها عليها، وإدارة التشجير بالوزارة- يعمل بها 8 مهندسين فقط لا غير- ليس لهم حق الضبطية القضائية، وبالتالى فإن كل ما تملكه وزارة البيئة أن تقيم دعوى قضائية بعد انتهاء الواقعة سواء بناء على شكوى أو العلم بالواقعة بالمصادفة، مثلما حدث من قبل فى واقعة إزالة أشجار فى أرض مصنع الغزل والنسيج فى حلوان، حيث أقامت إدارة الشئون القانونية بالوزارة دعوى ضد الجهة وطالبت بتعويض مادى نظير التصرف فى الأخشاب، وتعويض مردود بيئى.



يتابع عباس: منح حق الضبطية القضائية سيمكننا من وقف الجريمة قبل وقوعها خاصة أن الأمر استفحل فى الفترة الاخيرة». (نصيب المواطن فى مصر من المساحات الخضراء وفقا لآخر احصائية منذ عامين 1,2 متر مربع فى حين أن المتوسط العالمى لايجب أن يقل عن 15 مترا ).



ويكمل: من المعروف للجميع أن هيئات النظافة والتجميل تعتبر بيع أخشاب الأشجار مصدرا من مصادر زيادة مواردها المالية، ولطالما طالبنا تلك الهيئات بأن يستعينوا بخبراء وزارة البيئة لكن بلا جدوى.



ويتذكر عباس واقعة أخرى منذ سنوات حدثت فى مستشفى الخانكة للأمراض النفسية، عندما قررت إدارة المستشفى إزالة 360 شجرة تاريخية متعللة بأنها تمثل خطرا على المباني، وبعد تلقيهم شكوى، شكلت الوزارة لجنة لمعاينة الأشجار، واتضح أن ما يستوجب الازالة لا يتجاوز 26 شجرة، وتم منع « الكارثة».



40 ألف شجرة فى 3 سنوات






على جانب آخر سألناه عن اختصاصات إدارة التشجير بالوزارة فأوضح المهندس أحمد عباس أنهم يعملون على عدة محاور منها تشجير المناطق الأكثر تلوثا، التى تتركز فيها انبعاثات المصانع وعوادم السيارات والأتربة. المشروع الذى بدأ منذ عام 2018، أنجز زراعة 40 الف شجرة فى حلوان والمعصرة، وشبرا الخيمة والخانكة وأبو زعبل والتبين وطرة الأسمنت وطرة البلد. وتتنوع الأشجار المزروعة ما بين أشجار زينة مثل التيكوما والاكاسيا، و أشجار مستديمة الخضرة وتمتص عوادم السيارات مثل الفيكس، والصفصاف الذى يمتص المعادن الثقيلة من التربة، ونخيل برتشارديا الذى يمتص الأتربة العالقة فى الهواء والغبار، وشجر الكافور والجازورين ويعملان كمصدات رياح، فلكل منطقة نوع الشجر المناسب.



وبجانب زراعة المشاتل فى المحافظات المختلفة، تعمل الإدارة أيضا منذ 8 سنوات على برنامج تشجير المدارس والجامعات والجمعيات الاهلية والأحياء ودور العبادة من مساجد وأديرة، بحيث تتم زراعة 30 ألف شجرة سنويا على مستوى الجمهورية ، ومع بداية يوليو المقبل ستساهم الوزارة فى زراعة 222 الف شجرة ضمن مبادرة «حياة كريمة» فى القرى والنجوع، ما بين شجر مثمر وزينة، تكون سريعة النمو واحتياجاتها المائية قليلة كالتوت والنبق.



وأكد المهندس أحمد عباس أنه سيقومون بإعادة زراعة حواف الترع بأشجار ذات جدوى اقتصادية وأنهم بدأوا بالفعل فى بنى سويف. كانت الوزارة قد بدأت أيضا فى مشروع» الحزام الأخضر» لتشجير الطرق السريعة والصحراوية، كان من بينها تشجير طريق المطار بالخارجة بمحافظة الوادى الجديد، و قبله تشجير الطريق الدائرى ، بنحو 65 ألف شجرة بطول 14 كم، وعندما أخبرناه أننا لا نرى لتلك الأشجار أثرا ، أوضح لنا أن هيئة الطرق والكبارى طلبت مع الوقت أن تزيل عددا من الأشجار للتوسعة أو إضافة محاور جديدة، وهو ما جعل عدد الأشجار حاليا ينخفض الى 10 آلاف شجرة تقريبا. فى ختام حديثه اقترح ضرورة توحيد الجهات المعنية بالتشجير على مستوى الجمهورية تتمثل فى إنشاء هيئة عليا للتشجير.



تواصلنا مع علاء سلام مدير إدارة خدمة المواطنين فى وزارة البيئة المعنية بتلقى شكاوى المواطنين، لكنه فاجأنا بأنه منذ إنشاء منظومة الشكاوى الحكومية التابعة لمجلس الوزراء، تحول إليها أى شكوى تتلقاها الإدارة بخصوص قطع الأشجار، وأن مهمتهم تقتصر فقط على النظر فى الشكاوى المتعلقة بقطع الأشجار النادرة التى تقع فى نطاق المحميات الطبيعية، أما أشجار الشوارع والطرق والأحياء فلا تقع ضمن اختصاصهم، وتخضع لقانون العقوبات.



فى وزارة البيئة أيضا، كان لابد أن نتحدث مع المهندس محمد مصطفى –منسق مبادرة اتحضر للأخضر- المعنية بالتوعية البيئية ومن بين محاورها التشجير، وقد ذكر لنا أنهم حتى الآن ومن خلال شركائهم فى المبادرة زرعوا 364 ألفا و638 شجرة، منها أشجار مثمرة (ليمون ورمان وزيتون وجوافة) وشجر زينة وذلك فى نطاق الجامعات والمدارس والجمعيات الأهلية والحدائق- مثل حديقة الماظة- لكن ليس فى الشوارع أو الطرقات.



إلى هنا انتهى التحقيق، لكن لا يجب أن تنتهى المتابعة والرصد لما يجرى إزاء الأشجار فى كل مكان، فمخطئ من يعتقد أن الشجرة مجرد شكل جمالى أو وسيلة لتوفير الظل أو حتى مصنع للأكسجين، بل هى حياة كاملة لأحياء أخرى تتضرر من إزالة «مساكنها»، ولعلنا نكون قد قدمنا قائمة وافية «للمحليات» بأهم أنواع الأشجار التى يمكنهم زراعتها، ووفرنا عليهم عبء البحث، ولربما تراجع المسئولون عن بعض المشروعات التى تثير «الدهشة» كهذا الذى أعلنت عنه وزارة الإسكان مؤخرا لاستخدام النجيل الصناعى، فى أعمال «اللاند سكيب» بالمدن الجديدة، بدعوى انخفاض تكلفته على المدى الطويل عن النجيل الطبيعي!